الأزمات الاقتصادية والمالية، كيف تنعكس على أسعار النفط

الأزمات الاقتصادية والمالية، كيف تنعكس على أسعار النفط

واشنطن – تأتي الأزمة المصرفية الحالية بعد ثلاث سنوات فقط من تفشي جائحة كوفيد – 19 التي سببت اضطرابات في سلسلة التوريد العالمية، والتي جاءت نفسها بعد عقد من أزمة 2008 المالية. وكانت الطاقة من القطاعات التي تعرضت تاريخيا لأكبر قدر من الضربات كلما واجه الاقتصاد أزماته المتواترة.

ويقول المحلل الاقتصادي أليكس كيماني إن الأزمات المالية المتكررة التي تتطلب عمليات إنقاذ دراماتيكية أصبحت أمرا عاديا، حيث واجهت الإدارات الأميركية الأربع الأخيرة أزمة اقتصادية خطيرة تدخّلت الحكومة للتخفيف من حدّتها.

وعادة ما يكون لفترات الركود الاقتصادي تأثير سلبي واضح على قطاع النفط والغاز، بما يؤدي إلى انخفاض حاد في أسعار المحروقات مع انكماش في المدفوعات
الائتمانية. ويعني انخفاض أسعار النفط والغاز تراجعا في عائدات شركات الطاقة وتشديد الشروط الائتمانية التي تفرض دفع العديد من المستكشفين والمنتجين لمعدلات فائدة أعلى عند زيادة رأس المال، مما يقلص نسبة أرباحهم أكثر.

ويحذر بعض الخبراء من أن الولايات المتحدة لم تخرج من مرحلة الخطر رغم أن الإجراءات السريعة التي اتخذتها الحكومة تبدو ناجحة في تحقيق استقرار القطاع المصرفي.

ويتذكر أليكس كيماني كيف تفاعلت أسواق الطاقة مع الأزمات الاقتصادية والمالية الماضية، حيث يقول إن افتتاح حقول النفط العملاقة في الولايات المتحدة في السنوات التي سبقت الكساد العظيم في 1930 خلق فائضا هائلا أدى إلى انخفاض الأسعار.

وبلغت مخزونات الخام التجارية الأميركية 545 مليون برميل في أكتوبر 1929 بفضل اكتشاف العديد من حقول النفط الضخمة في أوكلاهوما وتكساس وبقية الجنوب الغربي وكاليفورنيا. وكان هذا يعادل آنذاك 214 يوما من الإنتاج.

وانطلق أول تدفق في 1926 في حقل سيمينول في أوكلاهوما، بما حقق 10 في المئة من إجمالي إنتاج النفط الأميركي. وشهدت البلاد سيلا من الاكتشافات الجديدة مما حدّ من مخاوف ذروة النفط التي كانت سائدة في أوائل العشرينات.

ويقول المحلل الاقتصادي إن الصدمة النفطية في العامين 1973 – 1974 تعد واحدة من أهم الأزمات في القطاع نتيجة للحظر النفطي الذي فرضه المنتجون العرب على الولايات المتحدة. وكان ارتفاع أسعار النفط في هذه الحالة سبب الأزمة الاقتصادية.

وفرضت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول في 19 أكتوبر 1973 حظرا نفطيا على الولايات المتحدة ردّا على طلب وجهه الرئيس ريتشارد نيكسون إلى الكونغرس لتوفير 2.2 مليار دولار من المساعدات الطارئة لإسرائيل في حرب أكتوبر. وواجهت الولايات المتحدة أزمة في المعروض وتضاعف سعر النفط أربع مرات. ورُفع الحظر في النهاية في مارس 1974 وسط خلافات بين فارضيه في ما يتعلق بمدة استمراره.

وكانت أسعار السلع الصناعية بحلول منتصف 1973 ترتفع بأكثر من 10 في المئة سنويا. وكانت المصانع تعمل بكامل طاقتها مما أدى إلى نقص حاد في المواد الصناعية. وافتقرت صناعة النفط الأميركية في نفس الوقت إلى الطاقة الإنتاجية الزائدة، مما سبب عجزا كبيرا في النفط ونقصا عامّا في الوقود.

وتفاقم الوضع لأن أوبك كانت تكتسب حصة سوقية كبيرة بينما كانت المصادر غير التابعة لها في حالة انخفاض عميق. ومكّن ذلك أوبك من ممارسة المزيد من القوة والتأثير على آلية تحديد الأسعار في أسواق النفط العالمية. ولجأت دول أوبك بعد انخفاض قيمة الدولار إلى تسعير نفطها على أساس الذهب وليس العملة، مما أدى إلى ارتفاع الذهب من 35 دولارا للأوقية إلى 455 دولارا بحلول نهاية السبعينات.

وأدت أزمة 1973 النفطية والتضخم المصاحب لها في النهاية إلى ركود تميّز بفترة طويلة من النمو الضعيف والانكماش الاقتصادي.

وكانت أزمة أسعار النفط في 1998 – 1999 عكس ما اعتاد عليه الأميركيون، حيث تسببت الأزمة المالية الآسيوية في انخفاض حاد في الأسعار.

وشكّل انهيار البات التايلندي في صيف 1997 بداية انهيار أسعار النفط وسبّب انهيار أسواق الأسهم بنسبة 60 في المئة. وتراجع لذلك الطلب على النفط في آسيا، التي كانت من ركائز الطلب العالمي، تزامنا مع تراجع الطلب في أجزاء أخرى من العالم. واستمر إنتاج أوبك في المقابل دون عوائق مع رجوع النفط العراقي إلى الأسواق العالمية للمرة الأولى منذ حرب الخليج.

خبراء يحذرون من أن الولايات المتحدة لم تخرج من مرحلة الخطر رغم أن الإجراءات السريعة التي اتخذتها الحكومة تبدو ناجحة في تحقيق استقرار القطاع المصرفي

وبدأ انخفاض أسعار النفط في نوفمبر 1997، ووافق وزراء أوبك على زيادة حصتهم الإنتاجية بمقدار 2 مليون برميل يوميا على افتراض خاطئ بأن الطلب العالمي سيستمر في التسارع في نفس معدّل السنوات السابقة في ذروة المعجزة الاقتصادية الآسيوية. ولم يمض وقت طويل قبل أن تدرك أوبك أنها أخطأت في التوقيت، وخفضت حصص الإنتاج عدة مرات في 1998 في محاولة لوقف انخفاض أسعار النفط. لكن العديد من الأعضاء، وخاصة فنزويلا، لم يريدوا خسارة حصتهم في السوق ورفضوا التعاون مع المملكة العربية السعودية. وليس من المفاجئ إذن أن الأسعار انهارت بنسبة 40 في المئة إلى 10 دولارات للبرميل بين أكتوبر 1997 ومارس 1998، مع انخفاض بعض المعروضات إلى 6 دولارات بنهاية 1998 وسط نزاع أوبك.

وكان انهيار أسعار النفط هبة للسائقين الأميركيين، ووجّه المشترين إلى السيارات الرياضية والشاحنات عوضا عن السيارات الأصغر. ولم تستطع العلامات التجارية مثل فورد إكسبيديشن لينكولن نافيغيتور مواكبة الطلب فجأة.

وتعتبر الأزمة المالية التي شهدها العالم في 2008 – 2009 الأكبر في هذا القرن. واندلعت في سوق العقارات في 2006 وتميزت بزيادة حادة في حالات التخلف عن سداد القروض العقارية. ورغم احتواء الموجة الأولى من الأزمة، إلا أنها قلّصت النشاط الاقتصادي مع انتشار العدوى في جميع قطاعات الاقتصاد. وارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل حاد مع انهيار سوق الإسكان.

وسببت الأزمة موجة من الانكماش أدت إلى انخفاض قيم جميع الأصول.

وانتهت الأزمة بعد سنة بفضل التحفيز القوي الذي اعتمدته الحكومات والذي أدى إلى توقعات بزيادة التضخم، مما حقق بدوره زيادة في شراء السلع مع تحسين الشروط الائتمانية.

العرب