أصدر رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، في 26 مارس 2023، بموجب القانون رقم واحد لسنة 2005 المُعدِّل لقانون رئاسة الإقليم، مرسوماً بتحديد موعد لإجراء انتخابات برلمان الإقليم بدورته التشريعية السادسة لتكون في نوفمبر 2023. وسبق وأن تم تأجيل تلك الانتخابات منذ أكتوبر 2022، بعد تصويت البرلمان الكردستاني على تمديد فترة عمله التشريعي لمدة عام واحد تجري بعدها الانتخابات، وذلك بالتزامن مع انتخابات مجالس المحافظات.
أبعاد الإعلان
ثمّة أبعاد متعددة تتعلق بإعلان موعد الانتخابات في إقليم كردستان العراق، يمكن إلقاء الضوء عليها على النحو التالي:
1- توافق الأحزاب الكردية: توصلت سبعة أحزاب كردية، على رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وأحزاب أخرى، إلى اتفاق على إجراء الانتخابات بعد أكثر من عام على الخلافات حول توزيع الدوائر الانتخابية وسجل الناخبين في مختلف مناطق الإقليم.
وتمخض الاتفاق عن اعتماد نظام الدوائر المتعددة، بدلاً من نظام الدائرة الواحدة، أي تقسيم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية بالتناسب مع عدد محافظاته، وهي أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، لتكون بذلك شبيهة بالانتخابات العراقية، فضلاً عن اعتماد وثائق الناخبين ونسب مقاعد المحافظات الموجودة لدى مفوضية الانتخابات الاتحادية في بغداد، وكذلك تمديد ولاية مفوضية انتخابات الإقليم المُنتهية ولايتها منذ 2019، إلى جانب قيام الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بمراقبة الانتخابات.
2- تفاقم أزمات الإقليم: يشهد إقليم كردستان العراق عدداً من الأزمات المتصاعدة، ويأتي على رأسها، قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعراق، في 25 يناير 2023، والذي يقضي بإلغاء جميع قرارات الحكومة بتحويل الأموال إلى الإقليم، هذا بالإضافة إلى القرار الصادر عن هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية بباريس، في 25 مارس 2023، لصالح العراق ضد تركيا، وذلك لمخالفة الأخيرة لأحكام اتفاقية خط الأنابيب العراقية التركية لعام 1973، وذلك بسبب قيام أنقرة بالسماح لإقليم كردستان العراق بتصدير نفطه عبر الأنبوب إلى ميناء جيهان التركي، دون موافقة الحكومة الاتحادية.
ويعني ذلك أن أنقرة باتت ملزمة بوقف تصدير نفط الإقليم عبر الأنبوب بعد صدور القرار، وينذر القرار بتفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة في الإقليم، وهو ما سينتقص من شعبية حزبي السلطة، الحزب الديمقراطي الكردستاني و”الاتحاد الوطني”، خاصة مع توجيه بعض أحزاب المعارضة في الإقليم اتهامات لهما بالفساد.
ومن جهة أخرى، فإن “الاتحاد الوطني” يتهم “الديمقراطي الكردستاني” باحتكار السلطة، وعدم توزيع مشاريع الإعمار والتنمية بالتساوي بين المناطق المختلفة، فضلاً عن التحكم في المساعدات الغربية للإقليم وغير ذلك. وقد يسهم التوافق على خارطة الطريق الخاصة بالانتخابات في الحيلولة دون تفجر الاحتقان الداخلي أكثر من ذلك.
3- ضغوط واشنطن لتسوية الخلافات: انخرطت واشنطن، إلى جانب بعثة الأمم المتحدة، في وساطة لتسوية الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق، والتي بلغت ذروتها في ديسمبر 2022، عندما قاطع وزراء الاتحاد الوطني اجتماعات حكومة الإقليم، ولوح الاتحاد بالعودة للإدارة المستقلة لمدينة السليمانية بعيداً عن أربيل.
ولذلك حض وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، خلال زيارته للإقليم، في 7 مارس 2023، الحزبين على تسوية الخلافات بينهما، وسبق والتقى مُنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بريت ماكغورك، بزعيمي الحزبين في يناير 2023 لحلحلة تلك الخلافات كذلك. ولوحت واشنطن بتعليق المساعدات المالية والعسكرية المُقدمة لقوات “البيشمركة” في الإقليم في حال استمرت تلك الخلافات.
4- الاتفاق بين بغداد وأربيل: توصلت بغداد وأربيل إلى اتفاق يُنهي الخلاف بينهما حول إيرادات نفط إقليم كردستان، من خلال وضع الإيرادات في حساب واحد يخضع لإشراف رئيس مجلس وزراء الإقليم ورئيس مجلس الوزراء الاتحادي، وذلك وفقاً لما أعلنه الأخير، في 13 مارس 2023.
وتسلمت وزارة المالية في الإقليم مبلغ 400 مليار دينار من بغداد لتمويل رواتب الموظفين. وقد يدفع ذلك القوى السياسية في الإقليم لتسوية خلافاتها لإنجاح الاتفاق مع حكومة بغداد، والحصول على عدة مكاسب سياسية واقتصادية أخرى.
تحديات قائمة
هناك عدد من التحديات التي تقف حائلاً أمام إجراء الانتخابات في موعدها، ويمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
1- مشروطية “الاتحاد الوطني”: جاءت موافقة “الاتحاد الوطني” على الاتفاق مشروطة، حيث أيّد الحزب إجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ولكن مع وضع عدّة شروط على الطاولة قبيل الالتزام بإجرائها في هذا الميعاد.
وتمثلت أهم هذه الشروط في إجراء تصويت داخل برلمان الإقليم على الاتفاق لكي يصبح قانوناً سارياً، فضلاً عن مطالبته بتحديد حصص “كوتا” الأقليات، وتحديث سجلات الناخبين، وكذلك الذهاب إلى تشكيل مفوضية انتخابات جديدة، وهو ما يعني أنه في حال عدم تحقيق تلك الشروط، فإن “الاتحاد” لن يوافق على إجراء الانتخابات في الموعد المتفق عليه.
2- رفض قوى سياسية للاتفاق: أبدى حزب الجيل الجديد، بزعامة شاسوار عبدالواحد، أحد الأحزاب المعارضة في الإقليم، (8 مقاعد من أصل 111 مقعداً هي مجموع مقاعد برلمان الإقليم في انتخابات الإقليم عام 2018) عدم ثقته في رئاسة الإقليم لتكون ضامنة لنزاهة الانتخابات، لكونها تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، مشيراً إلى أن الحل هو أن تكون الأمم المتحدة هي التي تتولى الإشراف على الاتفاق الخاص بالانتخابات، وبعدها يجري تحديد الموعد الجديد لانتخابات برلمان الإقليم، كما عارض الحزب الاتفاق المُشار إليه، دون إجراء التعديلات اللازمة عليه والمتعلقة بمفوضية الانتخابات وسجلات الناخبين.
3- سوء استغلال “كوتا” الأقليات: تشكك بعض القوى السياسية في الإقليم في إمكانية استغلال مقاعد الأقليات، والتي تبلغ 11 مقعداً بواقع 5 للتركمان ومثلها للمسيحيين ومقعد للأرمن، في الانتخابات لصالح أحد الأحزاب الرئيسية، ولاسيما مع تركز معظم هذه الأقليات في أماكن تقع ضمن دائرة الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل ودهوك، وهو ما يعني اتهام الديمقراطي الكردستاني باستغلال أصوات الأقليات لصالحه.
وفي التقدير، يمكن القول إنه على الرغم من أهمية الإعلان عن تحديد موعد لإجراء انتخابات برلمان إقليم كردستان العراق، وما يترتب عليها من تسمية رئيس الإقليم الجديد، فإن هذا الإعلان لا يزال يواجه العديد من التحديات، خاصة في ظل عدم توافق حزبي السلطة، “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني” على النقاط الخلافية، والتي تتمحور حول المفوضية ومقاعد الأقليات وسجلات الناخبين، وهي جميعها بحاجة إلى تسوية قبل الذهاب لصناديق الاقتراع، وهو ما قد يعزز فرص تأجيل هذه الانتخابات رغم تحديد موعدها.
وقد يصطدم ذلك بقرار من المحكمة الاتحادية العراقية بعدم دستورية تمديد ولاية برلمان الإقليم، إلا إنه من الوارد أن ترجئ المحكمة ذلك القرار كما فعلت من قبل في فبراير 2023، وذلك لإتاحة الفرصة لحدوث توافق بين القوى الكردية خلال المرحلة القادمة. ويرجح، كذلك، في ظل اتفاق تلك القوى على الاستعانة بسجلات المفوضية ببغداد وبيانات وزارة التخطيط الاتحادية لتحديد مقاعد محافظات الإقليم، أن يتم كذلك إناطة أمر إدارة العملية الانتخابية في الإقليم بالمفوضية العليا ببغداد.
مركز المستقبل للدراسات