بوتين والأسد يشاركان في الانتخابات التركية

بوتين والأسد يشاركان في الانتخابات التركية

أعلن الجيش الروسي منذ بضعة أيام أن إحدى سفنه الحربية ترسو في أحد موانئ السعودية للاستراحة، وأشار إلى أنها تحمل صواريخ تسيركون فرط الصوتية… وفهم العالم ذلك الإعلان- فرط الصوتي بدوره- الذي يُسمِع الغربَ بأن هنالك مكاسب جيوسياسية ما زالت تتحقّق على حساب الغرب في الشرق الأوسط عموماً، وفي مركز المصالح الأمريكية فيه.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن الاجتماع الرباعي لنواب وزراء الخارجية في تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، لم يسفر عملياً عن تغير في موقف دمشق «المتشدد» بشأن المطالبة بانسحاب القوات التركية من شمال سوريا، فإن التأكيدات التي خرجت عنه ركّزت على استمرار جهود المصالحة، وتحقيق اختراق واضح قبيل الانتخابات التركية.

بوتين يرغب بقوة بنجاح حزب العدالة والتنمية وأردوغان، لأن حربه الأكبر مع الغرب ونجاح المعارضة التركية سوف ينقل تركيا إلى حضن الغرب حتماً

وقالت مصادر إن الواضح حتى الآن هو وجود رغبة لدى جميع الأطراف في استمرار محادثات التطبيع وإنجاح هذا المسار.. «حتى إن استغرق الأمر وقتا طويلاً»، مع أن وقت بوتين في حربه الأوكرانية أطولُ بقليل من وقت أردوغان في حربه الانتخابية، وكلاهما لا يسمحان بأن يكون هذا المسار طويلاً ومفتوحاً.
تحدّثت مصادر لصحيفة «الشرق الأوسط» عن ثوابت تركية في المحادثات الرامية للتطبيع مع نظام الأسد، تعتبرها تأسيساً لعملية متكاملة تهدف لتحقيق الاستقرار في سوريا، وتتمثل في 3 قضايا رئيسية هي مكافحة الإرهاب (تعني قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا وشرقها)، دفع العملية السياسية في سوريا لمواصلة مسار آستانة باعتباره المسار الحي الوحيد للحل السياسي (يعني، تقاسم منافع مرحلة التسوية وما يليها)، وضمان العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم (يعني، الانتخابات التركية). من جهة أخرى، ذكرت وكالة أنباء النظام (سانا)، أن الوفد السوري ركز في اجتماع إسطنبول على 3 نقاط رئيسة وهي، «ضرورة إنهاء الاحتلال التركي» ( الابتعاد عن ظهر حلب وإدلب ابتداءً من فتح الطريقين السريعين غرب – شرق، وشمال- جنوب)، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية (إنهاء دعم المعارضة واستبداله بإعادة الاعتراف بالأسد)، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله (الاستعداد لتبادل المصالح بين غرب الشمال وشرقه). بذلك ما تزال الأمور تراوح في مكانها عند نقاط ثلاث مقابل نقاط ثلاث أخرى، تخفي خلفها نقطة واحدة، تتعلّق غالباً بالانتخابات التركية: يريد أردوغان تحقيق شيء مفيد له قبلها، يساعد في تجاوز أخطار النتائج المحتملة، ويريد الأسد أن يشفي غليله من الحكومة التركية الحالية، ولا يساعدها مباشرة على تحقيق مأربها. هذا يعني عملياً أنه أقرب بقليل إلى الرغبة بنجاح المعارضة هناك. لكنّ المسألة ليست هكذا تماماً، ولن يتركها بوتين تفلت من بين يديه، فهو يرغب بقوة بنجاح حزب العدالة والتنمية وأردوغان، لأن حربه الأكبر مع الغرب أكثر أهمية وحسماً بالنسبة إليه، ونجاح المعارضة التركية سوف ينقل تركيا إلى حضن الغرب حتماً ومن جديد. من ثمّ سوف تتغيّر التوازنات بشكل كبير، وربّما جذري. يقول أحد المحلّلين لدى النظام السوري؛ وهو من جناحه الروسي؛ إن موسكو تخشى وصولَ المعارضة التركية، الذي سيجعل عملية اتخاذ القرار صعبةً في الكثير من المسائل.. وهذه الملاحظات وغيرها تدفع موسكو، وأيضاً طهران، للتعجيل في مسار المصالحة السورية التركية لتقديم أوراق أكثر لأردوغان قبيل هذا الاستحقاق الانتخابي الخطير، وقد عبّر لافروف منذ يومين في أنقرة عن أنّ ذلك هو محور زيارته الأكثر أهمّية. رغم ذلك يتساءل كاتب النظام المذكور النموذجيّ «هل هناك من يضمن أردوغان إذا فاز في الانتخابات ألا يتنصل من وعوده؟ وأي الخيارات أفضل لنا؟ ثمّ يستنتج أنّ «هذه الانتخابات لم تعد شأناً داخلياً تركياً، بل جزءاً من الصراع مع الغرب الجماعي، إضافة إلى أن المعارضة التركية خيار خاسر، وفي المقابل ترى دمشق أنها ليست مستعدة لتقديم هدايا انتخابية لأحد، لكن الحل الوسط سار باتجاه لقاء نواب وزراء الخارجية لوضع أجندة منتجة وواضحة ذات مخرجات، وإذا كان لا بد من حل وسط يرضي موسكو، فقد يكون هناك لقاء بين وزراء الخارجية بعد تقييم لقاء موسكو الرباعي الأخير». ويمارس الكاتب طريقة الإقناع باستخدام المصادر الخاصة، مثل أن «أحد صناع السياسة الروسية قال لي قبل فترة في لقاء داخلي: نحن لدينا ضمانات على أعلى مستوى بانسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية!».
بالنسبة لضمان أردوغان- حقيقة لا أحد يضمن- هناك متغيرات عديدة قد تساعد على ذلك، منها «ملف اللاجئين الذي تحول لعبء كبير» و»الحاجات الاقتصادية التي ازدادت بعد الزلزال» و»تلك الجغرافية التي لم يستطع إيجاد حل لها» ولأنّ «أي انفتاح على الخليج سيحتاج حكماً للبوابة السورية» و»نهاية المشروع الذي تبناه أردوغان، وسقوطه» و»الانفتاح العربي على سوريا، وهذا عامل داعم لها».
«هنا نحن نختار بين السيئ والأسوأ، وإذا كان أردوغان قد يراه كثيرون خياراً سيئاً، لأنه أحد المتسببين بما حدث لسوريا وشعبها، فإن المعارضة التركية أسوأ، لأنها ستتسبّب بنتائج سلبية، ومنها»منح كرد تركيا حكماً ذاتياً حسبما وعد زعيم المعارضة التركية حزب الشعوب الديمقراطي، بهدف كسب أصواتهم في الانتخابات، وإذا طبق ذلك في تركيا، سيكون مطلوباً تطبيقه في سوريا».
هذه المعطيات تبيّن لنا سبب اشتغال موسكو على التقريب بين دمشق وأنقرة، خلال هذه الفترة الحاسمة». والقضية باختصار أمن قومي روسي وسوري وإيراني وصيني، والباقي خلافات حول التكتيكات، وليس الاستراتيجيات»،
كذلك يمكن التوقّف- لدقيقتين وحسب- مع افتتاحية في صحيفة «تشرين» كتبها رئيس تحريرها، ويمكن استنتاج درجة تهتّك بنية النظام الإعلامية وغير الإعلامية من خلالها، يقول في استنتاجه فيها «إن ثمة قناعةً أمريكيّةً بأن المسألةَ السوريّة باتتْ في خواتيم الحلِّ، وتالياً، لا بدّ من حضورٍ نوعيٍّ وثقيلٍ، حيث دارت رحى حربٍ لا تشبه الحروبَ السابقة، لا بأدواتها ولا بمجرياتها الطويلة.. والأهمُّ أنها مختلفةٌ في المنعطفات الحادّة والمفاجآت الصادمة التي صفعتْ بها مَنْ أداروها.. فقد علّمتنا دروسُ التاريخ أن الأمريكيَّ لا يتوانى عن الاستنفار حين يأزفُ موعدُ قطفِ الثمار، وهذا الاحتمالُ هو الأرجحُ (وهذا تفسير الكاتب لتمديد مهمة حاملة الطائرات جورج إتش دبليو بوش وتقريبها من السواحل الشرقية للبحر المتوسّط). يرى بعد ذلك» أن التطوّرات المتسارعةَ للأحداثِ تتجاهلُ الأمريكيَّ تماماً، سواء في ما يتعلّقُ بالاتفاق السعوديّ- الإيرانيّ برعاية صينيّة، أو من حيث تطورات ما يرشحُ من أروقة محاولات صناعة التقارب السوريِّ- التركيّ، والسوريّ ـ السعوديّ والدور الروسيّ في كلِّ ملفّات المنطقة، وهنا لا بدَّ من ربط الاعتداءات الإسرائيليّة المكثّفة على سوريا في الأيام الأخيرة بكلِّ ما سبق».
النظام السوري إذن مهتمّ بدعم السياسة الروسية، وهذا ما يقوله إعلامه على الأقل، هو مهتمّ من ثمّ بتلبية رغبة بوتين بدعم أردوغان وحزبه – الإسلامي؟ في الانتخابات القريبة جداً، رغم تحفّظاته وضغائنه المتراكمة. لكنّه لن يصل إلى حدّ مفاجأتنا بلقاء سريع على أعلى مستوى ممكن، وسيكتفي حالياً بتقديم وجبة سريعة بلقاء وزيري الخارجية.. ربّما! ولا بدّ أخيراً من الاعتذار عن كثرة علامات التنصيص والاقتباس من إعلام النظام السوري وما يقوله مؤخّراً، في صحيفة «الوطن» التي كانت مملوكة من ركن النظام الاقتصادي السابق رامي مخلوف، وبقيت حية مع طاقمها نفسه؛ وفي وكالة سانا وصحيفة «تشرين» الرسمية الأشدّ ضعفاً، بعد اليأس من لملمة شيء من صحيفتي النظام الأخريين «الثورة» و»البعث».. وذلك يعطي انطباعاً حادّاً عن ديكتاتورية فقدت مواصفاتها، ومواصفات الدولة. هنا تسود روسيا أكثر. أمّا حين نرغب بمعرفة الاتّجاه الآخر الإيراني الملتبس، فينبغي أن نقرأ خارج الحدود في صحيفة «الأخبار» وتلفزيون الميادين، حيث تسود إيران، طرف الهيمنة الثاني في سوريا.

القدس العربي