تسعى القوى العراقية الموالية لإيران إلى السيطرة على المفوضية العليا للانتخابات، بعد ضمان تمرير تعديلات مثيرة للجدل على قانون الانتخابات، مستفيدة في ذلك من غياب وجود كتلة معارضة صلبة.
بغداد – اضطر القاضي جليل عدنان خلف، رئيس مجلس المفوضين في المفوضية العليا للانتخابات في العراق، إلى تقديم استقالته على خلفية ضغوط يتعرض إليها من قبل الإطار التنسيقي، وسط ترجيحات بأن يتولى القاضي عباس الفتلاوي، رئيس الدائرة الانتخابية في المفوضية، المنصب.
وتدفع قوى من الإطار التنسيقي، ومن بينها تحالف الفتح الذراع السياسية للميليشيات الموالية لإيران، باتجاه تغيير تركيبة المفوضية، بعد أن نجحت قبل أسابيع في تمرير تعديلات مثيرة للجدل على قانون الانتخابات.
وتقول أوساط سياسية عراقية إن الإطار التنسيقي الذي يتحضر للمشاركة بقوة في انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها في نوفمبر الماضي، يسعى لوضع يده على المفوضية العليا للانتخابات، وهي خطوة خطيرة جدا، وتضع مصداقية العملية الانتخابية المقبلة على المحك.
وتشكل انتخابات مجالس المحافظات أهمية كبيرة تناهز أهمية الانتخابات التشريعية، بالنسبة للقوى السياسية، ذلك أن هذه المجالس هي التي تتولى اختيار المحافظ ونائبيه وإعداد موازنة المحافظة في ضوء ما تخصّصه الحكومة المركزية لها من اعتمادات مالية، ولتلك المجالس الحق في إقالة المحافظين ورؤساء الدوائر، ويجري اختيار تلك المجالس بناء على حجم التركيبة السكانية لكل محافظة.
وهذا ما يفسر حرص قوى الإطار التنسيقي في هذا التوقيت على إجراء تعديلات في علاقة بقانون الانتخابات أو في ارتباط بالمفوضية العليا، لضمان السيطرة على هذه المجالس، لاسيما وأن الساحة مفتوحة حاليا أمامها بعد قرار خصمها التيار الصدري تجميد نشاطه.
سيطرة الإطار التنسيقي على مفوضية الانتخابات، خطوة خطيرة، وتضع مصداقية العملية الانتخابية المقبلة على المحك
وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات الأربعاء استقالة رئيس مجلس المفوضين جليل عدنان خلف من منصبه.
وذكر الأمين العام لمجلس المفوضين علي فيصل دحام، في بيان، أن رئيس مجلس المفوضين استقال من رئاسة المجلس وأنهى عمله في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
وأشار دحام إلى أن “ظروفا حالت بين رئيس مجلس المفوضين وبين إتمامه لعمله في المفوضية”، مشيدا بـ”شجاعة ومهنية ونزاهة وحيادية واستقلالية” خلف.
ولفت الأمين العام لمجلس المفوضين إلى أن رئيس المجلس المستقيل وضع بقراره “مصلحة العراق أولا، والشعب ثانيا، والمؤسسة ثالثا”، متمنيا له النجاح في عمله الجديد في مجلس القضاء الأعلى.
ويحظى القاضي عدنان خلف، الذي تم تعيينه رئيسا لمجلس المفوضين في عام 2020، بتقدير كبير ليس فقط في العراق بل وأيضا في الأوساط الدولية، وقد تعاطى بصلابة مع ضغوط القوى السياسية المتحكمة في المشهد العراقي خلال إدارته للانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر من العام 2021.
ويرى مراقبون أن ضغوط الإطار التنسيقي كانت منتظرة، حيث إن القوى الممثلة لهذا التحالف الشيعي، كانت لديها تحفظات كبيرة على التركيبة الحالية للمفوضية العليا للانتخابات، وسبق وأن هاجمتها عند الخسارة الكبيرة التي تكبدتها في الاستحقاق التشريعي السابق.
ويشير المراقبون إلى رفض تحالف الفتح الاعتراف بالانتخابات السابقة، وقد هاجم زعيمه هادي العامري حينها المفوضية، متهما إياها بارتكاب تجاوزات والتلاعب بنتائج الانتخابات التي لاقت إشادات دولية واسعة بنزاهتها.
وكانت الانتخابات التشريعية الماضية في العراق، قد أسفرت عن تصدر التيار الصدري للمشهد مقابل تكبد القوى الولائية خسارة كبيرة نجحت في تجاوزها بعد انسحاب التيار من العملية السياسية، لتتمكن تلك القوى مجددا من وضع يدها على الحكم في العراق.
اقرأ أيضا: فرار رئيس ديوان الوقف السني المدان في قضايا فساد يحرج السلطات العراقية
ويلفت المراقبون إلى أن القوى الولائية تسعى اليوم لسد ثغرات كادت أن تتسبب في خروجها من معادلة الحكم في العام 2021، وقد نجحت الشهر الماضي في تمرير تعديلات على قانون الانتخابات تضمن لها السيطرة على الاستحقاقات المقبلة، على الرغم من معارضة قوى مدنية.
وتعمل القوى الولائية حاليا على إدخال تحويرات واسعة على مفوضية الانتخابات وتغيير تركيبة مجلس المفوضين، مستفيدة في ذلك من عدم وجود قوة صلبة تعارضها، لاسيما بعد قرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تجميد عمل تياره لمدة عام.
وكشف مصدر في المفوضية العليا للانتخابات أن رئيس الدائرة الانتخابية في المفوضية عباس الفتلاوي، هو المرشح الأبرز لتولي منصب رئيس مجلس المفوضين في المفوضية.
ويتكون مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من تسعة أعضاء وهم: خمسة من قضاة الصنف الأول يختارهم مجلس القضاء الأعلى من مجموع المرشحين، واثنان من قضاة الصنف الأول يتم اختيارهما أيضا من قبل مجلس القضاء الأعلى من بين مرشحين يرسلهم مجلس القضاء في أقليم كردستان، واثنان آخران من أعضاء مجلس الدولة من المستشارين يتم ترشيحهم من قبل مجلس الدولة واختيارهما من قبل مجلس القضاء الأعلى.
ويقوم القضاء الأعلى باختيار أعضاء مجلس المفوضين بالقرعة المباشرة، بحضور منظمة الأمم المتحدة ومن يرغب من وسائل الإعلام والمنظمات والنقابات. وتكون ولاية أعضاء مجلس المفوضين لمدة أربع سنوات غير قابلة للتمديد، بدءا من تاريخ إصدار المرسوم الجمهوري.
ويعدّ رئيس مجلس المفوضين هو الممثل القانوني للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهو يتولى إدارة أعمال المجلس التنظيمية والإدارية، والدعوة إلى عقد اجتماعات المجلس وترؤسها.
العرب