منح الاتفاق السعودي الايراني الذي جاء بضمانة صينية النظام الإيراني فسحة من العمل السياسي والتطلع الى إعادة هيكلية تعامله مع محيطه الإقليمي والدولي واستعادة مكانته وتغير بعض من سياساته وأهدافه المرحلية ليعود مرة أخرى لدوره ومشروعه السياسي في الشرق الأوسط.
جاء الاتفاق المشترك ليعطي آفاق جديدة من الفعل الإيراني وتحديد أولويات السياسة الإيرانية التي بدأت تدرك عواقب استمرار نهجها وتصرفها وسلوكها المخالف لجميع القوانين والاتفاقيات الدولية التي تحرم عملية التدخل في الشؤون الداخلية لبلدان العالم واضحت طهران تعمل على تغيير منهجية العمل عبر توجهها واعتبار ما تم الاتفاق عليه مع الرياض هو الأبرز في علاقتها مع دول الخليج العربي والأقطار العربية واعتبرته مرتكزا وقاعدة للانطلاق مرة ثانية لتقويم علاقتها مع جميع الأطراف في المنطقة ولهذا عملت على التفاهم والاتفاق مع الإدارة الأمريكية على حلحلة الأوضاع داخل العراق والتغلب على مشاكل تشكيل الحكومة العراقية التي امتدت لأكثر من سنة بسبب الصراعات والاختلافات بين الأحزاب والكتل السياسية واقرت بتقديم الدعم والمساندة للحكومة الجديدة.
ثم جاء الاتفاقيات المشتركة والتفاهمات حول ترسيم الحدود البحرية بين القطر اللبناني وإسرائيل وتحقيق المصالح المشتركة للطرفين عبر العديد من اللقاءات دون أي اعتراض ميداني سياسي من قبل حزب الله اللبناني الحليف الاستراتيجي لإيران على الساحة اللبنانية.
وعبر هذه التحولات السياسية والأمنية الإستراتيجية في المنطقة العربية أخذ النظام الإيراني بسياسة الابتعاد عن دفع الأثمان التي رآها فيها النظام انها ابعدته كثيرا عن بناء علاقات متوازنة ومصالح مشتركة مع دول المنطقة وأصبحت تشكل خطرا على دوره الإقليمي عبر حالة العزل السياسي والابتعاد الاقتصادي بسبب العقوبات الأمريكية وتنامي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع الإيراني وزيادة حدة الاحتجاجات الشعبية بسبب سوء الحالة المعيشية وتذمر الشعوب الإيرانية وحالة الرفض السياسي والاجتماعي لسياسة النظام الداخلية والخارجية التي أجرتها أحداث مقتل الشابة الكردية الإيرانية( اميني) في منتصف شهر أيلول 2022 واتساع حالة الغليان الشعبي في معظم المدن الإيرانية الرئيسية وتعاظم المواجهة الأمنية واستخدام أساليب التعسف والاضطهاد والقتل والترويع والاعتقال ضد شباب الانتفاضة الإيرانية.
لهذه الأسباب مجتمعة رأت القيادة الإيرانية أنها أمام حالة من المعطيات السياسية التي عليها أن تواجهها بشكل حاسم بسياسة إقليمية جديدة فكان الاتفاق مع المملكة العربية السعودية والتوجه إلى تحسين العلاقات مع مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة ثم فتح صفحة جديدة في العلاقات مع باقي الاقطار العربية ومنها جمهورية مصر العربية التي ابتعدت عنها طهران طيلةاربع عقود من الزمن .
قرأ النظام الإيراني حقيقة الهواجس العربية من موضوع البرنامج النووي ولهذا بدأت طهران تسعى إلى إيجاد وسائل لمعالجة سبب الامتناع الأمريكي عن الجلوس على طاولة الحوار في العاصمة النمساوية فيينا وبمشاركة الدول الاوربية لإعادة صياغة اتفاق جديد يرضي جميع الأطراف ولكي تهدأ من الهاجس الأمني السياسي من امتلاكها السلاح النووي والذي يقلق ليس الجانب الأمريكي الأوربي بل العربي الخليجي كونه بشكل عقبة مهمة في عملية استمرار المنطقة والحفاظ عل المعادلات السياسية فيها.
وأصبح أمام النظام الإيراني عدة خيارات أبرزها إعادة التفاهم المشترك بين جميع أطراف الحوار النووي ثم البدأ باستعادة العلاقات العربية الإيرانية بشكل ينسجم وأهداف الاتفاق السياسي الذي وقع في العاصمة الصينية بكين ومنها الملف اليمني والإسراع بحل هذه الأزمة الكبيرة واحترام القوانين الدولية في إعادة الأوضاع الداخلية اليمنية وتحقيق المصالحة المجتمعية الوطنية وحل مشكلة النازحين وإعادة البناء والأعمار ومعالجة جميع الجوانب الإنسانية التي عانى منها الشعب اليمني طيلة سنوات الصراع السياسي .
ثم الموافقة على صيغ فعالة ضمن شروط دولية يقبل بها النظام الإيراني لإنهاء الملف النووي ولكن هناك عواقب أمام حالة الموافقة تتمثل في اعتراض أوساط سياسية ايرانية يحاول النظام كبح جماحها والتي ترفض عملية التفاوض وابداء التنازلات حول أنشطة اليورانيوم والقبول يوقفها عند نسب وكميات محددة.
أصبح الإتفاق السعودي الايراني نافذة مهمة يطل عليها النظام الإيراني لينظر طبيعة الطرق والخيارات التي يمكن استخدامها ووضع آليات لها في تحريك جميع عجلات فك الأزمات التي يعاني منها.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية