ينضم القائد السابق لـ “القيادة المركزية الأمريكية” إلى اثنين من خبراء الأسلحة لمناقشة قدرات الطائرات المسيّرة الإيرانية، والفجوات في الجهود الحالية للحد من انتشارها، والحاجة الملحة إلى قيام هيكل دفاع جوي إقليمي يمكنه مواجهتها.
“في 20 نيسان/أبريل، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً مع الجنرال كينيث ماكنزي جونيور (ضابط متقاعد من “مشاة البحرية الأمريكية”) وداميان سبليترز وفاليري لينكي. وماكنزي هو القائد السابق لـ “القيادة المركزية الأمريكية”، والمدير التنفيذي الحالي لـ “معهد الأمن القومي” بـ “جامعة جنوب فلوريدا”، ومؤلف الورقة البحثية الأخيرة التي أصدرها المعهد بعنوان “الرد: إيران وتصاعد حرب الطائرات المسيّرة غير المتكافئة في الشرق الأوسط“. وسبليترز هو نائب مدير العمليات في مركز “بحوث تسليح الصراعات”. ولينكي هي المديرة التنفيذية لـ “مشروع ويسكونسن للحد من الأسلحة النووية”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
كينيث ماكنزي جونيور
حرب الطائرات المسيّرة هي نهج غير متماثل تستخدمه عادةً الدول غير القادرة على استعمال الطائرات المقاتلة الحديثة وغيرها من الأنظمة ذات القدرات المتطورة. وتُعتبر الطائرات المسيّرة، وصواريخ كروز للهجوم الأرضي، والصواريخ الباليستية، أدوات تستخدمها جهات فاعلة مثل إيران، والتي تتفوق عليها أطراف أخرى في العديد من المجالات ولكنها تبحث عن طرق مبتكرة للرد بفعالية. وتمنح هذه الطائرات على وجه الخصوص طهران مرونة كبيرة وقدراً من الإنكار دون الحاجة إلى التقنيات المتطورة الحديثة.
على مدى السنوات العشر الماضية، زادت إيران بشكل كبير مخزونها من الطائرات المسيّرة، وصواريخ كروز، والصواريخ الباليستية إلى درجة أنها تفوقت على الدول المجاورة في هذا المجال – أي قدرتها على شن هجوم يطغى على دفاعات هذه الدول. وقد تترتب عن ذلك حصيلة تُعادل حرباً جوية بمزيج من الأسلحة، حيث يمكن إطلاق الطائرات المسيّرة لتدمير أنظمة رادار العدو قبل إلحاقها بهجمات بالصواريخ الباليستية. وحالياً، تتخلف الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة عن قدرتهم على الدفاعبفعالية ضد الطائرات المسيّرة.
وثمة مبدأ بديهي قديم لحرب الأسلحة المختلطة مفاده أن “القصف بدون مناورة ليس حاسماً، في حين أن المناورة بدون قصف كارثية”. ومن هذا المنطلق، لن يكون الصراع الإقليمي مع إيران عبارة عن حرب “مناورة” تُستخدم فيها الدبابات أو قوات المشاة أو قوات الغزو لأن طهران وخصومها المحتملين في الشرق الأوسط لا يشتركون في حدود برية أو يمتلكون قوات استطلاعية تقليدية كبيرة. ومن المرجح أن يكون هذا الصراع حرب “قصف” يتم فيها استخدام الطائرات المسيّرة، وصواريخ كروز، والصواريخ الباليستية ضد أهداف عسكرية وغير عسكرية. ولكن إذا لم يقترن القصف بالمناورة، ستبقى النتائج الحاسمة بعيدة المنال.
وتَعتبر إيران قدراتها في مجال الصواريخ والطائرات المسيّرة أعظم ميزات جيشها، وتُوليها أهمية تضاهي تلك التي توليها لبرنامج أسلحتها النووية، إن لم تكن تفوقها أهمية. وفي حين أن البرنامج النووي يمثل قدرة مستقبلية محتملة، إلّا أن الصواريخ والطائرات المسيّرة تُمكّن إيران حالياً من إيذاء خصومها الإقليميين إذا شاءت.
ويستوجب التصدي لهذه القدرات، قيام الولايات المتحدة وشركائها بانتهاز الفرصة الراهنة لإنشاء بنية إقليمية متكاملة من الدفاعات الجوية والصاروخية. وحيث أن دول الشرق الأوسط تأبى عموماً التنازل عن سيادتها، إلّا أن النظام الدفاعي المتكامل لا يتطلب سوى تبادل المعلومات لتكوين صورة من العمليات المشتركة في المجال الجوي الإقليمي. وقد ساعد التقدم المحرز في هذا الصدد خلال السنوات الماضية على بناءالثقة بين الدول المتجاورة.
ومن العوامل الكبيرة الأخرى القرار المتخذ في عام 2021 بوضع إسرائيل ضمن منطقة مسؤولية “القيادة المركزية الأمريكية”. فقد أوجدت هذه الخطوة فرصاً لدمج القوات الإسرائيلية بشكل أفضل مع الجيوش الأخرى في المنطقة، بما في ذلك من خلال تبادل المعلومات وتطوير تكتيكات وإجراءات مشتركة.
ومع ذلك، يجب أن تدرك الولايات المتحدة وحلفائها أن التفوق الجوي الذي تمتعوا به بشكل عام منذ الحرب العالمية الثانية لم يعد بلا منازع، ويعود ذلك بالدرجة الكبرى إلى انتشار الطائرات المسيّرة. لذلك من الضروري أن تشجع واشنطن على اعتماد نهج جماعي للدفاع الجوي في المنطقة مع مواصلة العمل على الحلول التقنية أيضاً. فالطائرات المسيّرة الكبيرةتشابه الطائرات العادية من حيث الحجم والقدرات، ولذلك يمكن التصدي لها عادةً باستخدام أنظمة الدفاع الجوي التقليدية. ومع ذلك، فإنالطائرات المسيّرة الأصغر حجماً تطرح تحدياً أكثر إثارة للقلق، ويمكن شراؤها وتعديلها بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تتحسن القدرات العسكرية الإيرانية مع استخدام القوات الروسية لطائراتها المسيّرة وأنظمتها الأخرى في أوكرانيا.
داميان سبليترز
عند إجراء مقارنة بصرية دقيقة لمكونات الطائرات المسيّرة التي تم استردادها من أوكرانيا وتلك التي تستخدمها إيران في الشرق الأوسط، أكد “مركز أبحاث التسليح أثناء الصراعات” (CAR) أن الطائرات المسيّرة المستخدمة في أوكرانيا هي من أصل إيراني. كما أن الطائرات المسيّرة وغيرها من الأسلحة الروسية والإيرانية المستخدمة في أوكرانيا تعتمد بشكل كبير على المكونات والتقنيات الغربية. ففي الأنظمة الإيرانية، وثّق “مركز أبحاث التسليح أثناء الصراعات” أكثر من 500 مكوّن من بين أكثر من 200 نوع مختلف يحمل العلامات التجارية لأكثر من سبعين شركة غير إيرانية – أكثر من 80 بالمائة منها مسجلة في الولايات المتحدة. وقد تم تصنيع الكثير من هذه القطع في الآونة الأخيرة، وشمل ذلك إنتاجعدد كبير منها خلال العامين 2020 و 2021. ومعظمها عبارة عن مكونات إلكترونية، علماً بأن القائمة تشمل أيضاً محركات وهوائيات وعناصر أخرى ضرورية لأنظمة الأسلحة الإيرانية.
وفي غضون فترة قصيرة، لاحظ “مركز أبحاث التسليح أثناء الصراعات” جهوداً لتقليص بصمة سلسلة توريد الأنظمة الإيرانية. كما وثّق نسخاً مختلفة (معدّلة) من ثلاث وحدات رئيسية موجودة في الطائرات المسيّرة الإيرانية التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا، وهي أجهزة الراديو المعرّفة بالبرمجيات، ووحدات القياس بالقصور الذاتي، وأجهزة الحاسوب المتواجدة على متن الطائرة. وتشير هذه النسخ المختلفة (المعدّلة) إلى قفزة كبيرة في الهندسة، لا سيما بالنظر إلى أنها مخصصة للأنظمة المستهلكة؛ وبالفعل فقد تحسنت الطائرات المسيّرة الإيرانية من حيث التصميم والتعقيد، ناهيك عن أن التزامها بضبط الجودة مثير للإعجاب. علاوة على ذلك، تزيد هذه النسخ المختلفة (المعدّلة) من قدرة طهران على الصمود في وجه العقوبات.
ومن ناحية الاستخدام المكثف للمكونات من العلامات التجارية الموجودة في الولايات المتحدة، لا يفترض أن يكون ذلك مفاجئاً نظراً لأن إيران وروسيا لا تملكان صناعات محلية متقدمة لأشباه الموصلات. بالإضافة إلى ذلك، تخضع بعض المكونات التي وثّقها “مركز أبحاث التسليح أثناء الصراعات” لرقابة أقل صرامة أو لا تخضع لقيود التصدير. وحتى لو أدى استخدام مثل هذه المكونات إلى نقص قدرات الطائرات المسيّرة الإيرانية، إلّا أنها تبقى جيدة بما يكفي لنظام الأسلحة المستهلك. وخلاف ذلك، فإن استخدام مكونات عالية الجودة من شأنه أن يترك بصمة متزايدة في شبكات الاستحواذ وبالتالي يزيد من إمكانية التعرض للإخلال. وقد عملت إيران أيضاً على إخفاء مصدر بعض المكونات وعرقلة جهود التعقب، عن طريق تشويه علامات الوسم على سبيل المثال.
إن الافتراض المنطقي هو أن إيران تمكنت من الحصول على مثل هذه المكونات لأن طبيعة الصناعة متعددة المستويات والقائمة على التوزيع تحول دون تعقبها بنجاح. ومع ذلك، وجد “مركز أبحاث التسليح أثناء الصراعات” بعض نقاط الضعف التكنولوجية وأنماط التحويل في آليات الاستحواذ الروسية والإيرانية. وعلى الرغم من صعوبة تحقيق ضبط يمنع التحويل، أو ضمان وضوح كامل لسلسلة التوريد، إلا أن توثيق مكونات الأسلحة المستخدمة في أوكرانيا وتتبعها أمر بالغ الأهمية لتحديد أنماط الشراء، والاستجابة بشكل مناسب لعمليات التحويل المرصودة، واتخاذ قرارات تستند إلى الأدلة بشأن مسائل مختلفة مثل العناية الواجبة ومراقبة الصادرات.
ومن ناحية تأثير العقوبات الأمريكية وضوابط التصدير، لا يمكن أن تكون هذه الجهود فعالة حقاً دون رصد ميداني يوثّق ويحلّل المكونات الموجودة داخل الأنظمة المثيرة للقلق. وقبل عام 2022، كانت الولايات المتحدة تعمل في جنح الظلام، وتصدر العقوبات دون معرفة الجهات التي كانت تزوّدالمكونات وكيف يمكن استبدالها بعد استهدافها بالعقوبات. واليوم، يُعرفالمزيد عن كل واحد من هذه المسائل.
فاليري لينكي
ليس هناك حل سحري للقضاء على تهديد الطائرات المسيّرة الإيرانية. فالصناعات التي تديرها الدولة في وزارة الدفاع الإيرانية و”الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني والتي تصمم وتصنع هذه الطائرات المسيّرة ناضجة ومتنوعة للغاية، وقادرة على الاعتماد على باحثين من الجامعات والهيئات الخاصة التي تقدم المساعدة في البحث والتطوير، فضلاً عن المشتريات.
ومع ذلك، لا يزال بإمكان ضوابط التصدير والعقوبات المتعددة الأطراف أن تحد من البرنامج وتقيّده. فقد حرمت هذه التدابير صناعة الدفاع الإيرانية من الموارد وأجبرتها على تمديد الجداول الزمنية لتطوير الأنظمة، وفرضت تكاليف أكبر بشكل عام.
ومن أجل عرقلة سلسلة التوريد الإيرانية بشكل أكبر، يجب أن تميز العقوبات وضوابط التصدير بين المكونات المتدنية النوعية وتلك العالية الجودة. ففي معظم الحالات، تكون المكونات المتدنية النوعية عبارة عن إلكترونيات متاحة تجارياً ولها الكثير من التطبيقات المدنية ويمكن شراؤها بكميات كبيرة من الموزعين في الدول التي تفرض قيوداً أقل مثل الصين. ويظهر عدد قليل جداً من هذه العناصر في قوائم ضبط التصدير. ولكن ثمة فرص أفضل للحد من واردات المواد العالية الجودة التي من شأنها أن ترتقي بالبرنامج الإيراني للطائرات المسيّرة من التنافس على الميدالية “البرونزية” إلى التنافس على الميدالية “الذهبية”، مثل روابط البيانات المدعومة بالأقمار الصناعية، وأجهزة الاستشعار العالية الدقة، والمحركات الأكثر تقدماً، ومعدات الحرب الإلكترونية، والتقنيات التي توفر قدرات التخفي والاحتشاد (العسكري).
وتحقيقاً لهذه الغاية، يمكن فرض المزيد من الضوابط “الشاملة” على الصادرات. فالقليل من المكونات التي تستوردها إيران لطائراتها المسيّرة، إن كان يتم استيرادها، مدرجة في “نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف”، أو “ترتيبات فاسينار” التي تعزز الشفافية في عمليات نقل الأسلحة التقليدية والسلع والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج. ويتضمن كلا النظامين أحكاماً لا تعتمد على قائمة محددة من الأصناف الخاضعة للمراقبة، ولكن بدلاً من ذلك تراقب السلع غير المدرجة في القائمة والتي يُقصد أن يكون استخدامها النهائي مرتبطاً بالأغراض العسكرية أو الانتشار.
ومع ذلك، يجب إبقاء التوقعات واقعية بشأن ما يمكن أن يحققه “نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف”، فقائمته بالمواد الخاضعة للرقابة تستند إلى توافق أعضائه، ومن غير المرجح أن تتوسع. وفي حين تشارك الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي” واليابان واقتصادات متقدمة أخرى في هذا النظام ولدى كل منها ضوابطها الشاملة، إلا أن الكثير من البلدان التي تفتقر إلى ضوابط شاملة ليس لديها أي أساس قانوني لرفض التراخيص أو منع عمليات النقل أو اتخاذ أي إجراء آخر لعرقلة شراء الطائرات المسيّرة الإيرانية. ولذلك سيكون من المفيد مساعدة هذه الدول على إنشاء أساس لمثل هذه الضوابط.
بالإضافة إلى ذلك، لم يبذل “الاتحاد الأوروبي” بَعْد جهداً مستقلاً لاستهداف الموردين الأجانب لصناعة الطائرات المسيّرة الإيرانية بشكل عام، مقابل الطائرات المسيّرة التي تذهب إلى أوكرانيا فقط. وتوفرالمجموعة المتنوعة من الكيانات المحلية والأجنبية التي تدعم هذه الصناعة الكثير من الأهداف التي يمكن فرض العقوبات عليها. وبما أن العقوبات الحالية تُعتبر مبادرة أمريكية في المقام الأول، فإن الجهود المتعددة الأطراف ستُظهر أن الكثير من البلدان الأخرى تنظر إلى التهديد بالطريقة نفسها، مما يعزز الجهود الرامية لمواجهته.
والجدير بالذكر أن الصين أصبحت مشكلة رئيسية في الإمداد غير المباشر للمكونات الغربية لإيران. على سبيل المثال، وجدت تحقيقات الأمم المتحدة أن المحركات وبعض المكونات الأخرى التي يستخدمها شركاء طهران الحوثيون في اليمن تم تصنيعها في الغرب، ونقلها عبر الصين، لينتهي بها المطاف في الطائرات المسيّرة للحوثيين المستَلمة من إيران. ولا يزال هذا الأمر يمثل حلقة ضعيفة في الجهود المبذولة لتقييد البرنامج الإيراني للطائرات المسيّرة.
إريك فيلي.
معهد واشنطن