بدأت معظم المقطاعات الاقتصادية التركية بالبحث عن بدائل للسوق الروسية، وذلك لتعويض النقص المتوقع بعد إعلان موسكو عن جملة من العقوبات الاقتصادية ستفرضها على أنقرة، ضمن تداعيات إسقاط تركيا لطائرة روسية في 24 نوفمبر الماضي.
وتشير تقديرات الخبراء إلى أن الاقتصاد التركي قد يلجأ إلى دول أوروبا والشرق الأقصى وأفريقيا وأميركا الجنوبية، لتعويض انغلاق السوق الروسية، التي كانت من أكبر شركائها التجاريين.
وأعلنت روسيا أنها ستفرض اعتبارا من مطلع المقبل، حظرا على عدد من أنواع الخضروات والفواكه الطازجة التي تستوردها من تركيا، وعلى رأسها الطماطم والبصل والبروكولي والقرنبيط والخيار، إضافة إلى البرتقال والتفاح والإجاص والفراولة والعنب.
ويصل إجمالي قيمة السلع التي سيتم حظر استيردها من تركيا إلى 750 مليون دولار سنويا، فيما تبلغ قيمة الصادرات التركية إلى روسيا من الخضار والفواكه الطازجة نحو 1.27 مليار دولار.
وتحاول تركيا اليوم إيجاد أسواق لتلك المنتجات في داخل البلاد وعدد من أسواق أوروبا الشرقية ودول الشرق الأقصى.
وتحاول الحكومة التقليل من تأثير القرار الروسي، حيث نسبت وكالة الأناضول إلى مسؤولين أتراك قولهم إن السوق الروسية ليست من الأسواق المهمة بالنسبة إليهم.
وأكدوا أنه بإمكان قطاعات الملابس والجلود والنسيج، تعويض خسائرها، عن طريق التصدير إلى بلدان أخرى. وبخصوص قطاع المقاولات، أوضح مسؤولون في هذا القطاع أن تركيا لديها استثمارات تقدر بمليارات الدولارات في روسيا، وأن أكثر من 10 آلاف عامل تركي يعملون في روسيا.
لكنهم أكدوا أيضا أن بإمكان قطاع الإنشاءات، التوجه نحو الأسواق في أفريقيا وإيران وأميركا الجنوبية.
كما أشار مسؤولو القطاع إلى إمكانية الاستفادة من أسواق قطر والسعودية وشمال العراق والإمارات وسلطنة عمان في مجال المقاولات وتصدير المواد الزراعية إلى أسواق تلك البلدان.
10 آلاف عامل تركي يعملون في روسيا، إضافة إلى الكثير من شركات المقاولات التركية
ومن المنتظر أنّ يتم تفادي الخسائر المحتملة عن تراجع توافد السياح الروس إلى تركيا، من خلال التركيز على أوروبا. وأكد مسؤولون أن إلغاء تأشيرة الدخول إلى تركيا ودول الاتحاد، سيساهم في زيادة عدد السياح الأوروبيين. وتستقبل تركيا نحو 3 ملايين سائح روسي سنويا، ويمكن لتراجع أعدادهم أن يكون الأكثر تأثيرا بين العقوبات الروسية.
وقال رئيس مجلس إدارة العلاقات الاقتصادية الخارجية عمر جهاد فاردان إن “الإجراءات الاقتصادية التي ستتخذها روسيا ضدّ تركيا، ستعود بالضرر إلى كلا الطرفين”.
وأوضح أن الصادرات التركية إلى روسيا تراجعت بنسبة وصلت إلى حدود 40 بالمئة خلال العام الجاري، وذلك نتيجة للمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الأسواق الروسية نتيجة العقوبات الغربية وتراجع أسعار النفط.
وأضاف فاردان، أنّ الخسائر المحتملة في قطاع السياحة، مقارنة مع قيمة الصادرات التركية، لا تعادل 1 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي للبلاد.
وأكد أن تركيا ستعمل على تعويض تلك الخسارة، عبر الانفتاح على الأسواق الأخرى مثل أفريقيا أو أميركا الجنوبية أو إيران، مشيرا في هذا الصدد، إلى أنّ تركيا تعوّل كثيرا على الدول الأوروبية لتعويض هذه الخسارة.
وتابع فاردان قائلا “لاحظنا تغير نظرة الدول الأوروبية إلى تركيا عقب القمة التركية الأوروبية التي جرت مؤخرا في العاصمة البلجيكية بروكسل”.
40 بالمئة نسبة تراجع الصادرات التركية إلى روسيا منذ بداية العام الحالي
وقال إن “الأوروبيون أدركوا أنّ مشاكل المنطقة لا يمكن حلها بمعزل عن تركيا. وآمل أن تصل العلاقات التجارية بين تركيا والاتحاد إلى مستويات عالية عقب بدء عملية إلغاء تأشيرات الدخول بين الطرفين”.
وفي ما يخص المواد التي تستوردها تركيا من روسيا، فإنّ مادة زيت بذور عبّاد الشمس، تأتي في مقدمة هذه المواد، فقد بلغت قيمة الصادرات الروسية إلى تركيا من هذا الصنف خلال شهر أكتوبر الماضي نحو 601 مليون دولار.
وتمثل تلك الواردات 41 بالمئة من إجمالي المستوردات التركية من الزيوت النباتية الحيوانية البالغ قيمتها الإجمالية نحو 1.465 مليار دولار.
وفي هذا السياق قال رئيس جمعية مصانع الزيوت النباتية طاهر بويوك هلواجي غيلر، إن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي يمكن استيراد الزيوت النباتية منها، مشيرا إلى أنّ الممارسات الروسية ضد رجال الأعمال الأتراك مؤخرا، لا تتوافق مع القيم الإنسانية.
وتابع هلواجي غيلر أن “إنتاج تركيا من مادة الزيوت النباتية يبلغ 1.2 مليون طن وأننا نستهلك سنويا ما يقارب 2.5 مليون طن”.
وأكد أنّ روسيا من البلدان المهمة بالنسبة إلى تصدير الزيوت النباتية، لكنها ليست الدولة الوحيدة التي يمكننا استيراد الزيوت النباتية منها، ويمكننا أن نؤمّن احتياجاتنا من هذه المادة من أوكرانيا وبلغاريا ورومانيا ومولدافيا والأرجنتين.
ويحتل قطاع الحبوب حيزا هاما في العلاقات التجارية بين تركيا وروسيا، فقد بلغت قيمة الصادرات الروسية إلى تركيا من هذه المادة في الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي نحو 718 مليون دولار، أي ما يعادل نصف قيمة المستوردات التركية الإجمالية من الحبوب، والبالغة 1.446 مليار دولار.
وأفادت رئيسة جمعية موردي الحبوب غولفم أرن بأن تركيا تشتري القمح والذرة بأسعار مخفضة من روسيا، وأنّ تركيا ستضطر للتوجه إلى أسواق أخرى في حال أوقفت روسيا تصدير تلك المنتجات إلى أنقرة.
وأشارت إلى أن أوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي، ستكون على رأس الأسواق البديلة لروسيا في ما يخص استيراد الحبوب.
صحيفة العرب اللندنية