تابع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، أمس، زيارته لسوريا التي بدأت الأربعاء، حيث وقع مع رئيس النظام، بشار الأسد، «مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي الشامل طويل الأمد» على حد تعبير وكالة «سانا» التابعة للنظام، ورغم الشعارات السياسية حول «انتصار محور المقاومة» و«القتال ضد الإرهاب» فإن تصريحات الطرفين أشارت، بشكل مباشر أو ضمنيّ، إلى أن الهدف الرئيسي من الزيارة هو الاتفاق على كيفية تسديد النظام السوري للديون الإيرانية الكبيرة عليه.
تعترف حكومة الأسد بفتحها خطين ائتمانيين مع إيران، الأول بقيمة 4 مليارات دولار، عام 2013، والثاني بقيمة مليار دولار، عام 2015، «لتوريد السلع الغذائية والمشتقات النفطية» فيما يقدر اقتصاديون ديون النظام لروسيا بنحو 17 مليار دولار، وكان أكثرها ثمنا لسلاح وذخائر وتحديث طائرات حربية وشحنات نفط وقمح.
تشير الأرقام الآنفة إلى الثمن الاقتصادي الهائل المطلوب دفعه من النظام السوري، وتعتبر الزيارة الأخيرة، التي لم يحصل مثلها من رئيس إيراني منذ 12 عاما، تأكيدا لاشتراط طهران من الأسد تأدية ذلك الثمن عبر صفقات تضمنت، حسب جريدة «الوطن» التابعة للنظام، مشاريع الفوسفات والنفط والكهرباء، وعبر منح إيران عقارات وأراضي في المدن الرئيسية السورية، سواء من أملاك الدولة أو من مصادرات المحجوز على ممتلكاتهم من المعارضين.
في إطار رد «الدين» الروسي، كان الأسد أكثر وضوحا، حين طالب خلال زيارته لموسكو في شهر آذار/مارس الماضي بـ«توسيع القواعد العسكرية والقوات الروسية في سوريا» وأن يكون ذلك الوجود دائما لا مؤقتا!
بلاغة رئيس النظام، التي تقوم بطلب وجود عسكري غير مشروط بزمن محدد، وتوقيع مذكرات «التفاهم» التي تمكّن روسيا وإيران من محاصصة سكان البلاد على المقدرات الاقتصادية، المتهالكة أصلا، لا تستطيع أن تخفف من وطأة إحساس السوريين بأن ما يجري هو احتلال أبدي، عسكري وسياسي واقتصادي.
في مقابل هذا التقبّل التامّ من قبل رئيس النظام للإذعانات السياسية والاقتصادية، بل مطالبة موسكو بالوجود الدائم، والاستقبال الكبير للرئيس الإيراني، قوبلت بعض الدول العربية التي التقت وزير خارجية النظام فيصل المقداد، في العاصمة الأردنية عمّان، قبل أيام، برفض تقديم أي تنازلات مقابل عودة النظام لجامعة الدول العربية، وأنه، حسب تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، «يريد استسلاما كاملا من العرب»!
حرص الأسد، في الخطاب الذي ألقاه عند استقبال رئيسي بإيصال الرسالة بوضوح للقادة العرب، حيث تحدث عن أن العلاقات بين البلدين تأسست منذ أكثر من أربعة عقود (أي منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية) وأن العلاقات «غنية بالمضمون وغنية بالرؤية» وأنها «مستندة إلى عقائد» وأنه عندما شُنّت «حرب ظالمة ضد إيران في عام 1980» فإن «سوريا لم تتردد بالوقوف إلى جانب إيران» وأن عمق العلاقات بين البلدين «منطلق من الماضي ومتجه إلى الأمام بثقة وثبات نحو المستقبل» وهي جمل يمكن تأويلها بطرق سياسية وطائفية، ولكنّها تؤكد أن رئيس النظام يقوم بإظهار انحيازاته السياسية والعسكرية لصالح إيران وضد العرب.
القدس العربي