بعد أن حسمت أصوات الناخبين الأكراد في تركيا الانتخابات المحلية عام 2019 في إسطنبول وأنقرة، أكبر المدن في البلاد، لصالح المعارضة، وكسرت احتكار حزب العدالة والتنمية لها، تركز التحالفات السياسية على كسب الصوت الكردي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تجرى الأحد المقبل.
ويُقدّر عدد الناخبين الأكراد في تركيا ما بين 12-14 في المائة من إجمالي أصوات الناخبين، البالغ عددهم قرابة 65 مليون ناخب. ويتوزع الأكراد في مناطق جنوب شرق البلاد وفي أحياء داخل المدن الكبرى. ويعتبر حزب الشعوب الديمقراطي أكبر الأحزاب الكردية، وهو الوحيد الذي تجاوز العتبة البرلمانية في الانتخابات السابقة بتجاوزه حاجز 10 في المائة، ودخل البرلمان ليحظى بدعم من خزينة الدولة. وحقق 11.7 في المائة من الأصوات في انتخابات العام 2018؛ إذ صوّت له أكثر من 5 ملايين و800 ألف ناخب.
الشعوب الديمقراطي”… انتخابات باسم آخر
وتعرضت الأحزاب الكردية في السابق لتضييق كبير وإغلاق لها بسبب اتهامات بارتباطها بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا. ويواجه حزب الشعوب الديمقراطي حالياً دعوى مرفوعة بحقه أمام المحكمة الدستورية العلياللأسباب نفسها، وقد يواجه الإغلاق بدعوى ارتباطه بحزب العمال الكردستاني، وهذا ما دفعه لخوض الانتخابات الحالية باسم حزب اليسار الأخضر، مشكلاً تحالف “الجهد والحرية”.
حزب اليسار الأخضر يعتبر حزباً كردياً صغيراً تأسس عام 2012 ولم يكن فاعلاً بشكل كبير. ولجأ “الشعوب الديمقراطي” إلى “اليسار الأخضر” كي لا يتعرض للإغلاق ومنع أعضائه من العمل السياسي بسبب الدعوى المرفوعة بحقه. وبذلك تم تشكيل تحالف “الجهد والحرية”، الذي يضم أحزاب “الشعوب الديمقراطي” و”اليسار الأخضر” و”العمل التركي”، ويحظى بدعم أحزاب يسارية اشتراكية كردية صغيرة.
وأعلن تحالف “الجهد والحرية” دعمه مرشح تحالف الشعب المعارض، كمال كلجدار أوغلو. ولفتت تصريحات قياديي التحالف أخيراً في التجمعات الجماهيرية الكبرى بالحديث عن أجواء جديدة في البلاد متوقعة مع فوز المعارضة في الانتخابات، منها إطلاق سراح القيادات الكردية المعتقلة مثل زعيم “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، وآلاف المعتقلين في السجون التركية، الأمر الذي يدفع التحالف الجمهوري الحاكم لاستغلال ذلك بالترويج إلى أن تحالف كلجدار أوغلو متحالف مع “العمال الكردستاني”.
وقال النائب عن حزب الشعوب سري ساكيك، في تجمّع جماهيري بولاية أرض روم قبل أيام: “سنفتح أبواب السجون، أنتم تطالبون بالحرية لصلاح الدين دميرطاش (زعيم الحزب السابق)، سنكون في الميادين بالطبع، سنكسر السجون في جزيرة أمرلي (مكان اعتقال أوجلان)، وسنجلب الحرية لأصدقائنا وللآلاف من أصدقائنا”.
من جهتها، قالت الرئيسة المشاركة للحزب برفين بولدان أيضاً في تجمع بولاية قوجا إيلي قبل أيام: “جميع المعتقلين من حزب الشعوب سيتم إطلاق سراحهم بعد الانتخابات، لن تخرج بالنجاح أنت (الرئيس رجب طيب أردوغان) في انتخابات 14 مايو/أيار، بل سيخرج صلاح الدين دميرطاش وجميع أصدقائنا من السجون”. ويواجه هؤلاء دعاوى قضائية مختلفة، من بينها قضية أحداث عين العرب السورية (كوباني) التي جرت في عام 2014 وأدت إلى مقتل وجرح العشرات، إبان هجوم تنظيم “داعش” على مدينة عين العرب.
وعقب اختيار تحالف الشعب المعارض في مارس/آذار الماضي، كلجدار أوغلو مرشحاً له للانتخابات الرئاسية، زار الأخير مكتب “الشعوب الديمقراطي” في البرلمان والتقى الزعيمين المشاركين للحزب الكردي، مدحت سنجار وبرفين بولدان، وبعدها بدأت مرحلة الدعم من قبل حزب الشعوب لمرشح المعارضة، فيما لا تزال التوافقات التي جرت بين الطرفين سرية ولم يكشف عنها.
وبعد اللقاء قال كلجدار أوغلو للصحافيين “عرضنا على الحزب الكردي مسودة الدستور المتفق عليه، وأكدنا حيادية القضاء ودولة القانون، وتوقفنا عند مسألة الحكم الذاتي المحلي، كما أكدنا عدم صحة فرض قيوم (حارس قضائي) على البلديات، وتم التأكيد أيضاً على مسألة الديمقراطية”. وتابع: “ليس صواباً أن تغلق الأحزاب في القرن الحادي والعشرين”.
من جهته، قال مدحت سنجار، “يمكن حل مشاكل تركيا عبر توافق واسع، سننقل ما تم نقاشه في هذا اللقاء”.
ولاحقاً أعلن التحالف الكردي أنه لن يسمي مرشحاً في الانتخابات الرئاسية، وبعدها بأيام أعلن عن دعم كلجدار أوغلو، وتم توجيه الناخبين الأكراد للتصويت لصالح الأخير.
التحالف الحاكم والتحالف مع “هدى بار”
مقابل ذلك، عمل التحالف الجمهوري الحاكم على التحالف مع حزب “هدى بار” الكردي الإسلامي، على أمل انتزاع أكبر قدر من الناخبين الأكراد المحافظين. إلا أن الحزب الكردي الإسلامي متهم بتشدده، وبالوقوف وراء عدد من جرائم الاغتيال والقتل التي بقيت مجهولة.
حزب “هدى بار” وهو اختصار لـ”حزب الدعوى الحرة”، تأسس عام 2012، وهو حزب كردي إسلامي متهم بأنه امتداد لـ”حزب الله” ومدعوم من قبل إيران. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه يمتلك بين 1-2 في المائة من الأصوات فقط. وبحسب رئيس الحزب زكريا يابجي أوغلو، فإن الحزب سيصل في هذه الانتخابات إلى ما بين 3-4 في المائة من الأصوات، بحسب تصريحات له قبل أيام.
وسبق أن قاد “العدالة والتنمية” مرحلة للسلام مع “العمال الكردستاني” عبر لقاءات جرت في أوسلو عام 2012، وتم تشكيل لجنة حكماء عام 2014، ولكن لم يتم الوصول إلى أي تفاهمات، وعادت المواجهات بالتوازي مع حالة الحرب التي كانت قائمة في شمال سورية وتشكيل إدارة ذاتية كردية لاحقاً، لتعود هجمات “الكردستاني” والمواجهات مع الجيش التركي لاحقاً.
نموذج الانتخابات البلدية التي جرت في أنقرة وإسطنبول عام 2019، أظهرت أهمية أصوات الأكراد في حسم الانتخابات. حينها لم يقدّم حزب الشعوب مرشحاً للانتخابات البلدية، وصبّت الأصوات لصالح مرشحي حزب الشعب الجمهوري المعارض، فتجاوزت أصوات مرشحي “العدالة والتنمية” وحسمت الانتخابات، علماً أن الأخير حافظ على نسبة تقارب الـ50 في المائة في إسطنبول، وكنت تكفي للفوز بالانتخابات البلدية سابقاً.
هذا الأمر أعطى أملاً لتحالف المعارضة لاستغلاله، بعدما كانت الأصوات سابقاً تتفرق، واستفاد من ذلك حزب العدالة والتنمية على مدار 20 عاما، ولكن الانتخابات البلدية فرضت معادلة جديدة، دفعت المعارضة للجوء إليها.
وعلى الرغم من أن الانتخابات الرئاسية لها حسابات مختلفة، وكذلك الانتخابات البرلمانية والبلدية، إلا أن كل طرف يسعى لاستمالة الناخب الكردي. ويتبادل التحالف الجمهوري وتحالف الشعب المعارض الاتهامات بالتحالف مع أحزاب كردية متهمة بالإرهاب، فالتحالف الجمهوري يتهم “الشعوب الديمقراطي” بأنه على علاقة مع “الكردستاني”، فيما تحالف الشعب يتهم حزب “هدى بار” بالعلاقة مع “حزب الله” اللبناني.