اختراق الدرع وردّ السهم: ملاحظات على «ثأر الأحرار»

اختراق الدرع وردّ السهم: ملاحظات على «ثأر الأحرار»

لم ينته ردّ الفصائل الفلسطينية المقاومة في غزة على عملية اغتيال ثلاثة قادة عسكريين في «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» لكنه قدّم بضع وقائع مهمة للتحليل، على المستويين العسكري والسياسي.
راوح عدد القذائف المطلقة، خلال الساعة الأولى فقط من بدء عملية «ثأر الأحرار» (ردا على ما سمته إسرائيل بعملية «الدرع والسهم») حسب مصادر إعلامية، بين 100 إلى 200، وقد تمكّن عدد كبير من الصواريخ من اختراق «القبة الحديدية» وحسب جيش الاحتلال الإسرائيلي فقد تمكن من اعتراض 62 صاروخا من أصل 270 صاروخا تم إطلاقه.
أحد الصواريخ أصاب بشكل مباشر منشأة في سديروت، ورغم إجلاء إسرائيل 4500 مستوطن من مستوطنات «غلاف غزة» فقد سجلت خمس إصابات بين المستوطنين، وأظهر دوي صفّارات الإنذار في تل أبيب، التي تبعد نحو سبعين كيلومترا عن القطاع، وكذلك في مدن اللد ويافا ورامات غان وبات يام وحولون، أن مدى الصواريخ كان بعيدا، وهو دفع سلطات إسرائيل لتعطيل حركة الطائرات في مطار بن غوريون.
سجّل أيضا هروب سكان من داخل تل أبيب، وتم تفعيل منظومة «مقلاع داود» لإيقاف صاروخ كان متوجها نحو منطقة مأهولة، وهو ما أثار تعليقات من مستوطني «غلاف غزة» عن استخدام المنظومة المذكورة، التي يكلّف مقذوفها الاعتراضي مليون دولار، عن التمييز الذي يتم بينهم وبين سكان تل أبيب!
كان لافتا، ضمن هذا السياق، ظهور مقطع فيديو يوثق لحظة هروب وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميريام ريغيف (المشهورة بتشبيه اللاجئين السودانيين إلى إسرائيل بـ«السرطان») بالهرب نحو أحد الملاجئ في تل أبيب، كما سجلت الكاميرات هروب عدد كبير من مستوطني «غلاف غزة» من بناياتهم باتجاه البحر.
عزا البعض نجاح صواريخ المقاومة في تجاوز «القبة الحديدية» إلى كثافة الرد، أو إلى أن المقاومة الفلسطينية تمكنت من إحداث تطويرات في تلك الصواريخ، وهو ما حصل أيضا خلال رشقات الصواريخ التي أطلقتها «الجهاد» بعد استشهاد الشيخ عدنان خضر في محبسه، وقد عزت المصادر العسكرية الإسرائيلية الأمر، حينها، إلى «مشاكل تقنية».
غير أن الواضح أن فصائل المقاومة الفلسطينية قد طوّرت، خلال قرابة 20 عاما، من قدراتها العسكرية، بدءا من إطلاق صاروخ «قسام 1» الذي لم يكن مداه يتعدى ثلاثة كيلومترات، وصولا إلى صاروخ «عياش 250» الذي استهدف مطار رامون على 220 كيلومترا من القطاع، خلال الحرب الرابعة مع إسرائيل في أيار/مايو العام الماضي.
جاءت عملية الاغتيال الأخيرة بعد اتفاق هدنة رعاه وسطاء دوليون وعرب، وكان التفسير الأول لذلك أن ما حصل خديعة إسرائيلية جعلت قادة «سرايا القدس» يطمئنون إلى تلك الهدنة، مما مكّن جيش الاحتلال وجهاز «الشاباك» من رصد حركتهم مجددا وتنفيذ عملية الاغتيال. التفسير الآخر كان الضغط الذي مارسه «وزير الأمن القومي» العنصريّ المتطرّف، ايتمار بن غفير، على حكومة بنيامين نتنياهو، لتنفيذ هذه العملية الأخيرة، باعتبار أن ما حصل من مناوشات عسكرية بعد مقتل الشهيد خضر، «ردا ضعيفا» على حركة «الجهاد».
قامت فصائل المقاومة في غزة بدورها بتأخير الردّ على عملية الاغتيال، وهو ما دفع أجهزة الجيش والأمن الإسرائيلية للتوتّر والترقّب، وتراوح النقاش بين اعتبار التأخير ناتجا عن «فوضى داخلية» داخل حركة «الجهاد» بعد استشهاد ثلاثة من كبار قادتها، فيما قدّر آخرون الأمر باعتباره نتيجة حوار بين حركتي «حماس» و«الجهاد» والفصائل الأخرى على الطرق المثلى لتنسيق عمل فصائل المقاومة للرد على إسرائيل، وبالتأكيد على حصول رد عسكري غير تقليدي.
ما يمكن استخلاصه، حتى الآن، أن المقاومة الفلسطينية، داخل وخارج غزة، استطاعت، رغم الحصار المضروب عليها، تقديم موازنة معقولة لـ«قواعد الاشتباك» العسكرية مع إسرائيل، كما أنها استطاعت، على المستوى السياسي، من صدّ الخطط الإسرائيلية، بدءا من فصل الضفة عن غزة، مرورا بفصل «الجهاد» عن «حماس».
يضاف إلى كل ذلك، أن إسرائيل تثبّت، من جديد، صورتها الهمجية باستهدافها العائلات والأطفال والجيران، وبانحدارها المستمر نحو فاشيّة صريحة يقودها أمثال بن غفير وسموتريتش وقطعان المستوطنين الهائجين.

القدس العربي