نواكشوط – يخوض حزب “الإنصاف” الحاكم في موريتانيا معركة انتخابية مصيرية، في ظل منافسة شرسة يواجهها من قوى المعارضة، التي تسعى إلى فرض نفسها كرقم صعب في المعادلة القائمة في البلاد، بعد تراجع تأثيرها خلال السنوات الماضية.
ويرى متابعون أن الانتخابات البرلمانية والمحلية المقرر إجراؤها في الثالث عشر من مايو الجاري، هي محطة مفصلية ستحدد المسار السياسي المقبل للدولة، وحتى مصير الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يطمح لولاية رئاسية جديدة في العام 2024.
ويشير المتابعون إلى أن هذه الانتخابات تمثل في واقع الأمر تصويتا غير مباشر على حصيلة ولد الشيخ الغزواني، وهو ما يفسر نزول حزب الإنصاف بثقله، في ظل مخاوف لديه من تكرار سيناريو الانتخابات الماضية التي كان فاز فيها بفارق ضئيل، على خصومه.
وكاد الحزب الحاكم أن يفقد الأغلبية في الانتخابات الماضية التي جرت في العام 2019، حيث حصل على 51 في المئة فقط من الأصوات.
ويقول المتابعون إن حزب الإنصاف يطمح للحصول على أغلبية مريحة، تنهي صداع المعارضة وتخفف من مساومات أحزاب الموالاة.
وارتفعت خلال الأيام الأخيرة حدة السجال السياسي بين الحزب الحاكم وقوى المعارضة، وسط أجواء حملة ملتهبة، انطلقت في الثامن والعشرين من أبريل الماضي، وتستمر لأسبوعين.
وكثفت الأحزاب المشاركة في الانتخابات، وعددها 25 حزبا، من مهرجاناتها الدعائية في جميع مدن البلاد. وانتشرت صور المرشحين وشعارات الأحزاب المشاركة في الانتخابات بشكل كبير في نواكشوط، وفي جميع الشوارع تقريبا.
كما كثفت الأحزاب من دعايتها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لاستمالة الناخبين.
ومع بداية العد التنازلي ليوم الاقتراع، تصاعد التراشق الإعلامي بين عدد من السياسيين، فيما أثارت تصريحات لرئيس الحكومة محمد ولد بلال، جدلا واسعا، زاد من سخونة أجواء الحملة.
ووجه ولد بلال تحذيرا قويا لكافة الشخصيات السياسية التي كانت تنشط في حزب “الإنصاف” الحاكم، وترشحت في أحزاب أخرى عقب رفض الحزب ترشيحها.
وفي مهرجان سياسي بمدينة ألاك (وسط) نظم في الثاني من مايو الجاري، قال ولد بلال إن من غضبوا من حزب “الإنصاف”، ودعموا لوائح أخرى، ما زالت أمامهم الفرصة لتجميدها ودعم لوائح الحزب الحاكم.
وأضاف “إذا لم يجمد هؤلاء ترشحاتهم ويعلنوا عودتهم إلى الحزب الحاكم، (ما) ينتظرهم واضح جدا”، في إشارة إلى أن من الممكن أن يتم إبعادهم من المناصب الحكومية مستقبلا.
وشدد رئيس الحكومة على ضرورة أن يتمكن الحزب الحاكم من حصد أغلبية مريحة في البرلمان لكي تنال أي حكومة ثقة البرلمان وتباشر مهامها.
وكان حزب “الإنصاف” تعرض لموجة انسحابات واسعة على إثر إعلان القوائم المرشحة للانتخابات التشريعية، والمحلية، حيث أبدى المنسحبون تحفظات كبيرة عليها.
وأثارت تصريحات رئيس الحكومة ردود فعل غاضبة، لاسيما من حزب “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” (إسلامي/ أكبر أحزاب المعارضة) الذي اعتبر أن ما صدر عن رئيس الحكومة “مستفز”.
وأضاف الحزب، في بيان، “ما صدر عن الوزير الأول، وقبله الناطق باسم الحكومة (الناني ولد أشروقه) من تصريحات تهديدية، تؤشر بشكل مباشر على تذمر الشعب والناخبين ونشطاء السياسة المحلية من الأداء العام الضعيف للحكومة وحزبها”.
ويرى أن الحزب الحاكم “فشل في إقناع مناضليه ومنخرطيه، الذين غضبوا من ترشيحاته غير المقنعة، والتي تشكل مظهرا للإخفاق العام في جل تسيير الشأن الوطني”، حسبما جاء في البيان.
واعتبر الحزب الإسلامي أن تصريحات رئيس الحكومة “منافية للقيم الديمقراطية وقواعد المنافسة، حيث يؤسس الدستور والقوانين المنظمة للانتخابات لحماية المنافسة”.
واتهم حزب الإصلاح والتنمية الوزراء بـ”النزول إلى الناس في المدن والقرى والأرياف وتهديدهم بتأثير الدولة ووسائلها في أرزاقهم، حاصرين إياهم في خيار واحد ووحيد”.
ودعا الحزب المعارض أعضاء الحكومة “إلى الكف عن هذا السلوك المشين الذي لا يناسب كرامة الشعب”. وأردف “فبعد عجز حكومة نواكشوط الدائم عن توفير الخدمات، ها هي تعجز عن القيام بتصرف مقنع يكسب العقول والمشاعر”.
واحتدم الاستقطاب السياسي، لاسيما في مدينة نواذيبو، ثاني أكبر خزان انتخابي بعد العاصمة نواكشوط، وسط تنافس حاد بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات، وصل إلى حرب كلامية عنيفة بين مرشحي الموالاة، ولم يتخلف عنها بعض مرشحي المعارضة.
مع بداية العد التنازلي ليوم الاقتراع، تصاعد التراشق الإعلامي بين عدد من السياسيين، فيما أثارت تصريحات لرئيس الحكومة محمد ولد بلال، جدلا واسعا، زاد من سخونة أجواء الحملة
وهاجم مرشح حزب “الكرامة” (موالاة) لمنصب عمدة بلدية نواذيبو، بقوة خلال مهرجان جماهيري قبل أيام، مرشح حزب “الإنصاف” الحاكم لنفس المنصب، معتبرا أنه ليس من سكان المدينة، ولا يحمل مشروع إصلاح.
لكن مرشح الحزب الحاكم أحمد ولد خطري، رفض الدعاية التي تقول إنه ليس من سكان نواذيبو، متعهدا في مهرجان جماهيري قبل أيام بتوفير المئات من فرص العمل للشباب.
في المقابل، انتقد المختار ولد الشيخ، مرشح ائتلاف حزبي “تكتل القوى الديمقراطية” و”اتحاد قوى التقدم” (معارضة) لمنصب بلدية نواذيبو، أداء مرشح حزب “الكرامة”.
وقال ولد الشيخ إن مرشح حزب “الكرامة” فشل في تسيير البلدية خلال ولايته المنقضية.
وهذه أول انتخابات منذ وصول الرئيس ولد الشيخ الغزواني، إلى سدة الحكم قبل نحو أربع سنوات، عرفت البلاد خلالها هدوءا سياسيا بين السلطة والمعارضة.
ووفق معطيات أعلنتها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، ستجري الانتخابات بمشاركة 25 حزبا، قدموا 2071 لائحة (قائمة لمرشحيهم) في عموم البلاد.
وبلغ عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية مليونا و758 ألفا و35 شخصا، بزيادة 27 في المئة مقارنة بالانتخابات الأخيرة في 2018، بحسب اللجنة.
وكانت وزارة الداخلية أصدرت في 2019 قرارا بحل نحو 80 حزبا استنادا إلى قانون صدر في 2018، ينظم عمل الأحزاب، ما قلص عددها من 110 إلى 25 حزبا مرخصا فقط.
وينص القانون على حل جميع الأحزاب التي تتخلف عن المشاركة في استحقاقين انتخابيين بلديين متواليين، أو تشارك فيهما وتحصل على أقل من 1 في المئة من أصوات الناخبين.
العرب