أطلقت «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» وفصائل المقاومة في غزة، رشقة بعيدة ومركزة من الصواريخ تجاه مدينة القدس المحتلة ظهر أمس، ودوّت صفارات الإنذار في أكثر من 10 مناطق في المدينة المقدسة وجنوب الضفة، وأعلنت إسرائيل بعدها وقف محادثات التهدئة.
أصابت الضربة، رغم تداعياتها المحدودة على الأرض، عصبا مركزيا في الدولة العبرية، التي تشتغل منظومتها السرديّة، وآليتها العسكرية، على تثبيت واقع أن القدس هي عاصمة إسرائيل الدينية والدنيوية، وهي عقيدة فائضة تقتضي إزاحة العرب الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، ليس من المدينة فحسب، بل من التاريخ أيضا!
تشكّل «مسيرة الأعلام» التي تعمل إسرائيل على إجرائها في 28 الشهر الجاري، كما هي العادة كل سنة، محاولة لتثبيت هذه الفكرة، عبر مسيرة لآلاف اليهود تمر عبر المناطق المسلمة والمسيحية في البلدة القديمة من القدس، التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمة دولتهم التاريخية والمستقبلية.
بدأ تنظيم المسيرة عام 1968 وكان العنصر المحرّك فيها هو الحاخام تسفي يهود كوك، الزعيم الروحي والتاريخي لما يسمى بالصهيونية اليهودية، ويعكس تعاظم حجم هذه المسيرة، تزايد حجم هذا التيار الذي انتقل من السيطرة، لحقبة طويلة، على وزارة التربية والتعليم، إلى السيطرة على «وزارة الأمن الداخلي» التي يقودها إيتمار بن غفير، ووزارة المالية، التي يقودها بتسلئيل سموتريتش، إضافة إلى تمثل التيار الحريدي الديني في الحكومة بوزير الإسكان الحاخام إسحاق غولكناف، ووزير الداخلية والصحة أرييه درعي (منعته المحكمة العليا من تولي منصبه).
هناك دور واضح لبن غفير، وهو المسؤول عن السجون الإسرائيلية، في استشهاد الشيخ خضر عدنان برفضها إطلاق سراحه، وهو ما تسبّب في الرشقات الصاروخية التي قامت بها حركة «الجهاد» وفصائل المقاومة في غزة في بداية الشهر الحالي، وكان لتحالف الصهيونية الدينية دور مجددا في العودة لسياسة الاغتيالات، التي أدت لمقتل عدد من قادة «سرايا القدس» وأطلقت جولة القتال الحالية.
اختارت الحكومة الإسرائيلية، المترنحة سياسيا، استهداف «الجهاد» عبر القضاء على عدنان ثم استهداف قادة «سرايا القدس» بالاغتيال لاعتقادها أن الحركة، التي تتميّز بفائض العقيدة، ستندفع بسرعة للمعركة، وأن القوة الاستخبارية والناريّة لإسرائيل ستسمح بضربات جراحية موضعية لقادتها، مما يعيد التوازن لحكومتها، ويوفّر بعضا من الشعبية المتراجعة لها على خلفية الانقسام الإسرائيلي بين العلمانيين والمتدينين، حول «انقلاب نتنياهو» على المحكمة العليا، وسيطرة الجهاز التنفيذي على القضاء.
يجري بعد ذلك تدخّل الوسطاء فتؤمن حكومة نتنياهو رضا بن غفير وسموتريتش، وتفوز بضرب «الجهاد» وتعود المدافع والطائرات والصواريخ إلى مواقعها ومنصاتها.
غير أن المعارك والحروب، كما يعلم قادة إسرائيل، لا تقتصر على الضربات الجراحية والاغتيالات، بل تضرب في طريقها الأبرياء من المدنيين والأطفال والنساء، وكما أنها تؤمن بعض التلاحم بين جبهتي إسرائيل المتنازعتين، فإنها تفعل ذلك بين الفلسطينيين أيضا، وإذا كانت الضربات الإسرائيلية قد استهدفت «الجهاد» تخصيصا، لمنع توحد الساحات الفلسطينية، ولتحييد «حماس» و«فتح» فإن أثر محاولة استفراد «الجهاد» يبدو أشد بكثير مما توقعّت إسرائيل، وإذا كانت هذه الحركة، فائضة العقيدة، والمتواضعة بالقوّة العسكرية، مقابل «حماس» و«فتح» فعلت هذا بإسرائيل، أليس هذا سببا للتساؤل عمن هو الرابح فعلا في هذه المعادلة؟
القدس العربي