رئاسيات تركيا: الديمقراطية هي الرابح الواضح

رئاسيات تركيا: الديمقراطية هي الرابح الواضح

للمرة الأولى في تاريخها، تتجه تركيا نحو جولة ثانية للانتخابات الرئاسية، في أعقاب دورة أولى شهدت منافسة محتدمة، ورغم فشل الرئيس رجب طيب اردوغان ومنافسه الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو بلوغ النسبة المطلوبة للفوز، فإن الرابح الصريح والواضح في الحالتين هو المنظومة الانتخابية التركية، وفي العمق منها نموذج الديمقراطية التركية الذي يظل في عداد الأبرز على صعيد المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة تحديداً.
المؤشرات العديدة التي تؤكد هذا النجاح يمكن أن تبدأ من إقبال على التصويت بلغ 88.92٪ في داخل تركيا ونحو 51٪ للمواطنين الأتراك في الخارج، وهذه نسبة يحق للديمقراطية التركية أن تتباهى بها قياساً على معدلات التصويت الآخذة في التضاؤل والانخفاض في غالبية الديمقراطيات الغربية. ويزيد في تثمين هذا المؤشر أن الانتخابات سارت على نحو سلس وسليم وآمن، وحققت مستويات عالية من الحرية والنزاهة، ولم تقع حوادث تعكر صفوها، وهذا كله اتفق عليه تحالفا الشعب والأمة الرئيسيان المتنافسان في الانتخابات التشريعية، ونحو 24 حزباً سياسياً و151 مرشحاً، على امتداد أكثر من 191 ألف صندوق اقتراع في 81 ولاية.
مؤشر ثانٍ تمثّل في سابقة أولى تشهدها الجمهورية التركية للمرة الأولى خلال 100 عام، وهي اتحاد أحزاب المعارضة وتياراتها في ائتلاف واحد هدفه المركزي والأبرز هو منع فوز أردوغان بولاية رئاسية ثانية وإنهاء عقدين من هيمنة حزب «العدالة والتنمية» على الحكم. صحيح أن الأحزاب المنخرطة في إطار ما سُمّي ائتلاف «الطاولة السداسية» تختلف فيما بينها على مسائل كثيرة بعضها جوهري، وأن زعماء اثنين على الأقل من هذه الأحزاب سبق أن خدما في أعلى المناصب تحت راية «العدالة والتنمية» إلا أن هذه الحال قد تكون مدعاة إغناء للتعددية الديمقراطية وليس إفقاراً لها.
مؤشر ثالث لا يقل أهمية هو أن فوز تحالف الشعب بنسبة 49.37٪ في الانتخابات التشريعية لم يمنع الناخب التركي من محاسبة «العدالة والتنمية» على أشكال شتى من التقصير في ميادين الخدمات العامة والبنى التحتية والاقتصاد، فخسر الحزب عدداً من مرشحيه خاصة في مدن كبرى مثل إسطنبول وأنقرة. وهذه معادلة جدلية حيوية لأنها من جانب أول أعادت تأكيد ثقة الناخب بالحزب صاحب الأغلبية، وفي الآن ذاته بعثت إليه بأكثر من إنذار بصدد أداء مسؤوليه ونوابه في المستقبل.
مؤشر رابع يرتبط بالخارج أكثر من الداخل، وهو أن الديمقراطية التركية كذبت الكثير من السيناريوهات التشاؤمية والقاتمة التي روجت لها وسائل إعلام كبرى في أوروبا والولايات المتحدة خصوصاً، حول معوقات الانتخابات التركية وأخطار إعادة انتخاب أردوغان بوصفه «الدكتاتور» أو «بوتين الثاني». ولم تكن تلك المزاعم تتقصد نشر النبوءات بقدر ما كانت تدير حملات تضليل منظمة، لم تفلح إلا نادراً في إخفاء هوية مبطنة قوامها التقليل من قيمة التجربة الديمقراطية التركية لأسباب استعلائية جيو ـ سياسية وثقافية.
هذه أربعة مؤشرات بين أخرى عديدة أكدت أن هوية المرشح الفائز أو الخاسر في الانتخابات الرئاسية ليست أقل دلالة من خروج الديمقراطية التركية في هيئة الرابح الواضح.

القدس العربي