بدا ملف صناعة وتهريب الكبتاغون رئيسياً في التقارب العربي مع النظام السوري، لا سيما حين دقّ الأردن ناقوس الخطر وأراد التحرك في اتجاه النظام وفق مبدأ “خطوة بخطوة” بشكل ثنائي، بعدما عرض الملك الأردني عبد الله الثاني خريطة طريق عربية على الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته لواشنطن في صيف عام 2021، لكن الموافقة جاءت حينها، على ما يبدو، على أن تُختبر خريطة الطريق المقترحة من قبل عمّان بشكل أولي.
كبتاغون النظام ومبادرة الأردن
بعد ذلك، تفاقمت عمليات تهريب المخدرات، ليختار الأردن إشراك العرب معه، لا سيما الدول المتضررة من تهريب الكبتاغون في منطقة الخليج، في عملية التقارب مع النظام السوري، على أمل الضغط على هذا النظام لإيقاف تصنيع وتهريب المخدرات من خلال إيجاد إطار لمراقبة هذا النشاط، في سياق الحلّ السوري. وبدفعٍ من عمّان، تحولت العملية إلى مبادرة إقليمية – عربية بعد اجتماعي جدّة (منتصف إبريل/ نيسان الماضي)، وعمّان (1 مايو/ أيار الحالي)، الوزاريين.
أصدرت واشنطن قانوناً يؤكد اعتبارها الكبتاغون السوري خطراً على الأمن القومي الأميركي
ومن ثم تحولت إلى مبادرة عربية خالصة بعدما ضُمّنت في القرار 8914 الصادر عن جامعة الدول العربية، في 7 مايو الحالي، والذي أعاد النظام إلى مقعد سورية في الجامعة، بعد تعليق عضوية دمشق لحوالي 12 عاماً، بسبب لجوء النظام للعنف المفرط في التعامل مع الاحتجاجات ضد حكم بشار الأسد، ورفض الخطة العربية لحل الأزمة السورية في عام 2011.
الاتصالات الأميركية والأوروبية، لا سيما مع الخارجية الأردنية، سواء قبيل اعتماد المبادرة في الجامعة العربية وما بعده، وحتى التصريحات بعد الذهاب نحو اعتماد القرار، كانت واضحة بالتصويب على حل الأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254، والتشديد على مسألة مكافحة “الكبتاغون”، الذي غزا الخليج وأوروبا وأفريقيا ودولاً في شرق آسيا.
وتعتبر واشنطن هذا الملف خطراً على الأمن القومي الأميركي مع الخشية من الوصول إلى شواطئها.
ويلسون في “كابيتول هيل”، مقر الكونغرس، ديسمبر الماضي (بيل كلارك/Getty)
تقارير عربية
المشروع الأميركي لحظر التطبيع مع النظام السوري: ضغط لفرملة الاندفاعة
وأصدرت الولايات المتحدة في نهاية العام الماضي قانوناً لمكافحة الكبتاغون (الكبتاغون المرتبط بالنظام – قانون مكافحة اتجار الأسد بالمخدرات وتخزينها). وسيدخل القانون، الذي يطلب تطوير استراتيجية للحكومة الأميركية لتعطيل الاتجار بالكبتاغون، بحلول منتصف يونيو/حزيران 2023، حيّز التنفيذ الفعلي في يونيو المقبل.
وجاءت التصريحات الغربية بالتشكيك بقدرة الأسد وإرادته أساساً على إنهاء ملف الكبتاغون والمخدرات بشكل عام، لسببين رئيسين. الأول يتعلق بمليارات الدولارات التي تدرها هذه الصناعة والتجارة إلى خزانته. أما السبب الثاني فيعود إلى ارتباط الكبتاغون، تصنيعاً وترويجاً وتهريباً، بشبكة معقدة من حلفاء النظام، لا سيما “حزب الله” والمليشيات العراقية وتلك المدعومة من إيران والتي ساعدته ولا تزال في الحرب لتثبيت بقائه في الحكم.
وستكون الأيام والأشهر المقبلة مرحلة اختبار لجدية الأسد بالالتزام بتنفيذ التوافقات التي خرج بها اجتماع عمّان بحضور وزير خارجيته فيصل المقداد، والتي جرى تضمينها في قرار الجامعة العربية، الذي بدا أنه أعطى عودة مشروطة للأسد إلى مقعد الجامعة مقابل تنفيذ الملفات الأمنية والإنسانية والسياسية، في مقدمتها ملف تهريب المخدرات والكبتاغون، الأمر الذي ستراقبه لجنة مشتركة.
ضربة الأردن رسالة جدّية
وإن كانت عمّان، الحليف لواشنطن، لم تنف أو تؤكد، تنفيذ ضربتين جويتين في الثامن من مايو الحالي داخل الأراضي السورية باستهداف مصنعين للمخدرات والكبتاغون تحديداً، ما أدى إلى مقتل تاجر (مرعي الرمثان) مرتبط بمليشيات إيران ومحكوم في الأردن بتهمة ترويج وتهريب المخدرات إلى جانب زوجته و6 من أطفاله، إلا أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي كان قد هدد، قبل يومين من الضربة، بها، وبمكافحة تهريب المخدرات بالأدوات العسكرية بدعم من حلفاء الأردن في الخليج والغرب.
وذكر مسؤولان أردنيان رفضا الكشف عن اسميهما، لوكالة “رويترز”، يومها، أن الخطوة الأردنية تعد بمثابة “رسالة إلى دمشق” بألا تخطئ في تقديراتها بشأن عزم عمّان على مواجهة قضية تهريب المخدرات عبر حدودها، في وقت تقود فيه المملكة جهوداً عربية لإنهاء القطيعة مع سورية.
وتُقرأ هذه الضربة على أنها تحذيرية من قبل الأردن، لإثبات جدية عمّان في التعامل مع هذا الملف فعلاً، وليس من قبيل التهديد فقط،. كما أن التعامل الخليجي والعربي، وحتى الأميركي مع هذا الملف، سيكون مرتبطاً بهذا الشأن في المستقبل، في ظل التكهن بعدم انصياع النظام للتعامل مع كل الملفات المطلوبة منه في التفاهمات العربية معه، لا سيما ملف الكبتاغون.
رضوان زيادة: الأردن لن يتردد في مهمة توجيه ضربات لمصانع وطرق تهريب الكبتاغون
وفي 11 من الشهر الحالي، نفى مسؤول من الخارجية السعودية، لـ”رويترز”، معلومات حول عرض وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تقديم 4 مليارات دولار للأسد سنوياً على شكل مساعدات، مقابل إنهاء ملف المخدرات وتهريبها بما يوصلها إلى السعودية. وكانت الوكالة قد نقلت عن مصدر إقليمي مقرب من النظام، ومصدر سوري مقرب من الخليج على دراية بالاتصالات الأخيرة مع الأسد، أن السعودية عرضت المليارات الأربعة على الأسد لـ”تعويضه في حال أوقف هذه التجارة”.
ويبقى الموقف السعودي متماشياً مع المبادرة العربية القائمة على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، والذي سيتم تقييمه من قبل أطراف اجتماع عمّان بالاشتراك مع الجامعة العربية، بانتظار التزامات المستقبل.
نظام دمشق رهن العملة الصعبة
وبرأي السياسي والباحث السوري المقيم في واشنطن رضوان زيادة، فإن النظام لن يقوم بأي خطوة من البنود التي تمّ الاتفاق عليها، لا سيما في ملف صناعة وتجارة وتهريب المخدرات، سواء لدول الجوار أو العالم. وعلل ذلك في حديث لـ”العربي الجديد”، بأن هذه الصناعة رئيسية لإدخال العملة الصعبة إلى خزائن النظام، لا سيما بما يساعده على إكمال الحرب.
وحول احتمال توجيه ضربات أميركية لمصانع وطرق تهريب الكبتاغون في حال دخول قانون الكبتاغون حيّز التنفيذ الفعلي في بداية الصيف الحالي، استبعد زيادة أن تلجأ واشنطن بشكل مباشر إلى هذا الخيار، لكنه أوضح أن الأردن لن يتردد بالقيام بهذه المهمة، بحسب رأيه.
واتفق الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية موسى القلاب مع زيادة بتولي الأردن هذه المهمة بمفرده. وقال القلاب لـ”العربي الجديد”: “نعم سيتولى الأردن على الأرجح وحده مكافحة تهريب الكبتاغون من سورية إلى الأردن بالوسائل العسكرية والأمنية”.
ولفت الباحث إلى أنه بالنسبة للتعاون الإقليمي الذي يضم السعودية ودول الخليج الأخرى ومصر، فسيكون مُنصباً على الأبعاد القانونية والتشريعية والاستخبارية في إطار مكافحة تهريب وتمرير المخدرات والسلاح وكافة المحظورات. أما الاتفاق المبدئي مع سورية والذي أعلنت عنه مصر أخيراً، فهو “ينطوي على المجالات السياسية والدبلوماسية، وهو طرح مشكوك فيه وقد لا تنتج عنه أي نتائج إيجابية ملموسة لدى الجانب السوري”، وفق اعتقاده.
وبناء على ذلك، رأى القلاب أن “النظام السوري لن يتجاوب مع ملف مكافحة المخدرات لسببين، هما: الأول، لكون بوصلة القرار السوري ليست حرة، فهي محكومة بقرار (فيلق القدس الإيراني)، أما الثاني، فيكمن في حاجة النظام وإيران إلى مصادر تمويل غير مشروعة وفي طليعتها صناعة وتجارة المخدرات”. ولفت القلاب إلى أنّ “السياستين السورية والإيرانية مع الجامعة العربية تسير وفق قاعدة رابح – خاسر على التوالي”.
تشكيك تقابله الوقائع
لكن الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، والمقيم في واشنطن منذ انشقاقه عن سفارة النظام فيها، طرح فرضيات جديدة حول التعاطي العربي والدولي مع ملف الكبتاغون بالكامل، مرجعاً ذلك إلى بعض الشكوك والأسئلة التي تحتاج إلى إجابات حقيقية عليها.
وأشار بربندي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “هناك حلقة مفقودة في هذا الملف، لا سيما حين نرى الإعلان عن كميات ضخمة من المخدرات التي تتم مصادرتها على الحدود”. وبرأيه، فإن السؤال هنا: هل ستتحمل أي جهة مصنعة، مهما بلغ وزنها المالي، هذه الخسائر المتتابعة، وثم نسأل حول الأموال التي يتم جنيها، وهي بمليارات الدولارات بحسب التقارير الغربية، وهي مليارات تحتاج إلى مصارف ونظام مصرفي يتحملها ويستوعبها وهو غير موجود؟
كما لفت إلى أن فرضية تحويل هذه الأموال إلى الخارج مستحيلة مع القيود الصعبة في أوروبا وأميركا وحتى في الدول العربية على عمليات تحويل الأموال واستقبالها بأحجام أقل بكثير من المعلن عنه في ما يخص أرباح النظام من الكبتاغون. وأكد أنه “لا يوجد نظام مالي يستوعب الأرقام التي يعلن عنها، لا في سورية ولا في الجوار كلبنان والعراق، إذا ما فرضنا محاولة استيعابها هناك”.
ولا يستبعد بربندي وجود تصنيع وتهريب مخدرات وتحديداً عقار الكبتاغون بالمطلق، لكنه اعتبر أن هذا الملف يتم تهويله وتضخيمه بشكل كبير بفعل فاعل أو فاعلين كثر.
وصيف العام الماضي، كشف تحقيق صحافي مصور مقرون بالأدلة، قام به “التلفزيون العربي”، عن عديد المصانع لإنتاج المخدرات بما فيها الكبتاغون، لا سيما في الساحل والجنوب السوري. وأظهر وجود شبكة واسعة من المشرفين على التصنيع والتهريب أساسها “الفرقة الرابعة” التي بقودها ماهر الأسد، شقيق رأس النظام السوري بشار الأسد، بالإضافة إلى أقارب للأسد لديهم مناصب عسكرية أو مليشياوية مختلفة، كما أشار التحقيق إلى تورط “حزب الله” اللبناني ومليشيات أخرى بتلك التجارة.
كما أكدت دراسة لـ”مركز جسور للدراسات”، صدرت في بداية العام الماضي، وجود حوالي 50 موقعاً لتصنيع المخدرات في سورية. وأشارت الدراسة إلى أن تلك المواقع تتوزع في إنتاجها على 14 موقعاً لتصنيع عقار الكبتاغون، و13 موقعاً لإنتاج مادة “الكريستال ميث” والمعرفة محلياً بـ”شبو” أو “إتش بوز”، و23 موقعاً لزراعة وإنتاج وتصنيع مادة الحشيش.
موسى القلاب: بوصلة القرار السوري ليست حرة، فهي محكومة بقرار فيلق القدس الإيراني
وكان تقرير لـ”معهد نيولاينز” للأبحاث، ومقره واشنطن، قد قدّر قيمة تجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط خلال عام 2021 بحوالي 5.7 مليارات دولار. وأشار التقرير إلى تورط بشار الأسد وأفراد من عائلته ونظامه بهذه التجارة إلى جانب شريكه الرئيسي “حزب الله” اللبناني. وهذ الرقم يشمل فقط قيمة تجارة التجزئة بالاستناد إلى قيمة المضبوطات التي حددها التقرير بـ420 مليون حبة من عقار الكبتاغون فقط.
هذا الرقم أكدته مجلة “دير شبيغل” الألمانية، أي 5.7 مليارات دولار، لكن المجلة أشارت إلى أن هذا الرقم فقط لعوائد تجارة المخدرات من قبل النظام السوري، ما يعني أن تجارة العقار في الشرق الأوسط التي تحدث عنها المعهد الأميركي ممسوكة بشكل كامل من قبل النظام السوري، لتطابق الرقمين.
وفي إبريل من العام الحالي، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، عقوبات على 6 أشخاص، بينهم اثنان من أقارب رأس النظام، لدورهم في إنتاج الكبتاغون أو تصديره، فيما فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على 11 كياناً مرتبطاً بالنظام، في اليوم ذاته.
وشملت الأسماء كلاً من سامر كمال الأسد، وهو ابن عم رئيس النظام السوري، ويشرف على منشآت إنتاج الكبتاغون الرئيسية في اللاذقية التي يسيطر عليها النظام، ووسيم بديع الأسد، وهو ابن عم آخر للأسد، يقود مليشيا مسلحة ومعروف بترويج وتصدير وصناعة المخدرات، وعماد أبو زريق، وهو قائد سابق في “الجيش السوري الحر”، ويقود الآن مليشيا تابعة للمخابرات العسكرية السورية، وله دور مهم في تمكين إنتاج المخدرات وتهريبها من جنوب سورية إلى الأردن، وخالد قدور، وهو رجل أعمال سوري ومقرب من ماهر الأسد، وشركتين لدورهما في إنتاج وتصدير الكبتاغون.
كما شملت العقوبات نوح زعيتر، وهو تاجر مخدرات مقرب من “حزب الله” و”الفرقة الرابعة” في جيش النظام، ومعروف بتجارته وتهريبه للأسلحة والمخدرات، وكذلك حسن محمد دقو، وهو مواطن لبناني – سوري، أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب “ملك الكبتاغون”.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد وقع في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ميزانية الدفاع الأميركية لعام 2023 التي قدمها الكونغرس، وتضمّنت قانوناً لمحاربة الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري. ويتضمن مشروع القانون أن تجارة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد تعتبر “تهديداً أمنياً عابراً” للحدود، ويطالب الوكالات الأميركية بوضع استراتيجية مكتوبة خلال مدة أقصاها 180 يوماً، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سورية والدول المجاورة، من المقرر أن يدخل القانون حيز التنفيذ الفعلي في يونيو المقبل بإجراءات قد يكون من بينها ضرب مصانع وطرق تهريب المخدرات بالوسائل العسكرية.
العربي الجديد