قالت مجلة “إيكونوميست” إن المشروع الإيراني في الشرق الأوسط لا يزال قويا وأن جماعاتها الوكيلة هي قوة يحسب لها حساب.
وبحسب المجلة، فإنه “في الوقت الذي دكت فيه المقاتلات الإسرائيلية قطاع غزة المحاصر لمدة خمسة أيام، بدءا من 9 أيار/ مايو، كان المسؤولون الإسرائيليون يحاولون التأكيد أنهم لا يستهدفون سوى حركة الجهاد الإسلامي، فهذه الجماعة الراديكالية الصغيرة، تحظى بدعم وتمويل من إيران”.
وأطلقت الجهاد الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، حيث كانت الإستراتيجية الإسرائيلية واضحة، فقد أرادت بقاء حركة حماس -الجماعة الكبرى التي تسيطر على القطاع- خارج المواجهة، وذلك لأن لديها ترسانة أكبر من الصواريخ التي قدمتها إيران لها، والقادرة على شل الحياة في إسرائيل بفعالية أكثر.
وفعلت الإستراتيجية الإسرائيلية فعلها. فقد ظلت حماس خارج القتال حتى التوصل لاتفاق إطلاق النار برعاية مصرية. وتأمل إسرائيل أنها دقت إسفينا بين حلفاء إيران على حدودها.
وظلت الجماعات الوكيلة لإيران مفتاحا أساسيا في جهودها. ففي الثمانينات من القرن الماضي، لعب حزب الله اللبناني، ومنظمة بدر العراقية دورا مهما في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية. وأظهرت طهران قوتها من خلال دعمها للحوثيين الذين تحدّوا السعودية في اليمن، وكذا حزب الله والجماعات الفلسطينية.
وتحقق تلك الجماعات أيديولوجية ومهمة تصدير الثورة الإيرانية وتخدم كأداة ضغط دبلوماسي، كما يقول بنهام بن طاليبو، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن. وأصبحت مهمةً أكثر مع تحسن علاقات إسرائيل بجيرانها العرب من خلال اتفاقيات إبراهيم في عام 2020.
ونجحت إسرائيل عبر القوة الجوية في حرمان إيران من قاعدة عسكرية دائمة في سوريا. ولكنها فشلت في منع وكلاء إيران، حزب الله وحماس من بناء ترسانات عسكرية كبيرة في لبنان وغزة. ومع أنها قد لا تمثل تهديدا وجوديا على إسرائيل، إلا أن تلك الجماعات تمثل خطرا كافيا يدفعها لعقد اتفاقيات هدنة غير رسمية معها.
وفي عملياتها الثلاثة الأخيرة في غزة، لم تستهدف إسرائيل حماس. ومثل ذلك، ومنذ حربها في 2006 ضد حزب الله، فقد اتفق الطرفان على تجنب المواجهة في لبنان، مع أنهما قد يواجهان بعضهما البعض على الأراضي السورية.
وهناك محدودية للقوة الإيرانية وجماعاتها الوكيلة، “في النهاية، لم يستطع حزب الله والجماعات الشيعية المسلحة الأخرى إنقاذ نظام الأسد”، كما تقول راز زيميت، المراقبة لإيران في معهد الأمن القومي بإسرائيل التابع لجامعة تل أبيب. وكان على إيران أن تنشر قواتها الخاصة في سوريا. وفي عام 2015، ناشدت روسيا التدخل وإنقاذ الأسد.
وفي اليمن، فإن طهران دعمت الحوثيين لإزعاج السعودية وحلفائها، إلا أن بعض الهجمات ضد السعودية قامت بها إيران على ما يعتقد. وفي الوقت الذي ترحب جماعات إيران الوكيلة مثل حماس بدعم رعاتها، إلا أن لديها أجندتها الخاصة التي لا تتوافق مع المصالح الإيرانية.
وتهتم هذه الجماعات بشكل طبيعي بمصالح قواعدها المحلية، وهي بالضرورة ليست مستعدة لكي تنفذ ما تريده إيران. وفي الأسابيع الماضية، استغلت إسرائيل هذه الدينامية في غزة.
وتريد إيران من وكلائها الفلسطينييين بأن يكونوا دائما شوكة في حلق إسرائيل. ومثل حركة الجهاد الإسلامي، تحصل حماس على دعم من إيران، ولكنها خلافا للجهاد، مسؤولة عن إدارة الحياة اليومية في قطاع غزة، وتأمل يوما في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية.
ونتيجة لهذا، فحماس منقسمة عندما يتعلق الأمر بإيران، فهناك بعض العناصر الذين يدعمون علنا الجمهورية الإسلامية، أما البقية بمن فيهم يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، فيحاولون تقليل الاعتماد على إيران.
وساعدت إسرائيل على هذا الانقسام من خلال تخفيف الحصار الذي فرضته على القطاع مع مصر، وسمحت بدخول 20 ألفاً من العمال في غزة يوميا إلى إسرائيل حيث يعملون ويحصلون على الأموال.
ولأن السنوار يمقت خسارة هذا الأمر، فقد كان مترددا في الانضمام إلى البنية المشتركة التي أرادت إيران خلقها على حدود إسرائيل.
ولعل أهم مظهر ضعف في استراتيجية إيران، نابع من الداخل، فاستثمار الأموال القليلة وسط انهيار اقتصادي أثار حنق الإيرانيين.
ورغم الدور الذي تلعبه الجماعات الوكيلة في السياسة الإيرانية الخارجية، إلا أن موقعها في المنطقة تعزز بطرق تقليدية أخرى. ففي 10 آذار/ مارس، وافقت إيران على استئناف العلاقات الخارجية مع السعودية على أمل إنهاء عزلتها الاقتصادية. وسيحاول آخرون الضغط على إيران ومنعها من زعزعة استقرار المنطقة. وعلى المدى البعيد، فستصبح الجماعات الوكيلة عقبة أمام إيران وليس وسيلة قوة.
القدس العربي