جدّد النظام السوري رفضه تنفيذ مضامين قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الصادر عام 2015، والذي وضع خريطة حلّ للقضية السورية تنهض به “هيئة حكم ذات مصداقية”، وهو ما حاول النظام طوال 8 سنوات تفاديه، مستفيداً من الدعم الروسي والإيراني. وجاء الانفتاح التركي والعربي على النظام ليمنحه هامش تحايل أوسع للقفز فوق هذا القرار الذي تصر الولايات المتحدة على أنه الحل الوحيد القابل للتطبيق في سورية.
وقال وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، يوم الأحد الماضي، إن النظام سينفذ ما يهمّه من مضامين القرار 2254، مكرراً في حديث لقناة “روسيا اليوم” الإخبارية، الخطاب الذي يعتمده النظام حول الحل السياسي في سورية. ويقوم هذا الخطاب على أنه “يستلزم القضاء على الإرهاب وإعادة إنعاش الأوضاع الاقتصادية وإزالة العقوبات غير الأخلاقية وغير المبررة المفروضة من الدول الغربية”، وفق المقداد.
ولم يتطرق وزير خارجية النظام السوري إلى بقية البنود التي يتضمنها القرار الذي كان صوّت عليه مجلس الأمن الدولي في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، ولم تستطع الأمم المتحدة تنفيذه منذ ذلك الوقت بسبب تعنت النظام.
النظام السوري يقفز فوق القرار 2254
ونصّ قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي استند إلى بيان جنيف 1 الذي صدر في منتصف عام 2012، بـ”اعتباره الأرضية الأساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع في سورية”، على “تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية”، و”اعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية في غضون 6 أشهر”. وجدّد القرار دعم مجلس الأمن الدولي إجراء “انتخابات حرّة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة”.
استند القرار 2254، إلى بيان جنيف 1 ونصّ على “تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية وتشمل الجميع وغير طائفية
ولكن جولات التفاوض التي جرت في مدينة جنيف السويسرية بتسيير من الأمم المتحدة بين وفدي المعارضة والنظام لم تحقق أي نتيجة. وجرى في عام 2019، القفز فوق تراتبية المضامين الواردة في القرار من خلال الضغط على المعارضة السورية للبدء في تفاوض على كتابة دستور جديد للبلاد. إلا أن النظام لم يقابل هذا التنازل بأي مرونة، حيث عقدت لجنة مشتركة من النظام والمعارضة وكذلك المجتمع المدني من كلا الجانبين (النظام والمعارضة)، 8 جولات تفاوض لم تؤد إلى كتابة أي مادة في مشروع الدستور.
الأسلحة الكيميائية/سياسة/عبد الله كوسكون/الأناضول
أخبار
فرنسا تؤيد محاكمة الأسد والائتلاف السوري المعارض يرحّب
وفيما كان النظام السوري يعتمد على دعم روسي وإيراني للتحايل والمناورة على القرار 2254، ظلّت المعارضة السورية متمسكة بالقرار وهي لا تزال تؤكد أنها جاهزة للشروع الفوري بتفاوض يفضي إلى حلّ وفق قرار مجلس الأمن الخاص بسورية.
أسبابٌ جديدة للتعنت
وشهد الملف السوري خلال العام الحالي العديد من التطورات التي ربما تدفع النظام إلى المزيد من التعنت لجهة رفض التقيد بمضامين القرار الدولي 2254، حيث عدلت تركيا من موقفها من نظام دمشق، وشرع الجانبان في خطوات تقارب ربما تؤدي إلى تطبيع وعودة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق. وعلى الرغم من أن الجانب التركي يؤكد تمسكه بحلّ سياسي للقضية السورية وفق قرار مجلس الأمن 2254، إلا أن الوقائع تشير إلى أن أنقرة لا تربط عودة الدفء لعلاقتها مع النظام بتنفيذ القرار، بل تعد قضية اللاجئين ومحاربة وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرقي سورية، أولوية لديها.
والتطور الأبرز في المشهد السوري كان الانفتاح العربي الواسع على النظام السوري تحت ذريعة إنسانية، بعد الزلزال الذي ضرب مناطق في شمال سورية فجر 6 فبراير/شباط الماضي. وكان النظام يتعامل باستخفاف سياسي مع القرار الدولي 2254، على الرغم من العزلة العربية المفروضة عليه، لذا من المتوقع أن يتصلب أكثر في موقفه الرافض لأي حلول سياسية يمكن أن تهدد بقاء رأس النظام بشار الأسد في السلطة، مع عودته إلى جامعة الدول العربية.
ودأبت قمم عربية عُقدت بعد صدور القرار 2254 في عام 2015، على تأكيد “ضرورة العمل لإيجاد حل سياسي ينهي الأزمة السورية استناداً إلى القرارات الدولية”، حيث أشار البيان الختامي للقمّة العربية التي عقدت في العاصمة الموريتانية نواكشوط في عام 2016 إلى أن الحل السياسي في سورية يجب أن يكون “وفقاً لبيان جنيف في 20 يونيو/حزيران 2012 وبيانات المجموعة الدولية لدعم سورية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
وفي قمة الأردن في عام 2017، أشار البيان الختامي بشكل واضح إلى “مخرجات جنيف 1، وبيانات مجموعة الدعم الدولية لسورية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خصوصاً القرار 2254 كمدخل للحل السياسي في سورية”. وشدّد البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في 2018 في الظهران السعودية، على “ضرورة إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة السورية، بما يحقق طموحات الشعب السوري الذي يئن تحت وطأة العدوان، وبما يحفظ وحدة سورية، ويحمي سيادتها واستقلالها، وينهي وجود جميع الجماعات الارهابية فيها، استناداً إلى مخرجات جنيف 1 وبيانات مجموعة الدعم الدولية لسورية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخصوصاً القرار 2254”. وتكررت ذات الفقرة في قمة تونس التي عقدت في عام 2019، بينما تمّ إلغاء نسختي 2020 و2021 بسبب كوفيد 19.
ولكن القرار 2254 غاب عن البيان الختامي في القمة العربية التي عقدت في الجزائر عام 2022، حيث دعا البيان الختامي إلى “دور جماعي قيادي للمساهمة في جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ومعالجة كل تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، بما يضمن وحدة سورية وسيادتها ويحقق طموحات شعبها ويعيد إليها أمنها واستقرارها ومكانتها إقليمياً ودولياً”، وفق البيان.
ولم يتطرق البيان الختامي للقمة العربية 32 والتي عقدت في مدينة جدة في 19 مايو/أيار الحالي بحضور الأسد للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، إلى القرار 2254، في إشارة واضحة إلى أن تنفيذ مضامين هذا القرار لتجاوز الأزمة في سورية، ليس في رأس أولويات العديد من الدول العربية. مع العلم أن دولة قطر كرّرت أخيراً أن قرار مجلس الأمن حول أزمة سورية إلى جانب بيان جنيف، هما الطريق المناسب لتحقيق حلّ مستدام في سورية. كما أبدت مصر تمسكها بتطبيق القرار 2254 للحل.
كذلك ترى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان أن هذا القرار هو “الحل الوحيد القابل للتطبيق في سورية”، مؤكدة أنها لن ترفع العقوبات المفروضة على النظام أو تشارك في إعادة الإعمار في سورية ما لم يتم تنفيذ هذا القرار. لكن العقوبات المفروضة على النظام لم تدفعه إلى الانخراط في مفاوضات للتوصل إلى حل وفق القرارات الدولية.
لم يقابل النظام تنازلات المعارضة بمرونة وواصل التحايل للقفز فوق قرار مجلس الأمن
ويرفض النظام حتى اللحظة التجاوب مع جهود المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن لعقد جولة جديدة من مفاوضات اللجنة الدستورية، ما يؤكد أن النظام وضع القرار الدولي 2254 وراء ظهره، محاولاً خلق وقائع سياسية يأمل أن تعفيه من التعاطي مع القرار.
وبرأي الباحث السياسي فراس تقي، في حديث مع “العربي الجديد”، فإن لـ”القرار 2254 مفاهيم واسعة”، مضيفاً أن “كل طرف ينظر إلى القرار من زاويته”. ويشرح الباحث أنه “ليس هناك مفهوم واضح جازم تجمع عليه الدول الفاعلة في المشهد السوري”. وبرأيه، فإن التقارب التركي مع الأسد، وكذلك تقارب بعض الدول العربية معه، “جاءا تلبية لمصالح هذه الدول، ومن ثم ظهرت تفسيرات (واقعية) جديدة للقرار 2254 كفيلة بحرفه عن مقاصده الأساسية القائمة على فكرة تحقيق انتقال سياسي في سورية”. ولا يعتقد تقي، بناء على ذلك، أن تطبيق القرار أولوية في الوقت الراهن لدى الدول التي تقاربت أو بدّلت موقفها من النظام.
في السياق، يعتبر الباحث السياسي في مركز “الحوار السوري” أحمد القربي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن مصير القرار 2254 “معلّق في الوقت الراهن”، موضحاً أن القرار صدر في سياق توافق روسي أميركي في عام 2015، لكن هذا السياق تبدّل تماماً اليوم في ظل التطورات الإقليمية والدولية التي حدثت خلال السنوات الماضية. وبرأي القربي، فإن “تطبيق القرار يتطلب توافقاً روسياً وأميركياً، وتوافقاً إقليمياً من تركيا وإيران، وهو أمر بعيد المنال في الوقت الراهن”. كما يلفت الباحث السياسي إلى أن “الأحداث التي جرت تجاوزت القرار، وتطبيقه كما صدر ربما يحتاج إلى معجزة”.
ويعرب القربي عن اعتقاده بأن التقارب التركي والعربي مع النظام السوري “لا تأثير له بشكل مباشر على القرار وتطبيقه”، مضيفاً أن مقاربة “خطوة مقابل خطوة” تنسف فكرة الحل السياسي في سورية وفق القرار المذكور. كما يشير القربي إلى أن التعاطي مع القضية السورية “انحصر في الوقت الراهن في الملفات الأمنية والإنسانية ومكافحة الإرهاب واللاجئين والمخدرات”، مضيفاً أن “أغلب الدول تحاول إيجاد حلول لهذه القضايا من دون التطرق إلى الحل السياسي لأنه يحتاج إلى توافق دولي وإقليمي غير متاح حالياً”.
العربي الجديد