الانتخابات التركية: أي ارتدادات على الأحزاب؟

الانتخابات التركية: أي ارتدادات على الأحزاب؟

أسدلت تركيا الستار على ماراثونها الانتخابي، بفوز رجب طيب أردوغان بالرئاسة على منافسه كمال كلجدار أوغلو، لكنها في الوقت نفسه تقف أمام مرحلة جديدة في السياسة قد تضع حداً لمرحلة امتدت على العقدين الماضيين.

وتُعتبر الولاية الجديدة آخر فترة رئاسية لأردوغان، وربما أيضاً نهاية الحياة السياسية لشخصيات أخرى مثل كلجدار أوغلو، وزعيم الحركة القومية دولت بهتشلي بسبب مرضه وتقدمه في السن، وغيرهما من القادة.

رسائل من الناخبين الأتراك
وبعدما تمكّن حزب العدالة والتنمية ومرشحه أردوغان وحلفاؤه من تحقيق نصر صعب في الرئاسيات والبرلمان، فان نتائج الانتخابات ونسب التصويت تحمل رسائل تغيير مهمة للمنتصرين والمهزومين.

وقال مصدر من “العدالة والتنمية” لـ”العربي الجديد”، إن الفوز الصعب وتقدّم مرشح المعارضة في ولايتي إسطنبول وأنقرة سيدفعان أردوغان لإجراء تحسينات وتغييرات على مستوى معظم الوزارات وإعادة وزراء سابقين كانوا قد حققوا نهضة اقتصادية للبلاد مثل وزير المالية السابق محمد شمشك، ووزير التنمية السابق جودت يلماز لتولي مناصب حكومية، إضافة لتكليف قوميين وخبراء مستقلين عليهم إجماع في الشارع التركي.

بعد تشكيل الحكومة الجديدة، سيقوم “العدالة والتنمية” بتقييم فترة الانتخابات وربما يتجه لإجراء تغييرات في قيادته في أنقرة وإسطنبول

وأضاف: “بعد تشكيل الحكومة الجديدة وحلف البرلمانيين اليمين القانوني، سيقوم الحزب بتقييم فترة الانتخابات وربما يتجه لإجراء تغييرات في قيادته في ولايتي أنقرة وإسطنبول استعدادا للانتخابات البلدية بعد عشرة شهور”.

وفي السياق، ذكرت صحيفة “جمهورييت” المقربة من الحكومة، أن براءت البيرق صهر الرئيس، سيعود لتولي وزارة الطاقة والموارد الطبيعية في الحكومة الجديدة.

من جهته، قال الباحث في كلية العلوم السياسية بجامعة سكاريا نورالدين أحمد أوغلو، لـ”العربي الجديد”، إن “حزب الحركة القومية وزعيمه دولت بهتشلي تمكنا في هذه الانتخابات من الحفاظ على قوة الحزب على عكس التوقعات، وتثبيت حاجة حليفهما العدالة والتنمية المصيرية لهما للاستمرار في السيطرة على الأغلبية البرلمانية”، متوقعاً عودة المرشح الرئاسي سنان أوغان إلى الحزب تحضيراً لخلافة بهتشلي.

ولفت إلى أن “نتائج الانتخابات منحت أحزاب التحالف الجمهوري الصغيرة، خصوصاً حزبي الرفاه الجديد والهدى الكردي، الفرصة للحصول على مكاسب سياسية مهمة، لا سيما أنهما دخلا البرلمان للمرة الأولى وربما يحصلان على جزء من كعكة البيرقراطية”.

أما على جبهة تحالف الشعب المعارض، فرجح أحمد أوغلو تمسك كلجدار أوغلو بمنصبه على الرغم من هزيمته والمطالبات باستقالته لا سيما أنه يسعى لتقديم هذه النتيجة كنصر على اعتبار أنه حصل على رقم قياسي بالنسبة للمعارضة.

ورأى أن كلجدار أوغلو سيسعى أيضاً إلى الحفاظ على تحالف الشعب من دون تغيير جوهري حتى الانتخابات البلدية المقبلة على اعتبار أنه سيقدمها للجمهور كفرصة جديدة لاستعادة المعنويات والنصر في المدن الكبرى بالذات.

أحمد أوغلو: كلجدار أوغلو فقد مرتكزاته السياسية المبنية على إعادة النظام البرلماني المعزز وإسقاط أردوغان وتقاسم السلطة

واعتبر أن كلجدار أوغلو فقد مرتكزاته السياسية المبنية على إعادة النظام البرلماني المعزز وإسقاط أردوغان وتقاسم السلطة، وبالتالي فإنه سيواجه انتقادات حادة على مستوى قواعده في ظل مطالبات صريحة لتولي أكرم إمام أوغلو رئاسة الحزب خلال الفترة المقبلة وهو المنصب الذي يصبو إليه. وأضاف أن كلجدار أوغلو سيواجه أيضاً تحديات على جبهة الحزب الجيد.

وكان رئيس بلدية بولو، القيادي في حزب الشعب الجمهوري تونجو أوزجان، قد طالب كلجدار أوغلو بالاستقالة من رئاسة الحزب وتولي إمام أوغلو المنصب. كما تجمهر عدد من أعضاء الحزب عقب الإعلان عن نتيجة الانتخاب أمام مقر الحزب الرئيسي في أنقرة وهتفوا باستقالة كلجدار أوغلو.

من جهة أخرى، لفت أحمد أوغلو إلى أن فشل رهان حزب الشعوب الديمقراطي على كلجدار أوغلو سيجعله يبحث عن خيارات أخرى في المرحلة المقبلة التي سيشهد الحزب فيها تشديد الخناق القضائي عليه وربما إغلاقه.

وتعتبر الأحزاب الصغيرة المستقلة التي انتهجت خيار الطريق الثالث، مثل حزبي النصر بقيادة أوميت أوزداغ والبلد بقيادة محرم انجه، من أبرز المتأثرين بهذه النتائج أيضاً، فبينما حققت نتائج منخفضة وفشلت في الدخول إلى البرلمان، رأى أحمد أوغلو أن هزيمة المعارضة بهذا الشكل واستمرار قياداتها الحالية ستمنح أحزاب الطريق الثالث زخماً خاصاً على المدى المتوسط والطويل بما يعزز أطروحة الطريق الثالث.

تقارير دولية
لماذا فشلت المعارضة التركية في إطاحة أردوغان؟
أردوغان ونزيف شعبية “العدالة والتنمية”
من جهته، توقع الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج، في حديث مع “العربي الجديد”، أن يعيد أردوغان النظر في نتيجة حزب العدالة والتنمية الذي تراجع في الانتخابات التشريعية بنسبة 7 في المائة عن آخر انتخابات، والتي كان تراجع فيها أصلاً 7 في المائة كذلك عن الانتخابات التي سبقتها في 2011.

ورأى أن هذا النزيف المستمر في شعبية الحزب الحاكم ظاهرة مقلقة وستحتاج للوقوف أمامها ومحاولة علاجها، وإلا كان التحدي في الانتخابات المقبلة مختلفاً جداً، لا سيما مع اختلاف شكل المعارضة وتحالفاتها وخلفيات أحزابها أخيراً.

الحاج: النزيف المستمر في شعبية الحزب الحاكم ظاهرة مقلقة وستحتاج للوقوف أمامها ومحاولة علاجها

وأكد الحاج أن كلجدار أوغلو أضاف إلى سجله هزيمة إضافية أمام أردوغان، ولكن هذه المرة في ظل آمال وتوقعات بإمكانية كبيرة للفوز وكذلك بعد أن فرض ترشحه على الرغم من الاعتراضات على حزبه ثم على الطاولة السداسية، متوقعاً أن يكون للنتيجة ارتدادات داخل حزب الشعب الجمهوري.

وتساءل الحاج حول مصير الطاولة السداسية المعارضة، فهي جهة خسرت الفكرة الرئيسة التي جمعت أحزابها وهي العودة بالبلاد للنظام البرلماني التي كانت تحتاج أغلبية في البرلمان، كما أن مرشحها خسر الانتخابات الرئاسية، مبينا أن بعض ملامح التململ تبدت في التحالف المعارض وحالة من الخلافات أخفيت عن الأنظار قدر الإمكان حتى جولة الإعادة لعدم التأثير على نتائجها.

ورأى أن خروج كلجدار أوغلو وحيداً في كلمته بعد النتيجة، وخروج حلفائه بتصريحات منفصلة، يشير بوضوح إلى أن الخلافات الكامنة مرشحة للخروج للعلن قريبا، مما يعني أن وحدة الطاولة السداسية ستكون على المحك في المرحلة المقبلة.

العربي الجديد