واشنطن تُراقب عن كثب تعزيز “قوات الحشد الشعبي” هيمنتها في العراق

واشنطن تُراقب عن كثب تعزيز “قوات الحشد الشعبي” هيمنتها في العراق

أفضى النهج الذي اعتمدته إدارة بايدن مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والذي اتسم بالصبر وعدم لفت الأنظار إلى بعض النتائج الإيجابية، لكن الدرس المستفاد من “حزب الله” والحوثيين هو أن وكلاء إيران يميلون إلى تعزيز قبضتهم على الدولة عند غياب الرقابة.

منذ ثلاث سنوات، كانت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق تُمطر السفارة الأمريكية في بغداد بالصواريخ وقذائف الهاون. ولحماية العناصر الأمريكيين، اتخذت إدارة ترامب في صيف عام 2020 خطوة غير مسبوقة تمثلت في نقل منظومة “سي-رام” المضادة للصواريخ والهاون إلى المجمع الدبلوماسي. وفي الأشهر اللاحقة، أسقطت هذه المنظومة التي تُطلق ما يصل إلى 4500 رصاصة بطول 12.7 سم في الدقيقة عشرات القذائف العدوانية.

تبدلت هذه الديناميكية مع إدارة بايدن، التي علّقت بعد فترة وجيزة من تسلمها السلطة حملة “الضغط الأقصى” ضد إيران التي مارسها ترامب، وأشركت الحكومة الدينية في مفاوضاتٍ بهدف الدخول مجددًا في اتفاقٍ نووي. ونتيجة ذلك، بدرجة كبيرة في العام الماضي استهداف السفارة الأمريكية في بغداد، والجنود الأمريكيين البالغ عددهم 2500 المتمركزين في العراق. ولكن على الرغم من التحسن الظاهر في الوضع الأمني مؤخرًا، يتزايد على ما يبدو التهديد العراقي على عناصر الولايات المتحدة ومصالحها.

ظهرت إشارات التحذير الأخيرة في منتصف شهر أيار/مايو بعدما أعلن الرئيس بايدن عن استمرار “حالة الطوارئ الوطنية” في العراق بموجب “قانون الصلاحيات الاقتصادية في حالات الطوارئ الدولية”. فقد شهدت بعض هذه الميليشيات على الأقل الموالية لإيران والمعروفة باسم “الحشد الشعبي” اضطرابات نجمت عن هذا التصريح، بالإضافة إلى مقابلة تلفزيونية سابقة مع السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوسكي أكدت فيها عن حسن نية أن الولايات المتحدة “لن تغادر المنطقة”.

وفي أعقاب هذه الإعلانات، أصدرت مجموعة مرتبطة بـ”الحشد الشعبي” تُدعى “أصحاب الكهف” بيانًا حثّت فيه على استئناف العمليات العسكرية ضد “قوات الاحتلال” الأمريكية في العراق، بما في ذلك القواعد والقوافل. وهددت الميليشيا في وقتٍ لاحقٍ قائلةً: “نريدكم في المكان الصحيح فحسب”، ولكن “كل الأوقات مناسبة”. كما دعت المنظمة قواتها عبر رسالة على “تلغرام” إلى “إسكات الشيطانة”، في إشارةٍ إلى السفيرة رومانوسكي.

يشعر “الحشد الشعبي” بالقلق أيضًا من علاقة العمل المثمرة بين واشنطن ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. لم يكتفِ السوداني بتأييد استمرار الوجود العسكري الأمريكي في إطار التحالف ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، بل عمِلَ أيضًا على الحد من اعتماد العراق على إيران في مجال الطاقة. وتشكّل اللقاءات المنتظمة بين السوداني ورومانوسكي واقعًا أسوأ ربما بالنسبة إلى “الحشد الشعبي”.

يترأس السوداني حكومةً يقودها تحالف “الإطار التنسيقي” المدعوم من إيران، وهو الجناح السياسي لـ”الحشد الشعبي”، ولم يتمكن السوداني حتى الآن من تلبية توقعات الميليشيات. وبناءً على ذلك، حثّت مجموعة “أصحاب الكهف” أتباعها على “إحراج” حكومة السوداني و”تمهيد الطريق لإسقاطه”. وحذّرت “حركة النجباء”، وهي ميليشيا أخرى أبرز تابعة لـ”الحشد الشعبي”، من تزايد النفوذ الأمريكي في العراق، وأدانت “استرضاء” السوداني للولايات المتحدة.

توسع “قوات الحشد الشعبي” في عهد السوداني

في حين خيّب السوداني ظن “الحشد الشعبي” وفقد رضى قواتها عنه، لم يتضح ما إذا اتخذ بالفعل عددًا من الإجراءات للحد من قوة هذه المجموعة ونفوذها المتناميين. في الواقع، توسعت امتيازات “الحشد الشعبي” بشكلٍ هائل منذ توليه رئاسة الوزراء في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 مثلًا، وافق السوداني على تأسيس “شركة المهندس العامة” وخصص لرأسمالها حوالى 70 مليون دولار من الموازنة العراقية. ومن المرتقب أن تفوز شركة المقاولات الإنشائية والهندسية هذه التي يملكها ويديرها “الحشد الشعبي”، الذي صنّفت الحكومة الأمريكية عددًا كبيرًا من قادته وميليشياته على قائمة الإرهاب، بصفقاتٍ بمليارات الدولارات مع الحكومة العراقية ضمن المناقصات غير التنافسية. وعلى غرار “الحرس الثوري الإيراني” وشركة “خاتم الأنبياء” التابعة له، سيساعد هذا الترتيب على ضمان الرفاهية المالية الدائمة لـ”الحشد الشعبي”، حتى في الحالة غير المحتملة التي تُقرر فيها الحكومة العراقية أخيرًا التوقف عن تمويل رواتب المنظمة مباشرة.

قدّمت بالفعل الحكومة العراقية لـ”شركة المهندس العامة” منحًا من الأراضي الشاسعة التي يُزعَم أنها مخصصة لزراعة الأشجار، وهي أراضٍ غير ملائمة للزراعة تقع بالقرب من الحدود الأردنية والسعودية. ولا شك في أن نقل ملكية الأراضي واحتمال إنشاء قواعد ومهابط جديدة للميليشيات في هذه المناطق يثيران قلق عمان والرياض، اللتين اخترقت الطائرات المسيّرة التابعة لـ”الحشد الشعبي” مجالهما الجوي مرارًا وتكرارًا.

بالإضافة إلى الازدهار المالي في عهد السوداني، ازداد عديد “قوات الحشد الشعبي” في فترة توليه رئاسة الوزراء. فمنذ عامين فقط، قُدّر عدد “قوات الحشد الشعبي” بـ100 ألف ميليشياوي. وبحسب موازنة العراق لعام 2023، يضم “الحشد الشعبي” اليوم حوالى 238 ألف رجل مسلَّح، وهي قوة يوازي حجمها تقريبًا نصف حجم الجيش العراقي. وستُخصِّص بغداد في هذا العام مبلغ 2.7 مليارات دولار لتمويل هذه القوات المتحالفة مع إيران. وفي شباط/فبراير، أُعلِن أن حكومة السوداني ستتكفل ببناء أكاديمية عسكرية جديدة مخصصة لميليشياويي “الحشد الشعبي”، وسيكون عناصره مؤهلين للحصول على معاشات تقاعدية.

استهداف العناصر الأمريكيين في سوريا

في غضون ذلك، ينشط “الحشد الشعبي” في استهداف العناصر الأمريكيين خارج العراق، علمًا أنه امتنع عن ذلك محليًا. وقد تعرّضت مؤخرًا قاعدة أمريكية في شمال شرق سوريا لهجوم بواسطة طائرة بدون طيار أحادية الاتجاه إيرانية الصنع، أطلقتها من العراق في أواخر آذار/مارس مجموعة واجهة من ميليشيا “حركة النجباء” التابعة لـ”الحشد الشعبي” بحسب مسؤولين أميركيين.

أسفرت الضربة عن مقتل مقاول أمريكي وإصابة أكثر من عشرين جنديًا أمريكيًا. وقبل ثلاثة أشهر، أطلقت فصيل آخر من ميليشيا “حركة النجباء” يُدعى “تشكيل الوارثين” ثلاث طائرات بدون طيار من العراق استهدفت قاعدة التنف الأمريكية في سوريا. وتسببت إحدى هذه الطائرات بإصابة جنديين يخدمان في “قوات سوريا الديمقراطية” المحلية المدعومة من الولايات المتحدة والشريكة في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

رأي الولايات المتحدة بالسوداني

بعد أقل من عامٍ على تولي السوداني رئاسة الوزراء، أشادت إدارة بايدن بالخطوات التي اتخذها من أجل تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة والتحسينات الملموسة في توفير الخدمات للشعب العراقي. إلا أن السوداني لا يحرز تقدمًا كافيًا في ما يتعلق بأولويات السياسات التي حددتها واشنطن وبغداد بالإجماع، وهي الاستقرار والأمن والسيادة. ففي الواقع، تشير المكاسب الأخيرة التي حققها “الحشد الشعبي” إلى مسارٍ يطرح الإشكاليات، على الرغم من الهدوء النسبي الذي يسود العراق في هذه الأيام.

ربما يرى السوداني، على غرار أسلافه، أن اتخاذ خطواتٍ جريئةٍ لكبح جماح “الحشد الشعبي” يشكل خطرًا كبيرًا على سلامته الشخصية. وفي حين أنه ينبغي تقدير الخطوات التي اتخذها رئيس الوزراء للحد من الفساد وغسل الأموال وإنهاء اعتماد بلاده على الطاقة الإيرانية، إن فشله في معالجة التوسع “الحشد الشعبي” العسكري لا يبشّر بالخير في المستقبل.

منذ انتخاب السوداني في تشرين الأول/أكتوبر، اتبعت إدارة بايدن في تعاملها مع رئيس الوزراء نهجًا اتسم بالصبر وعدم لفت الأنظار، وحقق بعض النتائج المتواضعة. لكن للأسف، إن الدرس المستخلص من “حزب الله” في لبنان والحوثيين في اليمن هو أن “قوات الحشد الشعبي” الوكيلة لإيران ستستمر في النمو وتعزيز هيمنتها على العراق إذا تُركت من دون رقابة.

ديفيد شينكر

معهد واشنطن