عاد الحزبان الكرديان في العراق، الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني، إلى شن هجمات ضد بعضهما البعض، في النزاع حول فقرة في قانون الموازنة العامة، تمنح رئيس الحكومة المركزية في بغداد سلطة الفصل في الخلاف حول الحقوق والآليات والالتزامات الخاصة بتمويل وإدارة حسابات إقليم كردستان المالية.
وعلى الرغم من أن الديمقراطي الكردستاني نجح في فرض تشكيل لجنة مشتركة لتسوية الخلافات، في حال وقوعها، فإن الإشارة إلى أن هذه اللجنة ترفع توصياتها إلى رئيس مجلس الوزراء الاتحادي، هي التي أثارت حفيظة نواب الديمقراطي الكردستاني، الذين كانوا يرغبون في أن يكون لأربيل دور ما في النظر بالتوصيات وحسم الخلافات.
ويتعدى الأمر الافتراضات النظرية حول نشوب خلافات محتملة في المستقبل. لأن مطالبة الاتحاد الوطني بتوزيع عادل للأموال التي يحصل عليها الإقليم بين محافظاته الثلاث، تعني أن الخلافات واقعة لا محالة، وأن حسمها النهائي سوف يكون بيد رئيس مجلس الوزراء الاتحادي وليس بيد رئيس الإقليم أو رئيس حكومته.
وتنص الفقرة السابعة من المادة 14 من قانون الموازنة على القول إنه “عند وجود أي اختلاف في وجهات النظر بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم فيما يتعلق بالحقوق والالتزامات والآليات الواردة في أحكام هذا القانون، تشكل لجنة مشتركة بين الطرفين للنظر في المشكلات العالقة وترفع توصياتها خلال 30 يوميا من تاريخ تشكيلها إلى رئيس مجلس الوزراء الاتحادي لأخذ القرار المناسب”.
الدور الذي مارسه الرئيس مسعود بارزاني بالتحالف مع الأحزاب الشيعية على امتداد عقدين من “المنافع المتبادلة”، انتهى عندما وجدت هذه الأحزاب حليفا كرديا آخر لها
وبعد جولة مشاورات ماراثونية استمرت 24 ساعة تم إقرار الفقرة من جانب البرلمان، وفقا للصيغة التي اختارها الاتحاد الوطني بدعم من أحزاب الإطار التنسيقي، وذلك رغم معارضة الديمقراطي الكردستاني لها، مما يشكل مكسبا واضحا لـ”الاتحاد” على حساب “الديمقراطي”.
واتهمت كتلة الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب في مؤتمر صحفي الاتحاد الوطني بالخيانة والاستقواء ببغداد، وبأنه يريد فصل محافظة السليمانية عن محافظات إقليم كردستان وأنه يرغب في الاستحواذ على أموال السليمانية والحصول على عائدات السليمانية مباشرة من بغداد فيما بعد.
ولكن وزير العدل خالد شواني القيادي في الاتحاد رد على الاتهامات بالقول إن حزبه “لا يريد تقسيم الإقليم إلى إدارتين وإن الهدف من تمرير الفقرة هو منع تعرض الموظفين في أي محافظة للتهميش والشعور بالغبن”.
ويقول مراقبون إن نجاح الاتحاد الوطني في ضم أحزاب الإطار التنسيقي إلى صفه هو أكثر ما يثير المخاوف لدى قيادة الديمقراطي الكردستاني. فالكتلة الكردية في برلمان بغداد لم تعد موحدة. وإذا حدث خلاف بين أربيل وبغداد حول قضايا المال أو غيرها فإن حكومة مسرور بارزاني في أربيل ستصبح معزولة ولن تتمكن من فرض ما تعتقد أنه مناسب لها، وذلك طالما أن حكومة الإطار في بغداد تستند إلى دعم السليمانية.
وعلى الرغم من المحاولات التي قادتها السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانسكي لتسوية الخلافات بين الطرفين، إلا أنهما بقيا يتنازعان حول جملة من القضايا العالقة.
ونجحت رومانسكي في ضمان عودة وزراء الاتحاد الوطني إلى مجلس وزراء الإقليم بعد مقاطعة دامت سبعة أشهر، إلا أن الخلافات حول قانون الانتخابات في الإقليم، وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات، وتوزيع المناصب الرئيسية بين الحزبين، فضلا عن الخلافات المتعلقة بحصص الموازنة بين محافظات الإقليم، عادت لتثير النزاع بينهما. وفي أجواء من انعدام الثقة والمخاوف من تنفيذ اغتيالات وتنافس حول النفوذ الإقليمي، وسط أكراد سوريا خاصة، يمارس الحزبان نوعا من التعايش الاضطراري والمناكفات ريثما تتم انتخابات جديدة، يعتقد بعض المراقبين أنها يمكن أن تؤدي إلى تغيير موازين القوى القائمة الآن.
ويحكم الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل بموجب تحالف مع الاتحاد الوطني، لأنه لا يملك أغلبية مطلقة في برلمان الإقليم، إلا أن الوقائع تشير إلى أنه لم يبق من هذا التحالف إلا الاسم، وأن انقلابا محتملا في الموازين يمكن أن يكشف عن صورة مختلفة إذا أجريت الانتخابات.
ولكن أحد أهم أسباب “التعايش الاضطراري” الراهن هو أن كلا الحزبين لا يملك ضمانات بأنه سيحقق تقدما حاسما في الانتخابات المقبلة. وفي حال لم يستطع أي من الطرفين استقطاب أطراف أخرى من المعارضة، سيعودان إلى دائرة التعايش الاضطراري من جديد، أو يتفجر الخلاف بينهما إلى درجة أنه قد يدفع إلى انقسام الإقليم بين إدارتين.
ويلاحظ المراقبون أن الدور الذي مارسه الرئيس مسعود بارزاني بالتحالف مع الأحزاب الشيعية على امتداد عقدين من “المنافع المتبادلة”، انتهى عندما وجدت هذه الأحزاب حليفا كرديا آخر لها، لا يهدد وحدة العراق، ويبحث عن شراكة قائمة على التراضي، وذلك على عكس الشراكة القائمة على لي الأذرع التي مارستها سلطة أربيل في التعامل مع بغداد.
ويشكل إقرار الموازنة الجديدة تأكيدا على انحسار المشروع الانفصالي الذي قاده بارزاني؛ إذ أصبحت عائدات الإقليم، سواء ما تعلق بحصته من الموازنة العامة أو بمداخيله من عائدات النفط، خاضعة لرقابة وإشراف المركز، حتى ليبدو الإقليم مجرد مؤسسة موظفين تابعة لبغداد.
صحيفة العرب