في كارثة جديدة تضاف إلى المسلسل التراجيدي الأسود لحوادث قوارب المهاجرين في البحر المتوسط، غرق قارب يقل أكثر من 750 شخصا، قبالة سواحل اليونان، الأربعاء الماضي، ومع إنقاذ قرابة 105 أشخاص، تترجّح احتمالات أن يقارب عدد الضحايا 500 شخص بينهم ما لا يقل عن 100 طفل.
كانت بادرة جيدة من الحكومة اليونانية أن تعلن الحداد ثلاثة أيام على هذه المقتلة الهائلة قرب شواطئها، كما كان طبيعيا أن تقوم أجهزتها القضائية والأمنية باعتقال تسعة من المشتبه بهم بإدارة «بزنس الموت» هذا، وأن تواجه أولئك اتهامات بتشكيل منظمة إجرامية و«التسبب في القتل الناجم عن الإهمال».
غير أن حادثة من هذا الحجم الإنساني المهول لا يمكن، في عصر التقنيات الحديثة، أن يتحمل مسؤوليتها مهربو البشر فحسب. الأنباء الواردة عن الواقعة تقول إن شخصا أبلغ خفر السواحل اليوناني أن محرك السفينة تعطل وذلك قبل ربع ساعة من غرقه، فيما اشتكى خط الطوارئ الخاص بالمهاجرين الذين يواجهون مشاكل في البحر أن خفر السواحل «كانوا على علم بأن السفينة في محنة لساعات» وأن مصادر مختلفة أبلغت السلطات أن القارب كان يواجه مشكلة.
يضاف إلى ذلك، حسب ما تداوله المعلقون، أن الموجودين على متن القارب كانوا خائفين من مواجهة السلطات اليونانية لأنهم كانوا على علم بـ«ممارسات رهيبة» في البلاد يتم استخدامها لصد المهاجرين. حسب منظمة «أطباء بلا حدود» فإن مروحية للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) رصدت القارب في وقت مبكر وأبلغت السلطات اليونانية والإيطالية على الفور.
مما يزيد من أثر الواقعة أن عددا كبيرا من ضحايا القارب سوريون وفلسطينيون ومصريون، وأغلب السوريين من محافظة درعا جنوب البلاد التي شهدت انطلاق الثورة على النظام، والتي ما تزال تعاني من آثار الفوضى الأمنية وأشكال الانتقام والاغتيالات، كما أنها الجغرافيا التي يستخدمها النظام لتصنيع وترويج وإدارة أعمال تهريب المخدرات إلى الأردن والدول العربية المجاورة.
أثار هذا التقصير المقصود من قبل الحكومة اليمينية احتجاج اليسار اليوناني، الذي كان واضحا في إلقائه اللوم على خفر السواحل، وسؤاله الحكومة عن سبب عدم تدخله، فيما صدرت صحيفة يسارية أمس الجمعة تحمل السؤال الرهيب: إنها جريمة. من المذنب؟
استدعت الحادثة الفظيعة اهتمام الأمم المتحدة التي طالبت الاتحاد الأوروبي بالتحرك لمنع المزيد من وفيات المهاجرين في مآسي القوارب وبجعل السلامة والتضامن «في قلب تحركه في منطقة المتوسط».
تركز ردود الفعل الآنفة على المسؤولية والإجراءات لكنّها لا تشير إلى العوامل العميقة المسببة لما يحصل، وهو ما يذكر بخطاب قديم للرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين دعا فيه الغرب «إلى عدم ترك الجنوب يغرق في الفقر والبؤس بسبب انعدام شروط التقدم والنمو» وكان ذلك الخطاب أشبه بالنبوءة لأنه قال: «سيأتي اليوم الذي سيهجر فيه الملايين من الناس عالم الجنوب هربا من الفقر، للذهاب إلى عالم الشمال».
القدس العربي