دخلت الأحزاب السياسية في تركيا مرحلة إعادة التقييم عقب انتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الشهر الماضي، والتي انتهت بفوز التحالف الجمهوري الحاكم، وخسارة تحالف الشعب المعارض، ما دفع الأحزاب للدخول في مرحلة المحاسبة والتغيير أمام أنصارها.
ويعقد الحزب الجيد المعارض مؤتمره العام السبت المقبل، على أن يتبعه الشهر المقبل مؤتمر عام طارئ لحزب الشعوب الديمقراطي. كما أطلق حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، مرحلة الذهاب للمؤتمر العام، والمتوقع أن ينتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو نفس تاريخ بدء حزب العدالة والتنمية الحاكم التحضيرات لمؤتمره العام الثامن.
ومن الواضح أن الحزب الجيد أول حزب متجه لإجراء تغييرات، وحصلت فيه استقالات فردية، ولكن لم تحصل فيه إعادة تقييم بعد ولم تتحدث زعيمته ميرال أكشنر منذ انتهاء الانتخابات، كما لم ينعقد اجتماع الكتلة البرلمانية الأسبوع الماضي، ولا تزال التقييمات جارية ومن الواضح أنها تنتظر عقد المؤتمر.
وبحسب مراقبين، فإن عدم تأجيل المؤتمر ساهم في احتواء الأزمة الداخلية ضمن أحزاب المعارضة، وأي إعلان للتأجيل كان سينعكس سلباً عليها، عكس حزب الشعب الجمهوري الذي شهد استقالات للقيادات وتعيين آخرين مع دعوات لاستقالة زعيم الحزب كمال كلجدار أوغلو، ومطالبات بالتغيير داخل الحزب.
الحزب الجيد أول حزب يتجه لإجراء تغييرات، بعد حصول استقالات فردية فيه
أما حزب الشعوب الديمقراطي فيبدو أنه بدأ في مرحلة نزيف الأصوات من قاعدته الجماهيرية الكردية بتراجع أصواته في الانتخابات البرلمانية السابقة، على الرغم من الظروف المناسبة للحزب قبل الانتخابات في ظل وجود دعوى إغلاق الحزب في المحكمة الدستورية العليا.
وبسبب دعوى الإغلاق واحتمال منع أعضاء الحزب من ممارسة العمل السياسي، خاض “الشعوب الديمقراطي” الكردي الانتخابات البرلمانية السابقة باسم حزب اليسار الأخضر، وتمكن من الفوز بـ61 مقعداً في البرلمان وتحقيق 8.8 في المائة من الأصوات، متراجعاً عن الانتخابات التي أجريت في العام 2018 حين حقق نسبة 11.7 في المائة من الأصوات وحصل على 67 نائباً.
الحزب الجيد أول المجتمعين
الحزب الجيد (قومي يميني متطرف منشق عن حزب الحركة القومية) يعقد السبت المقبل مؤتمره العام الثالث، بعدما كانت فترة ما قبل الانتخابات شهدت عقد اجتماعات في المناطق والولايات وصولاً إلى المؤتمر العام الحالي. ومن المنتظر أن تعيد زعيمة الحزب ميرال أكشنر ترشيح نفسها لرئاسته في ظل عدم وجود أي إعلان من قبل أي حزبي آخر لمنافستها، ما يرجح فكرة أن تكون المرشحة الوحيدة.
ومقابل اختيار رئيس جديد للحزب أو التجديد لأكشنر، يُنتظر أن يتم انتخاب أعضاء الهيئة الإدارية العامة البالغ عددهم 50 عضواً، إضافة إلى لجنة الانضباط المركزية. وقالت وسائل إعلام محلية إن هناك تغييرات كبيرة قد تحصل في الهيئة الإدارية العامة، في ظل وجود معارضة داخل الحزب لأكشنر ومساعٍ لإنهاء هيمنتها على الحزب.
وبالتأكيد ستكون مسائل الانتخابات المحلية ومواصلة التوافق مع باقي أحزاب المعارضة حاضرة خلال الاجتماع واستراتيجيات الحزب مستقبلاً، خصوصاً أنه لم يحقق تقدماً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحافظ على مكانه على الرغم من توقعات بتصاعد نجم الحزب قبيل الانتخابات. وكان “الجيد” قد حصل في العام 2018 على 9.96 في المائة من الأصوات بواقع 43 نائباً، فيما حصل في هذه الانتخابات على 9.69 في المائة من الأصوات بواقع 43 نائباً أيضاً.
وقبل أيام، أعلن العضو المؤسس في الحزب الجيد النائب السابق آهات آندي جان، والعضو في الهيئة الإدارية أمينة كوجوك، استقالتيهما من الحزب في سياق استقالات حصلت أيضاً في المرحلة الماضية.
مؤتمر طارئ لحزب الشعوب الديمقراطي
حزب الشعوب الديمقراطي الكردي اليساري المعارض، يتجه إلى تغييرات حزبية مع بدء مرحلة عقد المؤتمر العام الطارئ، وفق تصريح سابق للمتحدثة باسمه إيبرو غوناي، التي قالت إنه “بعد الانتخابات يجب عمل التقييمات اللازمة، والتي بدأها الحزب، وتفعيل آليات النقد الذاتي، واستخلاص الدروس والعبر من الأخطاء”. وأوضحت أن “الحزب قرر تفعيل المؤتمر، وخلال الفترة المقبلة ستحصل محاسبة حزبية تؤدي لإصلاح الأخطاء، وهذه بداية مرحلة جديدة”، مبينة أن “موعد المؤتمر العام الطارئ سيعلن لاحقاً”.
وكان “الشعوب الديمقراطي” قد دعم مرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، وكان هناك تعويل على صوت الناخب الكردي في حسم الانتخابات لصالح المعارضة، لكن هذه الرهانات فشلت. ومن اللافت أن قرار الحزب الكردي جاء بعد يوم واحد من إعلان زعيم الحزب السابق صلاح الدين دميرطاش اعتزاله السياسة في الوقت الحالي، في تعبير عن ضرورة إجراء تغييرات داخل الحزب الكردي.
يتجه حزب الشعوب الديمقراطي الكردي إلى إجراء تغييرات حزبية
وبحسب وسائل إعلام تركية، فإن المؤتمر العام الطارئ ينتظر أن يحصل في يوليو/ تموز المقبل، وسبب عقده بشكل طارئ يعود إلى أن الحزب أجرى مؤتمره العام العادي في يوليو من العام الماضي، وبحسب النظام الداخلي للحزب فإن المؤتمر العام العادي يكون كل عامين، ما يتطلب الذهاب لمؤتمر طارئ. والفرق بين المؤتمر العام والمؤتمر الطارئ أن الأخير لا يتطلب المرور بمراحل مؤتمرات المناطق والولايات، وهو ما يجري بشكل أسرع.
تقارير دولية
الانتخابات التركية: أي ارتدادات على الأحزاب؟
صراعات داخل حزب الشعب الجمهوري
على صعيد حزب الشعب الجمهوري الكمالي، أكبر أحزاب المعارضة، فإن الصراعات يبدو أنها ستكون شديدة في ظل تمسك رئيسه كمال كلجدار أوغلو بمنصبه مقابل دعوات لاستقالته، ومطالب بالتغيير من قبل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي تشير تسريبات إعلامية إلى تأكيد تطلعه لرئاسة الحزب.
الصراعات تبدو شديدة داخل حزب الشعب الجمهوري في ظل تمسك رئيسه كمال كلجدار أوغلو بمنصبه
وعلى الرغم من كل الضغوط التي تُمارس على كلجدار أوغلو، إلا أنه طالب إمام أوغلو، وفق التسريبات، بالاهتمام بالفوز بانتخابات إسطنبول العام المقبل. كما أعلن كلجدار أوغلو مرات عدة أنه “يسعى لقيادة السفينة إلى بر الأمان”. وأجاب عن سؤال في برنامج حواري بعد الانتخابات عن مسألة ترشحه لرئاسة الحزب بالقول: “المؤتمر العام يجب أن يكون قبل الانتخابات المحلية، ولهذا الأولوية هي البلاد وبعدها الحزب وبعدها رئاسة الحزب، ويجب الإجابة عن مسألة أسباب الخسارة في الانتخابات”.
وفي كلمة له خلال اجتماع كتلة الحزب البرلمانية الثلاثاء الماضي، قال كلجدار أوغلو: “لا يتوجب على أي عضو في الحزب أن يشعر باليأس، لدينا مهمة تاريخية لإنقاذ تركيا، أقولها بوضوح إن كان الأمر يتطلب ليس تأسيس طاولة سداسية وحسب، بل 16 طاولة، فسأعمل على تأسيسها”، وهذا تصريح يؤكد تمسكه بزعامة الحزب.
وأعلن أعضاء اللجنة التنفيذية المركزية لحزب الشعب الجمهوري عقب الجولة الثانية من الانتخابات، استقالتهم، التي قبلها كلجدار أوغلو ليتم تعيين لجنة جديدة كانت أبرز أسمائها من المقربين من زعيم الحزب.
ومن المنتظر أن تجرى الانتخابات البلدية في مارس/آذار من العام المقبل، وكان إمام أوغلو يرغب بمنافسة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية، وطالبت زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنر به مرشحاً، لكن كلجدار أوغلو قطع الطريق أمامه.
“العدالة والتنمية” مرتاح
من المنتظر أن يجري حزب العدالة والتنمية مؤتمره العام العادي في العام المقبل، وقد تنطلق مرحلة الإعداد لذلك اعتباراً من الخريف المقبل. ومن الواضح أنه الحزب الأكثر استقراراً بعد فوز رئيسه رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية وحصوله مع حلفائه على الأغلبية داخل البرلمان التركي.
مراجعة ومحاسبة
الصحافي والكاتب جلال دمير قال في حديث لـ”العربي الجديد”، عن مرحلة ما بعد الانتخابات ومؤتمرات الأحزاب: “في السياسة التركية بطبيعتها، دائماً تراجع الأحزاب نفسها واستراتيجيتها بعد الانتخابات لكي تفهم الأخطاء التي ارتكبتها في الانتخابات ولماذا لم تنجح خططها وما هي الخطوات التي ستتخذها وماذا ستفعل في الفترة المقبلة، ولهذا تذهب الأحزاب إلى ترتيب مؤتمرات عامة لها”. وأضاف أن “السبب الثاني يعود إلى النظام الداخلي لكل حزب، الذي يحدد مؤتمره خلال عام واحد أو عامين، لاختيار الرئيس وتحديد الرؤية الجديدة، والتشكيل الهيكلي، وكل الأمور التي تخص الحزب”.
دمير: لا أظن أنه سيكون هناك تغيير إداري كبير لدى حزب الشعوب
ولفت دمير إلى أن “الحزب الجيد سيعقد مؤتمره العام وحتى هذه اللحظة لم يتم الإعلان عن أي مرشح ضد ميرال أكشنر، والرأي العام التركي بانتظار الرسائل التي ستوجهها، ففي الفترة الأخيرة كانت هناك مشاكل قبيل الانتخابات بين الحزب الجيد والتحالف المعارض”، مضيفاً أن “الحزب لديه ملاحظات حول التحالف السداسي بسبب حزب الشعوب الديمقراطي، لذلك لا يُعرف ماذا سيحصل، وأظن أنه لن يتم اختيار أحد غير ميرال أكشنر رئيسة للحزب، ولكن قد يكون هناك تغييرات في بعض اللجان ضمن الحزب”. ورأى أن “الحزب الجيد يحاول أن يوجّه رسالة لناخبيه لتبرير التواجد في التحالف المعارض ومع حزب الشعوب الديمقراطي، وأنه ضد الحزب الكردي”.
وفي ما يخص حزب الشعوب الديمقراطي ومؤتمره الطارئ، قال دمير إنه “قبل فترة كانت هناك تصريحات من الحزب حول المؤتمر والانتخابات الأخيرة، وأنه منفتح على أي نصيحة يقدمها الشعب، وأخذ بعض الدروس بعد الانتخابات، ولا أظن أنه سيكون هناك تغيير إداري كبير لدى حزب الشعوب، ويمكن توجيه بعض الرسائل وإعطاء صورة ايجابية نوعا ماً”.
من جهته، قال الكاتب والباحث جاهد طوز، لـ”العربي الجديد”، إن “عدداً كبيراً من الأحزاب المعارضة ذهبت بعد الانتخابات إلى عقد المؤتمرات لسببين، الأول يتعلق بالتغيير في الأحزاب بعد نتائج الانتخابات وارتفاع أصوات المعارضين داخل بعض الأحزاب وحرص زعماء على احتواء المعارضة ومنع حصول انشقاقات، ومنها الحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري”.
وأكمل أن “السبب الثاني هو سعي زعماء الأحزاب لتجديد الثقة بهم، ولهذا فإن حزب الشعب الجمهوري على الرغم من تغيير قيادات الحزب جميعها فلا تزال هناك مطالب باستقالة زعيمه كلجدار أوغلو، لكن يبدو أنه لن يستقيل، بل يسعى لتجديد الزعامة عبر المؤتمر العام وتقوية موقعه وكبت أصوات المعارضة، والأمر نفسه في الحزب الجيد”.
ولفت إلى أن “الحزب الجيد سيعقد مؤتمره نهاية الأسبوع ومن المتوقع بشكل كبير إعادة التجديد لميرال أكشنر زعيمة للحزب، على الرغم من مطالب داخل الحزب باستقالتها، ولكن من غير المتوقع حصول مفاجآت، وعقب اختيارها ستعزز من زعامتها للحزب، وبالتالي ستدخل الانتخابات المحلية بشكل أقوى”.
وعن حزب الشعوب الديمقراطي، لفت طوز إلى أن هذا الحزب “شهد مناقشات عديدة وهناك حديث عن فشله في الانتخابات، كما أن زعيمه السابق صلاح الدين دميرطاش أنهى نشاطه السياسي من سجنه، وهناك صراع قوى داخل الحزب ما بين من يتحرك بتأثير من حزب العمال الكردستاني ومجموعة تريد العمل المستقل”. وأشار إلى أن “الانتخابات كانت فاشلة للحزب وتراجعت أصواته ما أثّر سلباً عليه، بالتالي سيجري تجديد للدماء، كما أن هناك قوى داخل الحزب تجد أن تحالف الشعب المعارض يسبب ضرراً للحزب، وبالتالي سيدخل الانتخابات المحلية بشكل مضطرب، ولكن أعتقد أنه سيبقى تحت سيطرة المقربين من حزب العمال الكردستاني”.
طوز: حزب العدالة والتنمية لن يشهد أي تغييرات في المستقبل
وبالنسبة لوضع حزب الشعب الجمهوري، قال طوز إن “هناك معارضة داخل الحزب وتقييم بفشله لكن كلجدار أوغلو لا يريد ترك المنصب، فيما إمام أوغلو يطالب بالرئاسة، وعلى الرغم من عدم إعلان الأخير رسمياً ترشحه فهو يعد البنية التحتية لذلك وإذا وجد فرصة للفوز فسيعلن ترشحه”. لكنه لفت إلى أن “كلجدار أوغلو مستمر بالرئاسة على الرغم من خساراته المتكررة في الانتخابات خلال 11 عاماً، ولا يزال لديه ثقل داخل الحزب”. أما عن حزب العدالة والتنمية فتوقع ألا يشهد أي تغييرات مستقبلاً.
العربي الجديد