على رغم تخطي روسيا الأزمة المباشرة وخطر الحرب الأهلية، لكنها لحظة محفوفة بالمخاطر، ليس فقط بالنسبة إلى فلاديمير بوتين ولكن أيضاً بالنسبة إلى أوكرانيا وحلفائها في الغرب.
قد لا يستعيد الرئيس الروسي سلطته أبداً في أعقاب الأحداث الدراماتيكية التي وقعت السبت الماضي، وشهدت مسيرة يفغيني بريغوجينومرتزقته من مجموعة “فاغنر” إلى منطقة تبعد نحو 125 ميلاً (200 كيلومتر) من موسكو وذلك للاحتجاج على إدارة القادة العسكريين الروس الحرب في أوكرانيا. وفي حين أن بريغوجين قام بإلغاء تمرده المسلح من أجل منع إراقة الدماء، كما وافق على الانتقال إلى بيلاروس بحسب ما أفاد به الكرملين، فإنه لم يكن هناك رابحون بشكل فوري في المواجهة غير العادية بين بوتين وبين من كان يعمل لديه ذات يوم طباخاً ومساعداً يقوم بإجراء الترتيبات الخاصة له.
ومع أن معظم الروس يستقون الأخبار من وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، فإن بعضاً سيتساءل بالتأكيد لماذا بدا أن مقاتلي “فاغنر”، الذين اعتبروا “أبطالاً” بسبب دورهم في الحرب ضد أوكرانيا، أخذوا ينقلبون على الرئيس، الذي اتهمهم بالخيانة. ولعلهم سيدركون أيضاً أن أياً من هذه الفوضى لم تكن لتحدث من دون تدخل بوتين في أوكرانيا، مهما حاول أن يصوره [التدخل] على أنه ضروري للدفاع عن روسيا ضد القوى الخبيثة في الغرب، وبدا فجأة الرجل القوي ضعيفاً وقد تراخت قبضته الحديدية على بلاده
إن استراتيجية “فرق تسد” التي اتبعها الرئيس، أي تفكيك جهاز الدولة والسماح للآخرين مثل الجيوش الخاصة بملء الفراغ، ارتدت عليه. ويروق له أن يلعب دور القائد الأعلى الذي يحل النزاعات، غير أنه سمح للخلاف بين بريغوجين وشويغو بالتفاقم والخروج عن نطاق السيطرة.
من اللافت للنظر أن يبدو بريغوجين لا يزال حراً طليقاً وأن يفلت المرتزقة الذين انضموا إلى مسيرته نحو موسكو من العقاب أيضاً. لقد سجن قادة الانقلابات السابقة في روسيا، أو تعرضوا لعقوبة أسوأ من الحبس. بيد أن التاريخ نذير شؤم بالنسبة إلى بوتين، إذ سرعان ما جاء تغيير جذري في أعقاب انقلابي عام 1917 و1991 (وأشار بوتين إلى الأول في خطابه العصبي بشكل غير عادي الذي وجهه إلى الأمة).
ومع ذلك، إذا كانت هذه هي بداية النهاية لنظام بوتين (وربما تكون كذلك فعلاً)، فإن المرحلة النهائية قد لا تزال خطرة.
على المدى القصير، يمكن للتطورات الدراماتيكية في روسيا أن توفر لأوكرانيا بعض الدعم الذي يأتي في الوقت المناسب، إذ يقترب هجومها المضاد الذي طال انتظاره من مرحلة حرجة. لقد كان التقدم بطيئاً حتى الآن، لذا فقد تكون هذه هي اللحظة التي تنشر فيها أوكرانيا القوات الاحتياطية التي تحتفظ بها بينما تحاول إحداث فجوة في الدفاعات الروسية المجهزة بشكل جيد. ومن نافل القول إن التمرد الذي جرى في نهاية الأسبوع لن يسهم بأي شكل في رفع الروح المعنوية لدى القوات الروسية التي تعاني سلفاً من الإحباط.
وفي حين أن الأزمة التي تواجه بوتين تنطوي على فرصة بالنسبة إلى فولوديمير زيلينسكي، إلا أنها قد تشكل تهديداً أيضاً. سيكون الزعيم الروسي أكثر استماتة من أجل وقف التقدم الأوكراني وربما يميل إلى الهجوم. وكانت هناك مخاوف في أوكرانيا منذ تدمير سد نوفا كاخوفكا من أن روسيا يمكن أن تهاجم محطة زابوريجيا النووية.
إن مكانة بريغوجين ودوره في بيلاروس، وهي الدولة الحليفة الأكثر ولاء لروسيا، غير واضحين. وستشعر أوكرانيا بالقلق من احتمال معاودته الظهور كقائد للهجوم على كييف من الشمال، مما سيجبرها على القتال على جبهة أخرى.
ويتعين على الغرب، شأنه شأن أوكرانيا، أن يتوخى الحذر في ما يتمناه. وينبغي على قادته، بمن فيهم جو بايدن، وإيمانويل ماكرون، وأولاف شولتز، وريشي سوناك، الذين تحدثوا جميعاً، السبت الماضي، الاستمرار في عدم الكشف عن موقفهم بما يعتبر شأناً داخلياً روسياً، بدلاً من تأجيج الموقف ومساعدة بوتين في محاولته المألوفة لإلقاء اللوم على الغرب في مشكلاته التي جلبها على نفسه.
الحقيقة المروعة بالنسبة إلى الغرب هي أن سقوط بوتين في نهاية المطاف يمكن أن يفتح الباب أمام وصول زعيم قومي أكثر تشدداً، قد يكون مستعداً لاستغلال حيازة بلاده أسلحة نووية من أجل التسبب في حصول قدر أكبر من عدم الاستقرار وعدم اليقين للعالم بأسره.
اندبندت عربي