ليس الواقع الأمني الصعب في “يهودا والسامرة” ولا حتى استفزازات “حزب الله”، هي التهديد الأمني الأساس على دولة إسرائيل: التهديد الأكبر ينبع من الرؤيا الإيرانية للتوحيد والتنسيق بين الساحات واستغلال التحسن الهائل في قدرة الهجوم الدقيق.
دون صلة بتطلعات إيران النووية ودون صلة بمحاولاتها المس بالإسرائيليين بصفتهم هذه، بلور الإيرانيون استراتيجية مبنية من العناصر التالية:
1. استخدام قوة “حزب الله” كلها، قوة تتضمن كتائب من القوات الخاصة تجتاح الجليل، وعشرات آلاف الصواريخ وبالأساس السلاح الدقيق، بعضه صواريخ باليستية، وبعضه مُسيرات هجومية بل ويحتمل صواريخ جوالة.
2. ميليشيات مؤيدة لإيران في سوريا والعراق بل وفي اليمن، ولجميعها قدرات هجومية بسلاح دقيق.
3. إمكانيات هجومية من إيران نفسها تتضمن قدرات ذات مدى ناجع ضد إسرائيل.
4. استخدام قدرات حماس و”الجهاد الإسلامي” من غزة.
5. إثارة الفلسطينيين لدرجة انتفاضة ثالثة، أعنف من سابقاتها.
6. إقناع آلاف العرب الإسرائيليين بالانضمام إلى الكفاح في ظل استغلال اغترابهم عن الدولة.
تؤمن إيران بأن التفعيل المنسق لكل هذه القوى، مع التشديد على استخدام السلاح الدقيق بأعداد كبيرة ضد البنى التحتية، العسكرية والمدنية في إسرائيل، ستدفع إلى الانهيار بدولة إسرائيل – وبعد 50 سنة من “حرب يوم الغفران”، نوصي بأن تؤخذ نوايا العدو والقدرات الكامنة لتحقيقها على محمل الجد. الرؤيا الإيرانية لا تزال لا تترجم إلى خطة عملياتية مع جدول زمني، لكنهم يتطلعون للوصول إلى ذلك.
أكثر من هذا، يشجع الإيرانيون أربع ظواهر أخرى: الأولى، أن مكانتهم الدولية تعززت جداً؛ فروسيا باتت بحاجة إليهم، والصينيون يغازلونهم، والسعودية تنبطح أمامهم. الثانية، أن الولايات المتحدة فشلت بمحاولاتها عزل إيران. الثالثة، أن إسرائيل فقدت الدعم من جانب دول الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة. ولا يدور الحديث فقط عن اللغة الدبلوماسية الباردة من جانب الرئيس الأمريكي – كي نستوعب بأن إسرائيل ستحتاج، في وضع السيناريو الآنف الذكر، إلى توريد عناصر حيوية في إطار المواجهة، بالضبط مثلما حصل في 1973، وليس مؤكداً بأن الإدارة الأمريكية الحالية ستخرج عن طورها مثلما فعل نيكسون قبل 50 سنة لمساعدتنا. الرابعة، الشروخ الداخلية في إسرائيل وتصريحات رجال احتياط كثيرين بأنهم سيتوقفون عن التطوع.
هذه العناصر الأربعة تشجع إيران. ليس مهماً مدى دقة التقدير الإيراني أو مدى غلطه. يكفي أن يدفعهم ليؤمنوا بأن في وسعهم أن يؤدوا إلى مثل هذه الحرب كي تقف إسرائيل أمام تحد هو، مثلاً في 1973، لا يقل وجودية. نعم، إسرائيل ليست عاجزة ولديها قدرات استخبارية وعملياتية فائقة، وربما ننتصر في مثل هذه المواجهة الشاملة، لكن الثمن الذي سندفعه في الخسائر، وتدمير البنى التحتية، والهبوط في مستوى المعيشة وفي فقدان الأمن سيكون عالياً جداً. يوجد بالطبع سيناريو آخر بموجبه استفزازات “حزب الله” تشعل تلك المعركة في وقت مبكر أكثر مما قدرنا.
توجد بالتالي أربعة أمور من واجب الحكومة أن تركز عليها هنا والآن: تحسين الدفاع عن بنى تحتية مدنية، وهو موضوع مهمل منذ سنين؛ ووقف إجراءات تخلق مساً بالوحدة خصوصاً وحدة الجيش وحيال المجتمع الدرزي؛ وتحسين العلاقات مع الإدارة الأمريكية؛ وفحص مدى استعداد لبنان لترسيم حدود برية متفق عليها مع إسرائيل، بتعاون الأمم المتحدة وفرنسا.
القدس العربي