لماذا تغير موقف الغرب من تركيا؟

لماذا تغير موقف الغرب من تركيا؟

تلقى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان شكرا حارا من نظيره الأمريكي جو بايدن خلال قمة حلف الأطلسي التي انعقدت في العاصمة الليتوانية فيلنيوس على «الاتفاق التاريخي» الذي وافقت فيه أنقرة على القرار – الذي تكرر تأجيله عدة مرات ـ بشأن انضمام السويد إلى الحلف مشيدا بـ«الشجاعة والقيادة والدبلوماسية التي أظهرها».
تزامن ذلك مع لقاء الرئيس التركي، في القمة نفسها، كيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس الوزراء اليوناني، الذي فاز حزبه مؤخرا بانتخابات نيابية، وإعلانهما عن حصول زخم في اتجاه البلدين نحو مصالحة ساعدت فيها مسارعة أثينا لمساعدة تركيا بعد وقوع زلزال مدمر خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، كما شهدت القمة تصريحا مهما من رئيس وزراء إسبانيا، بيدرو سانشيز، الذي تعهد بدعم بلاده مسار عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
أكد اردوغان، من جهته، هذه الأنباء بقوله إن قمة «الناتو» ساهمت في مسار انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي ورفع العقوبات عنها، وقد أضاء ما ورد أيضا في تغريدته على «تويتر» على هذا الموضوع بحديثه عن «زيادة ردع الحلف» و«اتخاذ قرارات حاسمة في مكافحة الإرهاب» معتبرا أن ما تحقق «سيزيد من دور تركيا وثقلها وفعاليتها».
توقفت مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2018 بعد قرار لرؤساء الحكومات في الاتحاد قالوا فيه إن الإصلاحات في المجالات الرئيسية في تركيا قد تراجعت، لا سيما في أداء النظام الديمقراطي، واحترام الحقوق الأساسية، واستقلال القضاء، وكان المحرك الأكبر وراء ذلك القرار هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي اعتبر حينها، أن ثمة مخاوف بشأن حقوق الإنسان خلال حملة التطهير التي جرت في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في 2016.
كانت تلك لحظة كبرى في تاريخ تركيا لأنها حسمت، عمليا، الصراع لصالح النظام الديمقراطي، ورغم أن من قام بذلك الانقلاب كانوا عددا من القادة العسكريين فإن نتائج فعلتهم لو نجحت كانت ستعرض مكتسبات الشعب التركي ونضالات شعبه ومصالح الأمة الاجتماعية والاقتصادية وموقعها في العالم للخطر.
اجتمعت في موقف الاتحاد الأوروبي آنذاك مفارقات هائلة ستتكشف معانيها في السنوات اللاحقة، لأنها ستبين أساليب الاستخدام النفعي والانتهازي لمصطلحات العلمانية وحرية الرأي، حين تتعلق الأمور بالمسلمين والأقليات العرقية في أوروبا، كما تظهر تضامنات ورغبات بعودة تركيا «الرجل المريض» لأوروبا، المنكوب بالعسكر والفساد والتراجع الدولي والإقليمي.
ظهرت بعد ذلك الموقف خريطة تحالفات وصراعات دولية وإقليمية جديدة، لعبت فيها باريس، تحت قيادة ماكرون، دور المجابه سياسيا واقتصاديا لتركيا، وحليف دول «الثورات المضادة» العربية، كما ظهرت المصالح حكومات ماكرون، وقوى اليمين الأوروبي عموما، بالتناقض مع مصالح تركيا والشعوب العربية في أكثر من حيز وقضية، ومنها قضية استثمار حقول الغاز في البحر المتوسط بالتحالف مع إسرائيل واليونان، ودعم الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، وصفقات الأسلحة الفرنسية لمصر والإمارات، والتدخلات العسكرية في أفريقيا.
دارت الدوائر على ماكرون وشركاه، وشهدنا أشكال انتهاكات حقوق الإنسان والأقليات ومصالح الطبقات الاجتماعية الأدنى عبر قانون التقاعد الاجتماعي الذي سن بقرار من الرئيس شخصيا، وانقلاب أغلب الدول الافريقية ضد تدخلات باريس العسكرية الفظة، كما شهدنا استخدام دعوى حرية التعبير لحرق المصحف في السويد وغيرها، كإعلان فاضح عن كراهية المسلمين والإسلام والأقليات، كما للإساءة لمفاهيم حرية التعبير وحقوق الإنسان والعلمانية.
اجتمعت في إعادة انتخاب الأتراك لاردوغان، وحرب حلف الأطلسي مع روسيا في أوكرانيا، فرصتان تاريخيتان لإعادة التوازنات لصالح تركيا، وبعد مرارة الإهانة الأوروبية التي نفذها ماكرون، بشماتة، عام 2018 واستدعت تعليق اردوغان بأن بلاده سئمت المناشدة المتواصلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وجدنا أمريكا وبعض الدول الأوروبية، الآن، تفتح صفحة ستكون لها مفاعيلها الإيجابية على اقتصاد تركيا وسياساتها.

القدس العربي