لايزال النفط يتعرض لخسائر نتيجة انخفاض اسعار النفط منذ اكثر من عام ، حيث خسر ثلث قيمته عام 2015،وجاء قرار الابقاء على سقف الانتاج في منظمة اوبك ليضيف خسائر جديدة الى اسعار النفط التي هبطت الى مادون 40 دولارا للبرميل .
خلال العام الجاري تعرضت اسعار النفط لانتكاسة هي الاقوى منذ ما يزيد على عقدين ونيف ، فقد عرفت صناعة النفط هبوطا وارتفاعا في السابق، لكن الهبوط في الـ18 شهرا الأخيرة كان الأعنف منذ تسعينيات القرن الماضي.
اشرنا في مقالات سابقة ان دولا كثيرة من الدول الاعضاء في منظمة اوبك تضررت اقتصاداتها ومداخيلها ، خصوصا تلك التي يعتبر النفط فيها السلعة الاساسية ،مثل العراق ، فنزويلا ،ونيجيريا وغيرها ، كلها دول عانت من تراجع اسعار النفط في مرحلة الهبوط الحالية التي انعكست على ميزانيات هذه الدول ، وتسببت في عجز كبير في موازناتها السنوية .
الدول صاحبة الحصة الانتاجية الاكبر غفي منظمة اوبك ، هي الاخرى تضررت كثيرا ، لكن اقتصادات هذه الدول قادرة على امتصاص هذه الخسائر بشكل او بآخر ، نتيجة المداخيل الكبيرة لهذه الدول ،والاحتياطي النقدي الذي تجمع لدى هذه الدول ، ما شكل حاجزا متينا يمكن الاعتماد عليه في مثل هذه الاوقات .
ويرى المراقبين ان التغير الاهم في صناعة النفط هو المنافسة بين المنتجين التقليديين(أوبك) والمنتجين الجدد (النفط الصخري) ذات الكلفة المرتفعة، ، هذا المنتج الجديد بات يشكل تهديدا لحصص الدول الأعضاء في منظمة اوبك. فتكلفة الإنتاج للبرميل في بعض دول المنظمة تتراوح بين ثمانية دولارات للبرميل في الكويت و11 دولاراً في العراق، مقارنة بأكثر من 30 دولاراً في الدول المنتجة للنفوط غير التقليدية.
ويشير المراقبين ان أحد أسباب تأجيل المنظمة اتخاذ قرارات حاسمة، هو التعرف إلى معدلات الإنتاج الإيرانية الفعلية. وهذا الأمر له أبعاد أخرى. فهناك منافسة تاريخية بين العراق وإيران حول موضوع حصة كل منهما. والعراق يسعى جاهداً لتثبيت إنتاجه في المدى القريب عند أربعة ملايين برميل يومياً، وهذا ما ستحاول إيران أن تفعله أيضاً، ليحصل البلدان على الحصة نفسها، أو على الأقل لئلا يحصل العراق على حصة أكبر من حصة إيران، علماً بأن العراق ينتج 3.8 مليون برميل يومياً، ويخطط لزيادة الإنتاج بنحو 200 ألف برميل يومياً إضافية خلال 2016.
وعلى ما سبق فأن سوق النفط تحتاج الى التنظيم والتعاون بين كافة المنتجين ، والتوصل لصيغة تحفظ التوازن للسوق ، والحصص السوقية للمنتجين ،بعيدا عن المنافسة التي قد تؤدي في النهاية الى مزيد من التعقيد في العلاقات بين هذه الدول وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على الاسواق العالمية .
– العراق واسعار النفط
يعد العراق من اكثر المنتجين في اوبك اللذين تأثروا سلباً من قرار خفض اسعار النفط ، وهنا نشير الى ان العراق يعتمد اعتمادا شبه كامل على اسعار النفط وعلى انتاج النفط في تسيير اموره ، لذلك كان تراجع اسعار النفط اشبه ما يكون بالكارثة التي حلت الاقتصاد العراقي ، هذا على الرغم من التطمينات التي كانت تطلقها الحكومات المتعاقبة التي تنطلق بين الحين والاخر ، الا ان الواقع يحكي قصة مختلفة ، وهو ما القى اعباء كبيرة على حكومة الدكتور حيد العبادي ، ووزارة النفط بشكل خاص التي تحاول جاهدة ان تصلح الواقع المؤلم الذي افرزته سياسات الحكومات السابقة.
وفي تشرين أول/أكتوبر الماضي، أقر مجلس الوزراء العراقي، مشروع الموازنة الاتحادية لعام 2016 بمبلغ 106 تريليونات دينار عراقي (90.9 مليار دولار)، وبعجز مقداره 23 تريليون دينار (19.7 مليار دولار).
وبلغت صادرات النفط العراقية خلال تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، نحو 3.3 مليون برميل يوميا، وهو أعلى معدل تصله الصادرات العراقية خلال 2015، بعد التوجه الحكومي لزيادة الانتاج النفطي وتعويض نقص الإيرادات بسبب تدني الأسعار.
كما لجأت الحكومة العراقية إلى رفع ضرائب المبيعات على السلع المستوردة، بهدف تعزيز الإيرادات المالية، لتقليل حجم الأزمة المالية التي تتعرض لها البلاد نتيجة تدني أسعار النفط في الأسواق العالمية.
الحرب على تنظيم الدولة “داعش” فاقم كذلك من مشاكل قطاع النفط خصوصا مع تنظيف قال وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي أكد في وقت سابق إن “القطاع النفطي العراقي تعرض لخسائر كبيرة بتضرر مصفاة بيجي النفطية في محافظة صلاح الدين، التي تعادل خسائرها نصف المشتقات العراقية عموماً”.
وتفيد تقارير ان العراق خسر ما يقرب من50% من المشتقات النفطية في البلاد بعد أن أصبحت مصفى بيجي النفطيّة (أكبر مصفاة في العراق)، في واجهة الصراع مع تنظيم “داعش” والحاق اضرار نتيجة العمليات العسكرية هناك .
وتفيد معلومات من محافظة صلاح الدين ان المصفى اليوم يتعرض لسيطرة مليشيات “الحشد الشعبي” على المصفاة بعد ان خرجت عناصر التنظيم من حتى ارتفعت الاتهامات الموجهة لها بتحقيق مكاسب ماليّة عبر بيع معدّات ومنشآه المصفاة لتمويل نفسها. مشيرين إلى أنّ “الشاحنات تنقل بشكل يومي المعدات من المصفاة عن طريق محافظة ديالى إلى إيران”
اما بالنسبة لسعر البيع في العراق فأنه اقل بكثير من الاسعار العالمية فلا يزيد عن ٣٦ دولار و٤٢٠سنت ،وهو بطبيعة الحال اقل من السعر العالمي للنفط .
المصدر: الموقع الالكتروني لوزارة النفط العراقية
وكانت وزارة النفط قد اعلنت ،في وقت سابق ،عن الصادرات الاولية الصادرة عن شركة تسويق النفط العراقية (سومو) لشهر تشرين الثاني الماضي والتي شهدت زيادة غير مسبوقة في المعدل اليومي للصادرات حيث بلغ المعدل اليومي للصادرات ٣مليون و٣٦٥ الف برميل فيما بلغ مجموع الايرادات المالية المتحققة اكثر من ٣مليار و٦٧٦ مليون و٤١٣ الف دولار.
سياسة الريعية التي انتهجها العراق منذ عقود ،ومازال يسير عليها باتت اليوم تشكل خطرا حقيقا على مستقبل الاقتصاد خصوصا مع التقلب والتراجع الكبير في اسعار النفط عالميا ، وهو واقع يفرض على العراق ان تبقى اسيرة هذه التقلبات ،وبتالي سيكون لهذا الواقع انعكاساته السلبية على اي خطوة نحو التطوير او البناء مستقبلا .
اذن العراق اليوم امام خيارات قاسية ، ومطالب ان يكثف الجهود للخروج من عنق الزجاجة التي ادخلته فيها الحكومات السابقة بسبب الاهمال والتبعية ، وغياب الشفافية ناهيك عن سرقة اموال العراق ، وهي جميعها عقبات تفرض على الحكومة العراقية ان تتخذ خطوات سريعة نحو اصلاح الاقتصاد العراقي وقطاع النفط خصوصا لتجنيب البلاد اي ارتدادات عنيفة قد تنتج عن تراجع الاسعار في مقبل الايام .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية