هل تُفلح المفاوضات العراقية-التركية بإنقاذ بلاد الرافدين من عطشٍ وشيك؟

هل تُفلح المفاوضات العراقية-التركية بإنقاذ بلاد الرافدين من عطشٍ وشيك؟

عمّقت أزمة المياه الحادة التي يشهدها العراق، من سلسلة الأزمات التي تعصف بـ«وادي الرافدين» منذ عام 2003 مهددة بخسارة هذا البلد خزينه المائي الاستراتيجي الذي انخفضت مستوياته بشكلٍ قياسي، وفي الوقت الذي يعوّل فيه المسؤولون العراقيون على «مفاوضات جدّية» مع الجارة تركيا لتأمين إطلاقات مائية تُنّقذ العراق من جفاف على الأبواب، بدأت التحركات مع إيران تأتي بثمارها مع تدفّق مياه نهر الكارون إلى شط العرب في أقصى الجنوب.

والأسبوع الماضي، تناقل مدوّنون مقطعاً مصوّراً لمجموعة من سكّان العاصمة بغداد وهم يقفون «وسط نهر دجلة» والمياه لا تتعدى بضعة سنتمترات.
ووجه مصور الفيديو رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للتدخل لإنقاذ النهر من جفاف وشيك.
ورغم الانحسار الواضح في مستوى المياه بالعاصمة بغداد، غير أن تداعياته أشدّ وقعاً على مناطق الجنوب التي بدأت تشهد هجرة جماعية من الريف إلى المدينة.
وسجلت إدارة ناحية المشرح التابعة لمحافظة ميسان الجنوبية، «هجرة عكسية» من الريف للمدينة لسكنة أربع قرى (شط الأعمى، واميلحة، والعيوينة، والشويطي) تقع أسفل نهر المشرح بسبب الجفاف.
وقال مدير الناحية منير الساعدي لمواقع محلّية إن «الجفاف ضرب نهر المشرح والأهوار بقوة ما تسبب بشحة قاسية جدا في عمود النهر الذي يتفرع لأكثر من 22 نهراً؛ والقرى أقيمت على تلك الأنهر، وقد نزح عدد من سكان تلك القرى بسبب نفوق الحيوانات والأسماك وندرة مياه الشرب».
ولفت الساعدي إلى أن ناحية المشرح «هي الأكثر ضررا كونها تتذيل النهر» مؤكداً «جفاف المناسيب المائية التي كانت ترد للناحية عن طريق نهر الدويريج الحدودي والطيب، ما تسبب نفوق الأسماك في هور السناف جنوب شرق المحافظة».
في الأثناء، حذر النائب ثائر الجبوري، من تداعيات أزمة المياه و«خروجها عن السيطرة» بسبب تفاقم ظاهرة الجفاف في جنوب العراق.
ويرى الجبوري أن «الوضع صعب جدا في البلاد بسبب أزمة الجفاف وخاصة في المناطق الجنوبية» لافتا إلى أن «الأمور قد تخرج عن السيطرة».
وأشار إلى أن «الأزمة وصلت إلى مياه الشرب الأهالي لن يصمتوا حيال هذه الأزمة، وستكون هناك عواقب وخيمة إذا لم تكن هناك تدخلات حكومية لتوفير بدائل تسهم في طمأنة الأهالي» مبيناً أن «الوضع في المدن الجنوبية صعب ومعقد بعد انحسار الزراعة بشكل كبير».
وفي وقت سابق من هذا الشهر، تحدّثت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» في العراق، عن «العواقب الخطرة» لتغير المناخ وندرة المياه على الأهوار ومربي الجاموس في جنوب العراق.
وأشارت المنظمة إلى تقارير تفيد بأن «الأهوار تشهد أشد موجة حرارة منذ أربعين عامًا، مصحوبة بنقص مفاجئ للمياه في نهر الفرات، حيث تظهر الآثار المدمرة على النظام البيئي ومربي الجاموس والمزارعين ومربي الأسماك في الأهوار، ما أجبر الكثيرين منهم على مغادرة قراهم والهجرة إلى محافظات صلاح الدين، النجف، كربلاء وبابل في وسط العراق ومناطق أخرى، بحثًا عن مياه صالحة للاستعمال، والغذاء والأعلاف لمواشيهم وفرص العمل».
وأضافت: «بلغ منسوب المياه في نهر الفرات 56 سم فقط، وفي الأهوار من صفر إلى 30 سم، وبمعدل جفاف خطير بلغ 90 في المئة، كما أدت مستويات الملوحة العالية والتي تجاوزت 6000 جزء في المليون إلى إثارة مخاوف المزارعين، وخاصة مربي الجاموس وصيادي الأسماك، بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يقارب من 70 في المئة من الأهوار خالية من المياه وفق مركز إنعاش الأهوار والأراضي الرطبة العراقية التابع لوزارة الموارد المائية».
وأكد صلاح الحاج حسن، ممثل «الفاو» في العراق، أن «النقص الحاد في المياه وموجات الحرارة والجفاف في الأهوار قد عرّض مربي الجاموس والنظام البيئي بأكمله لخطر كبير» داعيا لـ«اتخاذ إجراءات عاجلة على المدى القصير والمتوسط والبعيد للحؤول دون المزيد من الأضرار وضمان مستقبل مستدام لهذا الموقع التراثي العراقي العالمي».
كما قال عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد والممثل الإقليمي لمنظمة «الفاو» في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا: «نتابع بقلق كبير التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية وندرة المياه في الإقليم وخاصة في مناطق الأهوار في جنوب العراق، حيث أن منظمة الفاو بالتعاون مع الشركاء الوطنيين والدوليين ستعمل على تعزيز مشاريعها الحالية في المناطق الجنوبية لدعم مربي الجاموس والتخفيف من الآثار السلبية لندرة المياه وتلوثها وتغير المناخ الذي يهدد حياتهم وسبل عيشهم، حيث أن حماية سبل عيش المزارعين والمربين في المنطقة والحفاظ على النظام البيئي مسؤولية جماعية».
وزارة الموارد المائية الاتحادية لم تخفِ قلقها من إقبال البلاد على «شحّة غير مسبوقة» في المياه، وأن سدود العراق تشهد انخفاضاً «تاريخياً».
ويقول مستشار وزارة الموارد المائية، طه درع إن «العراق مقبل على شح مياه كبير، وما موجود في الخزانات العراقية وسدودها هو أقل ما موجود في تاريخ الوزارة» مبيناً أن «الوزارة تعمل على إزالة التجاوزات والتي تتسبب بهدر كبير للمياه من خلال استغلال عشرات الدونمات المغطاة ببحيرات الأسماك، ويكون التبخر كبيراً فيها وغير مجازة، إضافة إلى ذلك يجب أن تكون الخطة الزراعية مقننة بناء على ما موجود من الخزين المائي» حسب الوكالة الرسمية.
وأضاف أن «الوزارة تستخدم حوض الثرثار لضخ إطلاقات مائية لنهري دجلة والفرات وبحدود 80 متراً مكعباً في الثانية، وسيتم الوصول إلى 100 متر مكعب في الثانية لتقليل الملوحة وتصفية النهرين».
وشدد درع على ضرورة أن «تكون هناك ثقافة استهلاك للمياه على مستوى المواطن والفلاح والمؤسسات لأننا نعيش شح مائي، والمطلوب من جميع الفعاليات الاجتماعية الرسمية تثقيف المجتمع وتوعيته لأهمية ترشيد المياه لأنها ستجعلنا نعبر الأزمة».
وأشار المسؤول الحكومي إلى أن «هناك تطوراً في ملف المياه مع الجارة إيران، ولأول مرة منذ سنوات تجري المياه في نهر الكارون ما أسفر عن انخفاض نسب الملوحة في البصرة « لافتاً إلى أن «رئيس الوزراء داعم لوزارة الموارد المائية لاسيما على مستوى المباحثات مع دول الجوار».
وأكد أن «هناك توجيهاً من قبل رئيس الوزراء لجميع الوزارات على أن يكون لملف المياه أولوية في أي مباحثات تجرى مع دول الجوار».
ويؤكد مسؤولون عراقيون أن مياه الشرب والمخصصة للخطة الزراعية الصيفية «مؤمنة لكل العراق».
ويذكر المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، في تصريح أن «الخزين الاستراتيجي الحالي هو الأقل في تاريخ الدولة العراقية» مبينا أن «الوزارة بكوادرها وتشكيلاتها والخطط التي وضعتها كفيلة بتأمين مياه الشرب».
مشيرا إلى أن «الحملة التي تمارسها الوزارة بالتنسيق مع القوات الأمنية ومجلس القضاء بإزالة التجاوزات والتعامل معها بحزم أسهمت في ترشيد استهلاك المياه».
وفي تطور لاحق، دخل مجلس النواب الاتحادي على خطى المباحثات العراقية ـ التركية الرامية لتأمين مياه نهر دجلة.
واتفق النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي والسفير التركي علي رضا كوناي، على تشكيل لجنة مشتركة لمعالجة مشكلة المياه.
وطبقاً لبيان أورده المكتب الإعلامي للمندلاوي فإن الأخير استقبل في مقر إقامته السفير التركي لدى العراق علي رضا كوناي، مشيراً إلى «التباحث حول ملف المياه، وما ألحقه من أضرار جسيمة بعدة قطاعات كالزراعة والاقتصاد، حيث تم التأكيد على ضرورة أن يأخذ العراق حصته الكافية من الإطلاقات المائية القادمة من تركيا، والاتفاق على تشكيل لجان عمل مشتركة للوقوف على احتياجات العراق الفعلية من المياه، ومعالجة هذا الملف بالطريقة التي تعزز آفاق التعاون بين البلدين والشعبين وتضمن حق العراق الكامل من المياه».
ودعا عدد من أعضاء مجلس النواب، رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى عقد جلسة «خاصة وطارئة» لمناقشة ملف المياه.
ووجه الحلبوسي ممثل الحكومة في البرلمان بان تكون هناك استضافة لوزارات الخارجية والموارد المائية والجهات المعنية، بُغية مناقشة هذا الملف.

القدس العربي