لعبت الحرب الروسية على أوكرانيا لصالح إيران لعدة أسباب، أولها أن الضغوط التي كانت تواجهها من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تراجعت إلى حدّ كبير، بسبب تمركز الثقل الغربي على الحرب، وتوجيه أقصى الجهد الأمني والعسكري من أجل الحيلولة دون تحقيق روسيا أهدافها المباشرة وغير المباشرة. ولكن الأهم أن هذه الحرب ارتقت بالعلاقات الروسية الإيرانية إلى مرتبة التحالف، حسب تقديرات “الأطلسي”، وهو ما عكسته مواقف وتصريحات أكثر من مسؤول إيراني رفيع المستوى في سياق تقاطع الأهداف بين البلدين، وخصوصا المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي وصف أهداف الغزو الروسي لأوكرانيا بأنها مشابهة لدوافع إيران في الشرق الأوسط. ولذلك أخذت جانب روسيا، وساعدتها عسكريا واقتصاديا. وجاء رهان إيران على روسيا بعد إدراكها أن من الصعب جدا رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عنها بما يضمن بناء علاقات طبيعية مع الدول الغربية الكبرى، وطرح ذلك عليها خيارا لا مفرّ منه هو تعزيز علاقاتها بالدول الخاضعة للعقوبات الأميركية والأوروبية، وخصوصا روسيا والصين، وجاء ذلك في وقتٍ باتت فيه موسكو ضعيفة بعد أشهر من تعثّر حربها على أوكرانيا، ما جعلها أكثر اعتمادًا على القدرة العسكرية لطهران، ومن ذلك التزوّد بالطائرات المسيّرة التي عوّضت فشلها العسكري في الميدان، وفي مقابل مئات الطائرات بدون طيّار وشحنات الذخيرة، قدمت روسيا لإيران الدعم السياسي والمال. وتحدّثت الصحافة الغربية أن روسيا نقلت إلى إيران أسرار التكنولوجيا العسكرية الغربية التي تم الاستيلاء عليها في ساحة المعركة الأوكرانية. كما تدرس نقل أسلحة متطوّرة، مثل الطائرات المقاتلة وتكنولوجيا الصواريخ.
بقاء روسيا معزولة عن الغرب في المستقبل المنظور يزيد من نفوذ طهران على موسكو، ورغم أن التنافس بين إيران وروسيا سيبقى قائما في أسواق النفط والغاز العالمية، إلا أنه من المرجّح أن تتعمّق علاقاتهما الاقتصادية، خصوصا أن إيران صارت تشكّل منفذا لروسيا للتهرّب من مواجهة العقوبات. وبقدر ما تعمل الولايات المتحدة على قمع شبكات التهرّب من العقوبات على روسيا، تعمل الأخيرة على تعزيز طرق التجارة والعلاقات المالية الأخرى، بما في ذلك مع إيران، التي تتجاوز القيود الأميركية، بفضل امتلاكها تراثا طويلا وخبرة في الالتفاف على العقوبات الغربية، هذا بالإضافة إلى التبادل المالي المفتوح بعد تجاوز نظام سويفت، والهدف رفع التبادل من أربعة مليارات إلى أربعين مليار دولار في نهاية العام الحالي.
وهناك مسألة في غاية الأهمية تدركها إيران، وتعمل على تجاوزها، أن التعاون الاقتصادي مع روسيا والصين لا يعوّضها عن الفوائد التي يمكن أن تجنيها من الانفتاح الغربي عليها. ورغم أنها تصدّر قرابة مليون برميل من النفط يوميا إلى الصين كمستورد أول، فذلك لا يمكن أن يُقارن بما تنتظره من عوائد رفع العقوبات السياسية والاقتصادية وفتح أبواب التعاون والتبادل مع أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج العربي. وهذا لا يعني أنها ستستغني عن الصين وروسيا، بل ستواصل هذا المسار والعمل على كل الجبهات، وهو ما تأخُذه واشنطن في حساب استراتيجياتها، فبعد أن كانت تتجهّز قبل الحرب الروسية على أوكرانيا من أجل عزل الصين استراتيجيا، سيتعيّن عليها الآن العمل على وضع موانع لتنامي العلاقات الإيرانية الصينية، كي لا ترتقي إلى مرحلة من التعاون العسكري الذي بلغته ما بين موسكو وطهران، وتجرّب واشنطن العمل الدبلوماسي المكثف مع الدول التي تعد وسيطة، ولديها شراكاتٌ مهمةٌ مع إيران، مثل أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان، لأنها تدرك صعوبة أن تنهض العقوبات الاقتصادية وحدها بهذه المهمّة، بسبب الطرق الذكية في الإفلات منها.
العربي الجديد