هل يبقى “الرفاه الجديد” ضمن التحالف الحاكم في تركيا؟

هل يبقى “الرفاه الجديد” ضمن التحالف الحاكم في تركيا؟

على الرغم من حداثة عهده، مع تأسيسه في عام 2018 وصغر حجمه، أصبح حزب “الرفاه الجديد”، الذي يقوده محمد علي فاتح أربكان، أحد الأحزاب الحاضرة بشكل ملحوظ على الساحة السياسية في تركيا، فالحزب اليميني ذو الخلفية الدينية خلط أوراق التيارات المتنافسة في انتخابات العام 2023 مرتين. في المرة الأولى بتصميمه على خوض الانتخابات الرئاسية منفرداً، والثانية بعدوله السريع عن هذا القرار وقبوله الانضواء في تحالف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وبعد الفوز بالانتخابات، التي أُجريت في مايو/ أيار الماضي، لمّح “الرفاه الجديد” إلى احتمال الخروج من التحالف الحاكم، وفي أكثر من مناسبة صرح بمعارضته السياسات الاقتصادية للحكومة، كما أعلن رفضه التصويت في البرلمان لانضمام السويد لحلف شمال الأطلسي، فضلاً عن مشاركة حزبه في جلسة برلمانية دعت إليها المعارضة رغم تغيب شركائه في التحالف الحاكم.

بصمة “الرفاه الجديد” في انتخابات 2023
تمكن “الرفاه الجديد” من ترك بصمته على انتخابات 2023 في ظل حرصه على خوضها بقوائمه الخاصة. فقد استطاع جذب بعض الأصوات الإسلامية من تيار الرؤية الوطنية الذي أسسه رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان من داخل “العدالة والتنمية” نفسه، إضافة إلى بعض أصوات المحافظين الذين رفضوا التصويت لـ”الشعب الجمهوري” بعد دخول الأحزاب المحافظة المعارضة عبر قوائمه من قبيل حزبي “السعادة” و”المستقبل”.

وحصل “الرفاه الجديد” على 2.84 في المائة من الأصوات بمقدار 5 مقاعد برلمانية، في قفزة كبيرة حولته إلى أكبر حزب صغير حديث في تركيا ولاعب صاعد في الحلبة السياسية.

خليل مبارك أوغلو: “الرفاه الجديد” يؤمن بشدة بمفهوم السياسة الإسلامية التركية

يعتبر حزب “الرفاه الجديد” نفسه الممثل الحقيقي لـ”تيار الرؤية الوطنية” (ميللي غوروش)، وقد جاء انشقاقه عن حزب “السعادة” بالأساس بعد مسيرة من الاعتراضات على سياسة “السعادة” واتهامه بتحريف طريق “تيار الرؤية الوطنية”.

وتأسس “الرفاه الجديد” في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، ويعرّف نفسه وفقاً للوائحه الداخلية ونظامه الأساسي بأنه حزب سياسي يتماشى مع روح “تيار الرؤية الوطنية”، ويتخذ من عبارة “إعادة الازدهار” وسماً له، أما شعاره البصري فيتكون من سنبلة تتعالى من قلب الهلال، إذ ترمز السنبلة للقوة المادية، فيما يرمز الهلال إلى القوة الروحية والارتباط بالمرجعية الدينية الإسلامية لتركيا.

يقود حزب “الرفاه الجديد” حالياً مؤسسه السياسي محمد علي فاتح أربكان، نجل نجم الدين أربكان، وهو من مواليد 1 يناير/ كانون الثاني 1979، في العاصمة التركية أنقرة.

نشأ أربكان الابن نشأة محافظة فارتاد ثانوية الأئمة والخطباء، ثم درس الهندسة الكهربائية وتخرج من جامعة باشكنت في أنقرة، ومن الجامعة ذاتها حصل على الماجستير ثم الدكتوراه في مجال الإدارة والتنظيم.

لم يشتهر أربكان الابن بالكاريزما ذاتها التي تمتع بها أربكان الأب، الذي أسس حزب “الرفاه” في عام 1983، وتولى قيادة الرؤية الوطنية عام 1987، لكن الابن خبر السياسة الحزبية حين تقلّب في الأحزاب التركية المنبثقة عن “تيار الرؤية الوطنية”، فقد نشط في حزب “الفضيلة” منذ عام 1999، إلى أن حلته المحكمة الدستورية التركية عام 2001، فأعاد نشاطه في صفوف حزب “السعادة” الذي انبثق عن “الفضيلة” منذ ذلك التاريخ، وأصبح عضواً في مجلس إدارة قسم الشباب في “السعادة”، قبل أن يتركه عقب المؤتمر العادي الخامس في عام 2014.

ومضى أكثر من ربع قرن على إقصاء “تيار الرؤية الوطنية” عن الحكم عقب انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997 الذي أبعد حكومة “الرفاه” بقيادة نجم الدين أربكان عن الحكم بإرادة الجيش، ثم حاول إقصاءها من الحلبة السياسية بقرار المحكمة الدستورية التي حلت الحزب وحظرت نشاطه في 16 يناير 1998.

تقارير دولية
نجل أربكان يعود إلى تحالف أردوغان
وكانت تلك الفترة حافلة بالتجارب، ففيها تحوّل “الرفاه” إلى “الفضيلة” ثم إلى “السعادة”، وفيها أيضاً خرج أردوغان من محراب “الرفاه” ليؤسس مع رفاقه الذين كانوا معه حزب “العدالة والتنمية”، الذي يقود تركيا منذ عام 2002.

وحول تطور الحزب، يقول الباحث خليل مبارك أوغلو، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الفضل في قدرة الرفاه الجديد على حشد الجمهور يعود إلى طبيعة خطابه، الذي يصف تيار الرؤية الوطنية بالعثمانية الجديدة، كرؤية جامعة للأمة الإسلامية، مشابهة لقيادة العثمانيين نحو خمسة قرون، ولكن بثوب عصري وبأدوات تناسب الدولة الحديثة”.

وبشأن المواقف من الخارج، يشير مبارك أوغلو إلى أن “الرفاه الجديد” يؤمن بشدة بمفهوم السياسة الإسلامية التركية، الذي مهد له نجم الدين أربكان وجسّده بمقترح تشكيل منظمة الثمانية للتعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية الثماني الصاعدة في حينه، والتي تضم بنغلادش ومصر وإندونيسيا وإيران وماليزيا ونيجيريا وباكستان بالإضافة إلى تركيا، بهدف التعاون والوحدة بين الدول الإسلامية. وهو حزب شديد الحساسية تجاه القضية الفلسطينية ويصنف نفسه من بين أهم الداعمين للنضال الفلسطيني في مواجهة إسرائيل.

ويلفت مبارك أوغلو إلى أن الحزب يعارض تدخّل الحكومة التركية في الأزمة السورية الداخلية ويصفها بالمستنقع، كما كانت له مساع تقاربية مع دول مثل ليبيا ومصر، لكن هذه المساعي تظل محكومة إلى حد كبير في الإطار الشعبي بعيداً عن مراكز الحكم في العواصم العربية.

ويرى مبارك أوغلو أن مشاركة “الرفاه الجديد” في الانتخابات إلى جانب “العدالة والتنمية” ضمن “التحالف الجمهوري” بقيادة أردوغان، تعبّر عن خطوة كبيرة في التحول من الممارسة السياسية التقليدية شديدة الالتصاق بالجذور الفكرية للأيديولوجيا التي تأسس عليها، إلى نمط عنوانه الأداء البراغماتي الذي يحكمه تحقيق المصلحة السياسية ضمن توازنات الكسب والخسارة.

ويضيف: “أربكان الابن أثبت واقعيته حين اعترف بطريقة غير مباشرة بأن كافة الأفكار التي تؤمن بها الرؤية الوطنية لن تدخل حيز التطبيق إذا بقيت أحزاب هذه الرؤية خارج السلطة”.

يونس إمري كيليج: خيار الخروج من التحالف الحاكم وارد في أي وقت

ويشير مبارك أوغلو إلى أنها “المرة الأولى منذ أكثر من 22 عاماً التي يجد فيها أبناء نجم الدين أربكان أنفسهم في صف تلميذه الأول رجب طيب أردوغان، ولقد زاد هذا الانحياز حجم النقاط التي حققها الحزب على غريمه وشريكه في الأصل حزب السعادة”.

ويضيف: “أصبحت المسألة أكثر وضوحاً، ويمكن تلخيصها أمام التيار المحافظ المتدين العريض في تركيا بأن حزب السعادة اختار مساندة المرشح العلماني الذي يزدري التاريخ العثماني والجذور الدينية لتركيا، فيما وقف الرفاه الجديد إلى جانب أردوغان الذي يحترم تاريخ العثمانيين والذي أعاد للدولة روحاً إسلامية ضمن مشروع واسع من تمكين الحريات لكافة أطياف المجتمع التركي”.

أطروحة “الرفاه الجديد”
تظهر أطروحة “الرفاه الجديد” الأيديولوجية والمجتمعية ورؤاه السياسية بالعموم اتساقاً شديداً مع أطروحة حزب “السعادة” المنبثق من المشرب ذاته “تيار الرؤية الوطنية”، كما تتقاطع في الكثير من القواعد مع رؤى “العدالة والتنمية” الذي يعود إلى الجذور والميول المحافظة ذاتها، الأمر الذي يقود إلى التساؤل بشأن الطرح المختلف الذي يسعى فاتح أربكان لتقديمه للجمهور.

يؤكد عضو “الرفاه الجديد” يونس إمري كيليج، لـ”العربي الجديد”، أن حزبه يعارض سعر الفائدة، ويناهض بشدة المثلية الجنسية. وهو حزب صاحب موقف لافت من اتفاقية “منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي” المعروفة باسم اتفاقية إسطنبول الموقعة في 11 مايو 2011، فالحزب يعتبرها تستند إلى نموذج النوع الاجتماعي القائم على الجنس.

ويقول إمري كيليج: “يتقاطع الرفاه الجديد مع أحزاب اليمين في الإيمان بأن على الحكومة التركية ضمان العودة الآمنة للسوريين إلى بلادهم، لكنه يناهض الكثير من هذه الأحزاب، ومنها الظفر والبلد، إذ يطالب الرفاه الجديد بحظر العنصرية”.

ويعتبر أن حزب “السعادة” انحرف عن طريق الرؤية الوطنية وأفكار أربكان الأب، وقد وجد “الرفاه الجديد” في التقارب الكبير بين “السعادة” والمعارضة العلمانية التي يتزعمها حزب “الشعب الجمهوري” عنواناً لهذا الانحراف.

وعن موقف “الرفاه الجديد” من بقائه ضمن تحالف الجمهور الحاكم، يؤكد إمري كيليج أن حزبه يفضّل تطبيق برنامجه في الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي في ظل وجوده ضمن التحالف الحاكم بقيادة أردوغان، لكن إذا وجد استحالة تطبيق ذلك فخيار الخروج من التحالف وارد في أي وقت، مشدداً في الوقت نفسه على استحالة انضمام الحزب لتحالف الشعب المعارض جنباً إلى جنب مع “الشعب الجمهوري”.

العربي الجديد