أفادت وسائل إعلام النظام السوري بوقوع هجوم صاروخي قالت إنه إسرائيلي، استهدف محيط العاصمة دمشق وأسفر عن مقتل 4 جنود من جيش النظام، وجرياً على بيانات مماثلة أضافت أن الدفاعات الجوية تصدت للعدوان، كما امتنعت كالعادة أيضاً عن تحديد الموقع المستهدف أو توصيف طبيعته. من جانبها اعتمدت دولة الاحتلال الإسرائيلي عادة مطابقة بدورها، فلم تنسب الاعتداء إلى صواريخها ولم تكترث حتى بتكرار الأسطوانة المعروفة حول ردع التواجد العسكري الإيراني على الأراضي السورية والحيلولة دون تمركزه وتطويره، سواء مباشرة عن طريق الحرس الثوري الإيراني، أو على نحو غير مباشر عبر كتائب «حزب الله» اللبناني والميليشيات والعصائب المذهبية الموالية لطهران.
ومنذ المراحل المبكرة التي أعقبت انطلاق الانتفاضة الشعبية السورية ضد نظام الاستبداد والفساد في آذار/ مارس 2011 وشهدت التدخل الإيراني العسكري المباشر لصالح النظام، لم تتوقف العربدة الإسرائيلية في الأجواء السورية، وطالت عمليات القصف سلسلة أهداف إيرانية وقوافل ومستودعات الأسلحة إلى «حزب الله». ولم توفر الاعتداءات الإسرائيلية مطارات دمشق والمزة وحلب وأخرجتها مراراً عن الخدمة، كما ضربت في محيط العاصمة ومناطق في هضبة الجولان والساحل السوري وعلى الحدود السورية ـ العراقية، واستخدمت الجو والبرّ والبحر إلى جانب العمليات الاستخبارية الخاصة حيثما اقتضى الأمر في الأراضي السورية كافة.
ورغم أن سيناريوهات الاستهداف تتنوع وتتغير طبقاً لاعتبارات دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإن ثلاثة ثوابت ظلت قرينة المعادلة وتواصلت تباعاً حتى أنها رسخت ما يشبه قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمناً، سرّاً وعلانية في الواقع. الثابت الأول هو اكتفاء النظام السوري بالحديث عن تصدي المضادات للاعتداء، والوعد بالرد الحاسم في التوقيت الذي يختاره النظام، وهذا لا ينفي حقيقة أن بعض المضادات يمكن أن تخطئ هدفها فتسقط على مواقع آهلة بالسكان داخل سوريا نفسها ويكون المدنيون هم الضحية الأولى.
الثابت الثاني هو أن صمت النظام يقابله صمت إيراني على الأرض في سوريا ذاتها، وصمت مماثل في «جبهات» طهران الأخرى سواء داخل إيران أو عبر خطوط التماس بين «حزب الله» ودولة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب اللبناني. وقد تلجأ بعض ميليشيات «الحرس الثوري» التابعة إلى توجيه طائرة مسيرة هنا أو صاروخ محدود المدى هناك، من باب إسماع الصوت على أكثر تقدير.
الثابت الثالث هو أن القاذفات الإسرائيلية يندر أن تجتاح الأجواء السورية من دون تنسيق وثيق، أو حتى إشعار بسيط وروتيني، مع قاعدة حميميم الجوية الروسية جنوب اللاذقية على الساحل السوري، وذلك تطبيقاً لجملة بروتوكولات توصل إليها شخصياً رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ المراحل الأبكر لاعتماد سياسة الردع الإسرائيلية في سوريا. وليس الأمر أن الرادارات الروسية مصابة بطراز من العمى أو الصمم يحول دون التشويش على القاذفات الإسرائيلية، بل أن صمتها الواجب هنا لا يختلف من حيث الدوافع عن صمت أعين إيران وآذانها على الطرف المقابل.
ولا تُنسى الخدمات الثمينة التي تقدمها الثوابت الثلاثة لتخفيض ما يعيشه ائتلاف نتنياهو من تأزم داخلي، فالوظائف هنا تتكامل ولا تتعارض.
القدس العربي