أفريقيا أرض صراعات لا تهدأ

أفريقيا أرض صراعات لا تهدأ

رغم الثروات الهائلة التي تملكها الدول الأفريقية، بما فيها الطاقة البشرية، إلا أن أغلب دولها تعيش اضطرابات أمنية خطيرة مدفوعة ببغض الشعوب ورفضها للحكومات المتواطئة مع الغرب الذي يحاول بدوره التدخل في تحديد مصائر تلك الشعوب ونهب ثرواتها، وهو ما حوّل القارة السمراء إلى منطقة ساخنة.

الخرطوم – يبدو أن القارة الأفريقية تحولت إلى بؤرة صراعات لا تهدأ، ويكاد يكون الإرهاب والعنف جزءا من الحياة اليومية في أجزاء كبيرة من القارة السمراء.

منذ أربعة أشهر يتقاتل الجنرالان عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو اللذان كانا حليفين في الماضي من أجل السلطة في السودان دون اعتبار لأي خسائر. وعلى بعد 4 آلاف كيلومتر غربا – في منطقة الساحل – تدور رحى معارك ضد إرهابيين إسلاميين. ومع الانقلاب الأخير في النيجر تقع دولة أخرى في أيدي سلطة عسكرية. الصراع يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة بأكملها.

لماذا لا تهدأ القارة التي يعيش فيها أكثر من 1.4 مليار شخص، وتعد ثاني أكبر قارة من حيث المساحة في العالم، ويقطن أكثر من مليار منهم جنوب الصحراء. تقل أعمار حوالي 70 في المئة من سكان أفريقيا عن 30 عاما. وتشير التقديرات إلى أن سكان أفريقيا سيشكلون ربع سكان العالم بحلول عام 2050.

تعتبر هذه فرصة أفريقيا لزيادة الإنتاجية، فرصة للتطور إلى سوق مبيعات مهم ولجذب الاستثمارات. لقد بددت اليوم بالفعل مدن حيوية كبرى مثل لواندا وكيجالي ولاجوس ونيروبي الصورة النمطية عن القارة التي تعيش دائما في معاناة، حتى لو كانت مراكز هذه المدن لا تزال محاطة بأحياء فقيرة. يتطور الاقتصاد الرقمي في هذه المدن، ويعيش فيها شباب على قدر جيد من التعليم، وتنمو فيها شركات متوسطة الحجم ويزدهر الابتكار.

لكن هناك أيضا الجانب الآخر. وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، يفر 44 مليون شخص هذا العام من منطقة جنوب الصحراء بسبب العنف أو الجوع أو الكوارث.

ووفقا لمؤشر السلام العالمي 2022، تحتضن هذه المنطقة خمس دول من بين الدول العشر الأقل سلما في العالم. وأحصت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أكثر من 15 صراعا يعاني فيها مدنيون في أفريقيا جنوب الصحراء من العنف هذا العام وحده.

في السودان، اندلعت منذ 15 أبريل الماضي اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع المنافسة. وإلى جانب العاصمة الخرطوم، يتركز القتال بشكل أساسي في إقليم دارفور غربي البلاد، حيث أشارت تقارير للأمم المتحدة إلى وقوع جرائم حرب بدوافع عرقية.

وفي الساحل الغربي، تستخدم جماعات إرهابية إسلامية بايعت تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أو شبكة القاعدة العنف في مالي والنيجر وبوركينا فاسو منذ عام 2012. وبعد انقلابات عسكرية يتولى الجيش الآن السلطة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد.

أما في إثيوبيا، فبعد سنوات من الحرب الأهلية في منطقة تيغراي شمالي البلاد، تصاعد العنف بين الحكومة المركزية ومجموعة الأمهرة العرقية في منطقة أمهرة المتاخمة لتيغراي من الجنوب.

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتحديدا في الشرق، حيث توجد احتياطات كبيرة من النحاس والألماس والكوبالت والكولتان والذهب، تشن جماعات متمردة هجمات منذ عقود، حيث من يسيطر على المنطقة يستفيد من الثروات المعدنية.

في موزمبيق، في شمال البلاد وهي المنطقة التي تشارك فيها شركة الطاقة الفرنسية “توتال” في مشروع غاز مسال بالمليارات من اليوروهات، يشن متمردون إسلاميون هجمات متكررة منذ عام 2017.

وفي نيجيريا، يحارب أكبر اقتصاد في أفريقيا في جبهات متعددة عصابات إجرامية في الشمال الغربي، وميليشيا “بوكو حرام” في الشمال الشرقي، وتدور معارك عنيفة للسيطرة على الأراضي بين رعاة ومزارعين في وسط البلاد، بينما تندلع أعمال عنف متكررة في الجنوب للسيطرة على حقول النفط.

ومنذ أكثر من عشر سنوات تزعزع ميليشيا “الشباب” استقرار الصومال الواقع في القرن الأفريقي وتسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب البلاد.

أسباب كل هذه الصراعات معقدة، والتي تشمل، وفقا لخبراء، الفشل الحاد في السياسة والاقتصاد، والفقر والبطالة، والنخب الفاسدة، والحوكمة الضعيفة، والاعتماد على تصدير المواد الخام. إلى جانب ذلك، تضطلع السلطات العسكرية في العديد من هذه الدول بدور مهم في السياسة المحلية.

يلقي إرث الاستعمار بثقله على أكتاف أفريقيا، حيث كتب محللون من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في جنوب أفريقيا “في ظل النظام متعدد الأقطاب اليوم، تتدخل قوى غربية متمثلة في الولايات المتحدة وفرنسا، وقوى ناشئة تتمثل في الصين وروسيا وتركيا في المنطقة سعيا وراء مصالح مختلفة ومتضاربة في الكثير من الأحيان”.

وفقا للمعهد، دعمت القوى الكبرى ذات المصالح في أفريقيا على وجه التحديد أطراف صراع متنافسة من أجل تعميق خطوط الصدع الداخلية وتصعيد العنف، حتى خلال الحقبة الاستعمارية.

بالإضافة إلى ذلك، يفرض تغير المناخ ضغوطا متزايدة على أفريقيا، حيث صارت الظواهر المناخية المتطرفة، مثل الجفاف والفيضانات والعواصف الاستوائية وأوبئة الجراد، جزءا من الحياة اليومية، وهو ما تترتب عليه وفاة أفراد وتشرد آخرين وفقدانهم كل ما يملكون.

ويقول فيليب أوسانو، مدير مركز أفريقيا في معهد ستوكهولم للبيئة، “قوة تغير المناخ في إحداث تفاقم للصراعات العنيفة واضحة في أفريقيا”.

ويوضح مركز إنترريجيونال للتحليلات الإستراتيجية أن قضية التغيرات المناخية في أفريقيا لا تنفصل عن الاضطرابات السياسية والأمنية، لأن التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية تنتج مطالب مجتمعية جديدة تفرض ضغوطا على الأنظمة الحاكمة وتطالبها بالاستجابة السريعة، كما تكشف الكثير من التقارير أن ظواهر التغير المناخي، مثل التصحر والجفاف، تعتبر من محفزات اندلاع نزاعات محلية بين المزارعين والرعاة حول الموارد والأراضي الصالحة للرعي، وهو الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من الهشاشة الأمنية والسياسية في الدول الأفريقية.

أسباب كل هذه الصراعات معقدة، وتشمل الفشل الحاد في السياسة والاقتصاد، والفقر والبطالة، والنخب الفاسدة، والحوكمة الضعيفة

كما يؤكد أن محدودية توافر الموارد المائية بمنزلة مصدر رئيسي من المصادر المؤججة للصراعات في أفريقيا، حيث لا تزال أفريقيا تواجه فجوات عديدة في القدرات في مجال الخدمات المناخية عالية الجودة والموثوقة المتعلقة بالمياه.

وبحسب أوسانو، سيتسبب الصراع المتزايد على الموارد الطبيعية في زيادة حدة التوترات القائمة بالفعل. لكن كيف يمكن لقارة أفريقيا أن تنعم ببعض الهدوء؟

يقول ريموند جيلبين، المحلل في مركز أفريقيا للأبحاث، إنه يتعين تحديد الأسباب المتكررة بدلا من مكافحة الأعراض. وبحسب جيلبين، فإن من بين هذه الأسباب على سبيل المثال: السيطرة على الموارد الطبيعية، ومساع استعمارية جديدة، والجريمة والإرهاب، وكذلك جهات مثيرة للاضطرابات مثل مجموعة المرتزقة الروسية “فاغنر”.

وحذر جيلبين من أن محاولات تهدئة العنف من خلال مكافحة التمرد أو فرض عقوبات اقتصادية أو إجراء انتخابات سريعة غالبا ما تأتي بنتائج عكسية، وقال “لكن يمكن تحقيق نتائج مرجوة عبر مناهج شاملة طويلة الأجل”.

العرب