رهانات مختلفة على دور سوريا

رهانات مختلفة على دور سوريا

ليس قليلاً عدد الدول العربية التي لدى كل منها حرص على دور إقليمي، لكن من الصعب الحديث عن عمل عربي مشترك من دون استراتيجية شاملة وقاطرة قيادية. القاطرة في الماضي كانت الثلاثي المصري – السوري – السعودي. والاستراتيجية تركزت على الصراع العربي – الإسرائيلي.

أما اليوم، فإن الدنيا تغيرت في العالم العربي وحوله. مصر في انكفاء قياساً على دورها المهم جداً قبل معاهدة كامب ديفيد. سوريا في حرب صار عمرها 12 سنة، وهي كما قال الموفد الدولي غير بيدرسون أمام مجلس الأمن “مقسمة بحكم الأمر الواقع، شعبها محاصر في أعمق أزمة إنسانية وسياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية ذات أبعاد ملحمية”. والسعودية يكبر دورها في مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات في قيادة العالم العربي.

جمهورية الملالي في إيران تمد نفوذها إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن وتؤسس ميليشيات في هذه البلدان مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. تركيا تحتل شمال سوريا، ولها قواعد عسكرية في شمال العراق وليبيا، وتبحث عن نفوذ تحت عنوان “العثمانية الجديدة”. روسيا في سوريا عسكرياً. أميركا في العراق وشرق سوريا وبلدان أخرى. وفرنسا تبحث مثل بريطانيا عن دور ضائع.

أما الاستراتيجية العربية التي كانت مركزة على الصراع مع إسرائيل، فإنها اليوم استراتيجيات منوعة ومختلفة تجاه إسرائيل وإيران وتركيا وروسيا وأميركا وفرنسا وبريطانيا والصين. وبداية الأمل هي عودة العمل العربي المشترك بقيادة القاطرة المصرية – السورية – السعودية. فهل صارت ممكنة؟
كثيرون تصوروا أن الانفتاح العربي على دمشق وعودتها للجامعة العربية خطوة مهمة على الطريق، فالحاجة العربية إلى دور سوريا وموقعها الجيوسياسي كبيرة. والانفتاح كان من أهدافه إيجاد بديل عن الدور الإيراني، والعمل على تسوية سياسية تنهي الأزمة التي قادت إلى الحرب، وتفتح باب الخروج التركي والأميركي من سوريا، واتخاذ إجراءات صارمة لمنع تهريب المخدرات، بالتالي إقفال مصانع الكبتاغون.

لكن الدور الإيراني يتوسع في سوريا، وأقل ما تطلبه طهران من دمشق ثمناً لدورها العسكري إلى جانب النظام هو، بحسب غير بيدرسون، “ثمن النفط نقداً، تموضع عسكري استراتيجي يعزز موقع إيران الإقليمي، موطئ قدم على البحر المتوسط، معاملة الإيرانيين مثل السوريين، وتنازلات سيادية ومالية في حقول النفط والغاز والفوسفات والمشاريع الاقتصادية”.

تركيا ترفض الانسحاب من شمال سوريا الذي اشترطه رئيس النظام بشار الأسد لمقابلة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى جانب التوقف عن دعم الإرهاب الذي اعتبره “صناعة تركية”. وروسيا حصلت حتى الآن على ثمن كبير لدورها، لا فقط على صعيد القاعدتين الجوية والبحرية في حميميم وطرطوس، بل أيضاً على صعيد المشاريع الاقتصادية.

والنظام، فوق كل هذا، ليس مستعداً لتسوية مع المعارضين في الخارج الذين يصفهم بأنهم “عملاء”، ويعرف حجم المعارضين المسموح لهم بالمعارضة في الداخل. وهو لم يقبل التسوية حين كان عشية “السقوط خلال أسبوعين” قبل الدخول العسكري الروسي، كما قال الوزير سيرغي لافروف، فكيف يذهب إليها حين ضمن البقاء والقوة؟

من دون تسوية سياسية، فإن الغرب الأميركي والأوروبي يصر على ثلاث لاءات “لا رفع للعقوبات، لا تطبيع، ولا مساهمة في إعادة الإعمار”، بالتالي لا عودة لاجئين. وهذا ما يضع العرب في موقف حرج، من حيث التعثر في متابعة اللجنة العربية الخاصة بسوريا لما تقرر في اجتماع عمان حول التسوية وإعادة الإعمار ومكافحة المخدرات.

لكن الرهان العربي على دور دمشق العربي مستمر على رغم الوضع الذي يزداد تعقيداً في سوريا والمنطقة.

اندبندت عربي