بعد 30 عاماً من الوقت وتخصيص مئات مليارات الدولارات وإنفاقها بشكل مباشر وغير مباشر، بات التحاق إيران بنادي القوى النووية في العالم مرتبطاً بالزمان المناسب لهذه الخطوة بعد إعلان امتلاكها قنبلة نووية.
لم تتعدَّ الإجراءات التي اتخذها معارضو إيران النووية (أميركا وإسرائيل) حد المواجهة الفردية من خلال فرض عقوبات عليها خلال هذه الفترة الطويلة، في حين أن هدف طهران من برنامجها النووي منذ البداية كان واضحاً، فخلال مراحل مشابهة استهدفت المنشآت النووية العراقية المعروفة بـ”تموز 1″ والمنشآت السورية في دير الزور.
وكانت المنشأة النووية العراقية تأسست بدعم فني من فرنسا بعد عامين من وصول الحكومة الدينية في إيران إلى الحكم، ففي المرحلة الأولى تعرضت لهجوم في الـ 29 من سبتمبر (أيلول) 1980 من قبل المقاتلات الإيرانية ولحقت بها أضرار بالغة. وبعدها هاجمت ثماني مقاتلات إسرائيلية المنشأة في عملية بعنوان “السيف الحارق”.
وفي سبتمبر 2007 استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية المنشأة النووية السورية قيد الإنشاء بدير الزور في عملية مفاجئة تحت عنوان “حديقة الفواكه”.
وكان أمام القوى العالمية والإقليمية تنفيذ عملية مشابهة لوقف البرنامج النووي الإيراني في المراحل الأولى من البدء به، بخاصة أن له أهدافاً عسكرية.
وعلى رغم المعارضة التي أبداها الغرب ضد البرنامج النووي الهندي فإن البلد أعلن في الـ 18 من مايو (أيار) 1974 أولى تجاربه النووية تحت عنوان “بوذا المبتسم” في إقليم راجستان وأصبحت القوة النووية السادسة في العالم.
بعدها أقدمت باكستان في الـ28 من مايو 1998 على اختبار أولى تجاربها النووية في إقليم بلوشستان قرب الحدود مع إيران وهي تخوض تنافساً لإيجاد توازن في القوة مع جارتها الهند وأصبحت القوة النووية السابعة في العالم، ويقدر أن كلاً من البلدين يملك 160 رأساً نووياً.
وعلى رغم التنديد الغربي بالتجربتين النوويتين الهندية والباكستانية لم تتعدَّ المبادرات لوقف البرنامجين حد بعض المقاطعات، ويرى الغرب في التجربة الهندية مبادرة لإيجاد توازن مقابل الطموح الصيني وفي نظيرتها الباكستانية فرصة للبقاء أمام القوة النووية الهندية.
مؤسسات النظام الإيراني “جيوش من المنتفعين” بلا عمل
وفي التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) 2006 أصبحت كوريا الشمالية القوة النووية التاسعة، تصنف إسرائيل قوة ثامنة لكنها لا تعلن ذلك، وعلى رغم التهديدات الأمنية ضد بيونغ يانغ لم تقدم القوى الغربية وحلفاؤها (كوريا الجنوبية واليابان) على مواجهة عسكرية لوقف النشاط النووي للبلد، بخاصة أن هذا النشاط يتعارض مع مصالحها الوطنية وأبقت البلدان الغربية الباب موارباً للمفاوضات واكتفت بفرض عقوبات عليها.
وأمام النظام الإيراني تجربتان في التعامل مع النشاط النووي لبقية البلدان ففي العراق وسوريا تعرضت المنشأتين النوويتين إلى هجمات عسكرية، فيما اتخذ الغرب سياسة مبنية على الصبر وقبول انضمامها إلى نادي القوى النووية، وتعرف إيران أنها إذا ما أقدمت على اختبار نووي فإنها ستواجه في الحد الأقصى عقوبات أكثر ولا تتعرض لحرب شاملة من قبل القوى الأخرى وسيحملها ذلك كلفاً محدودة في المراحل الأولى لنشاطها النووي.
على هذا الأساس تبقى الخطوة الإيرانية ليصبح نشاطها النووي عسكرياً قريباً جداً بانتظار إرادة سياسية لتحقيق ذلك وتنتظر هذه الإرادة الوقت المناسب لتعلن إيران عن تجاربها العسكرية.
وتطرح أسئلة متعددة بعد انضمام إيران إلى النادي النووي. فالخطوة المقبلة للنظام في طهران واحتمال انضمامه إلى النادي النووي ليصبح القوة الـ10 التي تمتلك السلاح النووي ستلقى ردوداً سلبية لدى الرأي العام في البلدان الحرة، بخاصة الغرب.
هنا تتصور الحكومة الإيرانية أنها من خلال الحصول على “القنبلة النووية الإسلامية” سيزيد ذلك من بقائها وسيجلب لها مكانة عالمية، وتتوقع أنها من خلال الانضمام إلى النادي النووي ستحصل على مكانة كبيرة لدى أنصارها المتشددين وكذلك جزء كبير من القوميين الوطنيين في الداخل والخارج، خصوصاً أن أمامها تجربة حرب الأعوام الثمانية مع العراق.
وكانت الهند وباكستان حظيتا بدعم مطلق من قبل الرأي العام في البلدين بعد انضمامهما إلى النادي النووي، وفي الوقت الحاضر يندم الشعب الأوكراني على تنازل بلاده عن إمكاناتها النووية في ظل الحرب التي تخوضها كييف حالياً ضد موسكو.
فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 وإعلان استقلالها، كانت أوكرانيا تملك 1900 رأس نووي و176 صاروخاً بعيد المدى و44 مقاتلة، وكانت القوة النووية الثالثة بعد أميركا وروسيا، لكن كييف سلمت إلى موسكو جميع إمكاناتها النووية ووسائل النقل وإطلاق الصواريخ مقابل الحصول على مساعدات اقتصادية وضمانات نووية.
لكنها تعرضت عام 2014 لهجوم عسكري روسي بدلاً من الحفاظ على سيادتها الوطنية على أراضيها، وتعرضت مرة أخرى لهجوم قبل عامين وفقدت أجزاء مهمة من أراضيها.
تلقى المسؤولون العسكريون الإيرانيون دروساً من التجربة النووية للهند وباكستان وكوريا الشمالية وكذلك الأزمة الأوكرانية، وباتوا على علم بأن تخطي الخطوط الحمر للغرب لن يحمل لهم أكثر مما دفعوا حتى الآن، لذلك من المحتمل أن تتحول إيران إلى تحقيق طموحها من خلال القيام باختبار تجربة عسكرية نووية.
في مثل هذه الأجواء يُطرح سؤال ما إذا كانت إيران ستتحول طهران إلى العنف واتخاذ مواقف هجومية أم أنها ستسلك مسار الهدوء والاستسلام بعد انضمامها إلى النادي النووي على رغم العزلة المحتملة والفقر الذي سيتحمله البلد؟
أثبتت التجربة في النظامين الملكي والديني أن إيران ليس لديها توجه لاحتلال أراضي الآخرين ولا تستخدم السلاح النووي إذا ما وصلت إليه ضد أي بلد مسلم أو غير مسلم.
وكانت إيران حليفاً لأميركا في فترة حكم الشاه لكن النظام الحالي اتخذ موقفاً ضد النظام القائم في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة، وأنه لا يتحمل وجود واشنطن في المنطقة على رغم الكلف الكبيرة.
يقول النظام الإيراني في استراتيجيته النووية إن برنامجه يخدم المصالح الوطنية على رغم الأخطاء التي يرتكبها في مثل هذه الحسابات.
وعلى رأس أولويات النظام الحفاظ على استمراره وبقائه وليس تصدير الأيديولوجيا الإسلامية الشيعية، لذلك نتوقع أن تتخذ إيران سلوكاً أكثر هدوء بعد أن تصبح قوة نووية.
كما لم توقف إيران دعمها للميليشيات العسكرية في لبنان وسوريا والعراق لكنها اتخذت خطوات ملحوظة في إزالة التوتر مع السعودية للوصول إلى هدوء في العلاقة بين طهران والرياض. وتنتهج الأسلوب نفسه في التعامل مع مصر لإزالة التوتر معها على رغم أنه لا توجد نتائج ملحوظة في هذا الإطار.
لا شك في أن وصول إيران إلى القنبلة النووية سيؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة لفترة قصيرة وأنه بدلاً من إبعاد أميركا من المنطقة سيمهد إلى إعادة النظر في حضورها العسكري، لكنه سيؤدي إلى تعديل سلوك إيران خارجياً.
نقلاً عن “اندبندنت فارسية”