انتهزت السفيرة التركية لدى الكويت طوبى سونمز فرصة احتفال السفارة بـ”يوم النصر الـ101” بحضور مسؤول عسكري كويتي لإطلاق بالون اختبار بشأن إمكانية تركيز تواجد عسكري دائم لبلادها على الأراضي الكويتية. وتجاوزت سونمز مجرّد الإشارة إلى استعداد بلادها لتزويد الكويت بما ترغب في اقتنائه من معدات عسكرية وتسريع إنجاز صفقة الطائرات المسيرة “بيرقدار”، إلى تأكيد استعداد تركيا لإقامة قاعدة عسكرية لها على الأراضي الكويتية في حال “طلبت الكويت ذلك”.
وبحسب مراقبين فإنّ حصول تركيا على موطئ قدم لجيشها في منطقة عالية الحساسية بالنسبة إلى دول الإقليم ولعدد من القوى الدولية أمر لا يخلو من صعوبات وعوائق على رأسها ممانعة مختلف تلك القوى ذات العلاقات التاريخية والمصالح المتشابكة مع الكويت للمسعى التركي.
◙ الحضور العسكري التركي في عدة بلدان من ليبيا إلى شمال سوريا وصولا إلى أذربيجان كان عامل توتر لا عامل استقرار
ويرى المراقبون أنّ ما يشجّع تركيا على طموحها للتواجد عسكريا في الكويت هو استشعارها لحالة قلق كويتية بشأن التهديدات الناجمة عن رخاوة الوضع الأمني في العراق المجاور حيث تتواجد كيانات عسكرية موازية وغير نظامية متمثّلة في الميليشيات الشيعية التي سبق أنّ وجّه بعض أكثر زعمائها تطرّفا وتشدّدا طائفيا تهديدات صريحة للكويت على خلفية اتهامها بالاستيلاء على أراض عراقية.
كذلك ما تزال إيران تمثّل مصدر ريبة للكويتيين على الرغم من توجّهاتها الأخيرة لتهدئة صراعاتها مع الجارة الكبيرة للكويت المملكة العربية السعودية، حيث لا يغيب عن أذهان الكويتيين تورّط طهران مع ذراعها حزب اللّه في مؤامرة لزعزعة استقرار بلدهم في إطار القضية التي عرفت إعلاميا بـ”خلية العبدلي”.
واعتادت الكويت على الاستناد في حماية مجالها من التهديدات الخارجية على تحالفها الوثيق مع الولايات المتّحدة، لكنّ الأمر المستجّد هو التراجع الملحوظ للدور الأميركي في المنطقة وتراخي حكومة الرئيس الديمقراطي جو بايدن عن حماية أمن ومصالح حلفاء الولايات المتّحدة في الإقليم واستعدادها لعقد صفقات مع كبار أعدائهم ما دفع بهؤلاء الحلفاء إلى البحث عن شراكات وتحالفات جديدة عبر العالم، وهو الأمر الذي استفادت منه تركيا بحد ذاتها لطيّ صفحة الخلافات الحادة مع السعودية بعد أن عملت لسنوات على تأجيجها.
ومع ما تقدّمه تركيا من وعود للكويت، فإنها تظل بعيدة عن أن تشكّل ضمانة لأمنها في مقابل ما تشكّله إيران وأذرعها من تهديدات، وذلك بالاستناد إلى تجارب عملية من التواجد العسكري التركي المباشر وغير المباشر في عدّة دول من ليبيا إلى سوريا فشمال العراق، وصولا إلى أذربيجان حيث تلعب القوات والخبرات العسكرية التركية أدوارا سلبية في تأجيج الصراعات وإذكاء الحروب في تلك الساحات.
كما أن لتركيا سوابق في التدخّل بالشأن الداخلي الكويتي، حيث لطالما فتحت أراضيها خلال السنوات الماضية لأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين الفارين من وجه العدالة الكويتية.
ويظّل التواجد العسكري التركي في منطقة الخليج الغنية هدفا رئيسيا من الأهداف الكبرى لسياسة الرئيس رجب طيب أردوغان، لكنّه يظل صعب التحقيق.فعلى الرغم من استغلال أنقرة الخلافات الحادّة التي نشبت خلال السنوات السابقة بين قطر وجيرانها الخليجيين وتمكنّها من ضمان حضور أمني على الأرض الكويتية، إلاّ أنه بدا محدودا إلى حدّ كبير وغير مؤثّر على الأرض ولم تتعدّ نتائجه تقديم السند النفسي لقطر المعزولة آنذاك في محيطها المباشر، فضلا عن أن الحاجة إليه انتفت الآن تماما بعد مصالحة قطر مع جيرانها.
وفي نطاق ما تروّج له أنقرة بشأن تنامي تعاونها الدفاعي مع الكويت أشارت السفيرة سونمز إلى توقيع الطرفين التركي والكويتي عقدا لشراء 18 طائرة مسيّرة تركية الصنع من طراز بيرقدار، مؤكدة أنّ بلادها “جاهزة لتسليم المسيّرات وقتما تشاء الكويت”.
وأثنت السفيرة في حديث نقلته وسائل إعلام كويتية على تطوّر قدرات الجيش التركي قائلة إنّه “قطع شوطا بعيدا في مجال الإصلاحات والتخطيط والتدريب والاستثمار في التكنولوجيا والتحديث المؤسسي، حتى أصبح اليوم واحدا من أرقى وأقوى الجيوش في العالم”، لافتة إلى أن المعدات العسكرية تركية الصنع باتت تشكل أكثر من 75 في المئة من مخزون تركيا من السلاح، مضيفة “برزنا أيضا كمزود موثوق للمعدات الدفاعية لشركائنا العالميين، وفي 2022 سجلت صادرات الأسلحة التركية رقما قياسيا بلغ 4.4 مليار دولار”.
◙ إيران لا تزال تمثّل مصدر ريبة للكويتيين على الرغم من توجّهاتها الأخيرة لتهدئة صراعاتها مع الجارة الكبيرة للكويت المملكة العربية السعودية
وتعلم تركيا أن وجودها العسكري على الأراضي الكويتية لن يكون مرحّبا به سعوديا ولا أميركيا ولا إيرانيا، وأن الكويت لا تستطيع الذهاب بعيدا في تحدّي إرادة جارتها الكبرى وحليفتها التقليدية، لكنّ ترويج سونمز لتطوّر الصناعات العسكرية لبلادها يكشف أن هدفها الرئيس هو الاستفادة ماليا من أموال النفط الكويتي من خلال مبيعات السلاح.
وتجنّب الجانب الكويتي الممثّل في حفل السفارة التركية التعليق بشكل مباشر على الرغبة التركية في إقامة قاعدة عسكرية على أراضي الكويت.
واكتفى رئيس هيئة الخدمة الوطنية العسكرية العميد محمد الجسار الذي مثّل بلاده في الحفل بكلام بروتوكولي مشيدا بـ”عمق العلاقات التاريخية الممتدة لعقود طويلة بين الكويت وتركيا”، لافتا إلى “انتهاج البلدين سياسة التعاون لنشر السلام والاستقرار”، معتبرا أنّ “لدى الكويت وتركيا العديد من القواسم المشتركة، فهما تسعيان إلى السلام وتتمسكان بالمبادئ الدفاعية نفسها”.
وأشار إلى أن التعاون الدفاعي ما بين البلدين يواصل نموه في قطاعات عدة وأن الاجتماعات مستمرة بين مسؤولي الدفاع في البلدين لاستكشاف آفاق التعاون وتبادل الأفكار والرؤى ووجهات النظر، وموضّحا أن من ثمرات هذا التعاون تعزيز القدرات الدفاعية للجيش الكويتي بالطائرة المسيّرة بيرقدار تركية الصنع التي “أثبتت جدارتها وفاعليتها على مسرح العمليات”.