مع تصاعد الحراك الشعبي في محافظة السويداء ووصوله إلى عموم أرجاء المحافظة ورفع سقف مطالبه من خدمية إلى المطالبة بإسقاط النظام السوري، بدأت تظهر أصوات، ومنها ما هو محسوب على المعارضة، محبطة لهذا الحراك ومشككة بجدوى وصوله إلى أي نتيجة، على مبدأ أن سكان محافظة السويداء “يجربون المجرب” وأنهم يعيدون ما قام به السوريون منذ عام 2011 من تظاهرات بدأت سلمية تطالب بإسقاط النظام، سرعان ما حوّلها الأخير إلى صراع مسلح نتيجة استخدامه العنف المفرط ضد المتظاهرين.
ومع هذا وعلى الرغم من التظاهرات المليونية التي خرجت تطالب بإسقاط النظام، لم يتمكن السوريون من إطاحة النظام الديكتاتوري الحاكم ولا حتى دفعه لتقديم أي تنازل من شأنه أن يغيّر شيئاً في بنيته.
قد تكون احتجاجات السويداء شبيهة إلى حد بعيد بالاحتجاجات التي عمّت معظم الأراضي السورية في بداية الثورة في الشكل والشعارات والمطالب وتنظيم التظاهرات، إلا أنها تختلف عنها لناحية التوقيت والظرف وحتى المكون السكاني. هذه الاختلافات جوهرية، وبإمكانها، في حال تمكنت السويداء من الاستمرار في حركة الاحتجاج وتصعيدها، تحقيق نتائج كبيرة قد تكون بداية لتغيير شامل في كل سورية.
في بداية الثورة السورية، كان المتظاهرون يواجهون نظاماً متماسكاً اقتصادياً نوعاً ما، ويحظى باعتراف كل دول العالم سياسياً وتربطه علاقات مع دول كبرى قدّم لها كل ما تملكه البلد من أجل مساعدته في الحفاظ على الحكم، أما الآن فسكان السويداء يواجهون نظاماً منهاراً اقتصادياً، وتتعامل معه معظم الدول الفاعلة في العالم كعصابة تعتمد في مواردها على تصنيع وتصدير المخدرات للعالم وتفرض عليه عقوبات اقتصادية وسياسية.
كما أن الدولة الكبرى التي ساعدت النظام في قمع الثورة ومنعته من الانهيار، أي روسيا، تخوض الآن حربها الخاصة في أوكرانيا، وقد حصلت من النظام على ما يمكن الحصول عليه، وبالتالي فإن المحافظة على النظام في سورية لم تعد في مقدمة أولوياتها.
كذلك، فإن المكون السكاني في السويداء، التي ينتمي معظم سكانها لطائفة الموحدين الدروز، يوجب على النظام تغيير التكتيك الذي اعتمده في التعاطي مع الثورة في باقي المحافظات السورية، حين أطلق سراح المعتقلين من الجهاديين المتشددين كي يشكلوا تنظيمات يدعي محاربتها خلال قمعه الثورة.
وفي حالة السويداء، ليس أمام النظام سوى اتهام المتظاهرين بالانفصالية وبالتآمر مع جهات خارجية، مع محاولة اللعب على خلق خلافات بين المرجعيات الروحية لدى الموحدين الدروز. هذه الأساليب لا تزال تثبت فشلها أمام تماسك المحتجين ورفعهم شعارات ضد الانفصال والتدخل الخارجي، الأمر الذي يبشر بنجاح هذا الحراك وانتقاله إلى مناطق أخرى في حال حافظ على زخمه وتماسكه، ما من شأنه أن يوفر إرادة دولية لفرض حلّ سياسي رغماً عن تعنّت النظام وعنجهيته.