ناغورنو كاراباخ بيد أذربيجان بمباركة روسية

ناغورنو كاراباخ بيد أذربيجان بمباركة روسية

بعد توصل طرفي النزاع في إقليم ناغورنو كاراباخ المدعوم من أرمينيا في أذربيجان إلى اتفاق الوقف الكامل لأعمال القتال، أول من أمس الأربعاء، يبدو أن باكو تمكنت من وضع حد لنزاع إثني كان جامداً في بعض الأحيان ومشتعلاً في أحيان أخرى ورثته من الحقبة السوفييتية، عبر بسط السيطرة الكاملة على الجيب الأرميني ونزع سلاح قواته.

ومن اللافت أن أذربيجان أحكمت سيطرتها على الإقليم من دون أي مقاومة عملية تذكر من جانب الحكومة الأرمينية برئاسة نيكول باشينيان، وبما يبدو مباركة موسكو التي تعد الشريك الرئيسي ليريفان في مجالي الاقتصاد والأمن، إذ اكتفت روسيا هذه المرة بالحث على وقف إطلاق النار والتأكيد على لسان كبار مسؤوليها، بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين، على إجرائها اتصالات مع جميع أطراف الأزمة.

أذربيجان تحسم ناغورنو كاراباخ
وتزامن الحسم الأذربيجاني في ناغورنو كاراباخ (جمهورية آرتساخ وفق التسمية الأرمينية)، مع مجموعة من الخطوات الأرمينية السلبية تجاه موسكو، بما فيها تصريحات باشينيان بشأن انعدام الجدوى من وجود قوات حفظ السلام الروسية، التي انتشرت عقب توقيع اتفاق وقف النار بين أرمينيا وأذربيجان في خريف 2020 إثر الحرب بينهما وقتها.

كما وصف باشينيان التحالف مع روسيا بـ”الخطأ الإستراتيجي”، فضلاً عن زيارة زوجته آنا هاكوبيان إلى أوكرانيا وتقديمها مساعدات إنسانية، بالإضافة إلى انضمام أرمينيا إلى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة التوقيف بحق بوتين بتهمة تهجير أطفال أوكرانيين، في مارس/آذار الماضي.

نيكيتا ميندكوفيتش: ما جرى في الإقليم لا يمت إلى روسيا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي بصلة

وعلاوة على ذلك، أجرت أرمينيا تدريبات مشتركة مع الولايات المتحدة في يريفان، وذلك بعد العزوف عن استضافة مناورات عسكرية لـ”منظمة معاهدة الأمن الجماعي” بقيادة روسيا في مطلع العام الحالي، مما زاد من الترجيحات بتخلي موسكو عن يريفان في قضية ناغورنو كاراباخ انتقاماً من باشينيان.

وساهمت أذربيجان هي الأخرى في رسم هذه الصورة، إذ أعلنت سلطاتها أنها أخطرت أفراد حفظ السلام الروس المرابطين في المنطقة منذ عام 2020، موجهة بذلك رسالة مفادها أن روسيا وافقت على التدخل، إلا أن موسكو نفت ذلك على لسان المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التي أكدت أنه “تم إخطار القوات الروسية قبل بدء أعمال القتال ببضع دقائق”.

يشكك رئيس النادي الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، في دقة التكهنات بأن الخطوات الأرمينية الأخيرة دفعت موسكو لحسم أمرها لصالح التخلي عن يريفان، معتبراً أن هذا السيناريو كان متوقعاً منذ صعود باشينيان إلى السلطة معتلياً موجة “الثورة المخملية” في عام 2018.

بدء المفاوضات بين أرمن كاراباخ وباكو (وكالة الأنباء الأذربيجانية)
أخبار
مباحثات سلام بين أذربيجان وانفصاليي ناغورنو كاراباخ
ويقول ميندكوفيتش في حديث لـ”العربي الجديد”: “كان هذا التطور للأحداث في ناغورنو كاراباخ متوقعاً منذ عدة سنوات بعد وصول النخبة الموالية للغرب إلى السلطة في أرمينيا، واختيارها نهجاً أسفر عن تراجع العلاقات مع روسيا وتحريض أذربيجان وتركيا على التقدم العسكري في ناغورنو كاراباخ ذات الأهمية الأيديولوجية ليريفان، رغم أنها لم تعترف رسمياً بهذا الإقليم كدولة ولو بشكل أحادي الجانب”.

وحول الأهمية الرمزية لناغورنو كاراباخ بالنسبة لأرمينيا وأذربيجان، يشير ميندكوفيتش إلى أن “الأرمن يعتبرون ناغورنو كاراباخ بمثابة مهد للشعب الأرميني ومنطقة هامة أيديولوجياً وتاريخياً وثقافياً. أما أذربيجان، فتعتبر الإقليم جزءاً من أراضيها احتلته أرمينيا جراء الحرب (1988 ـ 1994) التي وقعت خلال تفكك الاتحاد السوفييتي (في عام 1991)”.

ويقلل ميندكوفيتش من أهمية المزاعم بشأن عزوف موسكو عن دعم يريفان في قضية ناغورنو كاراباخ، قائلاً: “من وجهة النظر القانونية، ما جرى في الإقليم لا يمت إلى روسيا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي بصلة، إذ إن يريفان، لا ناغورنو كاراباخ، هي الجهة الوحيدة التي تربطها مع روسيا علاقات دبلوماسية والتزامات أمنية، وحتى أرمينيا نفسها لم تعترف بناغورنو كاراباخ على المستوى الدبلوماسي، عكس اعتراف روسيا بإقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا”.

كيريل سيميونوف: على الأرجح، أوضحت روسيا وتركيا لباشينيان أن قضية ناغورنو كاراباخ يجب حسمها

ومع ذلك، يجزم ميندكوفيتش بأنه كانت هناك في السنوات السابقة إمكانية لإنقاذ ناغورنو كاراباخ عبر التوصل إلى حلول وسط مرضية للجانبين، مثل تسليم مناطق متنازع عليها لأذربيجان في مقابل منح وضع خاص للجيب الأرميني وإنهاء النزاع، خالصاً إلى أن “الأرمن خسروا آرتساخ المنتهي وجوده كدولة، ولو غير معترف بها”.

مصير ناغورنو كاراباخ كان محسوماً
بدوره، يرى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية المستشرق، كيريل سيميونوف، أن مصير ناغورنو كاراباخ كان محسوماً منذ هزيمة أرمينيا في حرب خريف عام 2020 التي استمرت 44 يوماً، متوقعا أن يتم دمج الجيب الأرميني فعلياً ضمن أذربيجان.

ويقول سيميونوف في حديث لـ”العربي الجديد”: “لن يتم دمج ناغورنو كاراباخ ضمن أذربيجان قانونياً فحسب، وإنما فعلياً أيضاً، مع منح الأقلية الأرمينية حقوق تعلم لغتها وحفظ ثقافتها وممارسة شعائر ديانتها بلا حكم ذاتي”.

وحول رؤيته لدور اللاعبين الدوليين الرئيسيين في جنوب القوقاز، أي روسيا وتركيا، يشير سيميونوف إلى أنه “على الأرجح، أوضحت روسيا وتركيا لباشينيان أن قضية ناغورنو كاراباخ يجب حسمها، وهي كانت فعلياً محسومة بعد حرب الأيام الـ44، فأرادت أذربيجان أن تضع نقطة فيها من دون إطالة أمد الوضع الضبابي”.

من جهته، يعتبر الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية بالجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، غيفورج ميرزايان، أن “كل شيء قابل للتنبؤ” هو التعبير المناسب لوصف إجراء أذربيجان “عملية احتلال ما تبقى من القسم الخارج عن سيطرتها من ناغورنو كاراباخ، أو بالأحرى عملية أذربيجان والقيادة الأرمينية الحالية بقيادة نيكول باشينيان لتغيير الوضع الجيوسياسي في جنوب القوقاز على حساب مصير السكان الأرمن وأرواحهم”.

وفي مقال بعنوان “ناغورنو كاراباخ تغير الوضع الجيوسياسي في جنوب القوقاز” نُشر بصحيفة “فزغلياد” الإلكترونية الموالية للكرملين، يرى ميرزايان أن أذربيجان ركزت قواتها وأعدت مسبقاً للعملية من الجهة العسكرية، رغم تذرعها بانفجار سيارة بسبب لغم على بعد 15 كيلومتراً من خط التماس. ويلفت إلى أن الاستعدادات الأذربيجانية جرت على مرأى الجميع من دون لم يتمكن أحد من عرقلة ذلك، متسائلاً: “كيف يمكن مطالبة باكو بسحب قواتها من أراضيها الخاصة؟”.

يُذكر أن إقليم ناغورنو كاراباخ شهد في نهاية عام 2020 أعمال قتال نشطة انتهت بالتوقيع على بيان ثلاثي لقادة روسيا وأذربيجان وأرمينيا، أتاح التوصل إلى الوقف الكامل لأعمال القتال في منطقة النزاع، بعد تقديم أرمينيا تنازلات أليمة مهدت للسيطرة الأذربيجانية الكاملة على الجيب الأرميني.