شراكة إستراتيجية صينية – سورية أمام اختبار قانون قيصر

شراكة إستراتيجية صينية – سورية أمام اختبار قانون قيصر

بكين – عرض الرئيس الصيني شي جينبينغ الجمعة مساعدة سوريا على إعادة بناء اقتصادها ومواجهة الاضطرابات الداخلية من خلال دفع العلاقات إلى مستوى “الشراكة الإستراتيجية”، وذلك أثناء محادثات بينه وبين الرئيس بشار الأسد الذي يتعرض لعزلة دبلوماسية وعقوبات صارمة.

يأتي هذا في وقت تسعى فيه الصين إلى إدخال سوريا ضمن خططها للتوسع في الشرق الأوسط من بوابة الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية، لكنْ لا يُعرَف إلى أي حد يمكن أن يتخطى الوجود الصيني في سوريا الخطوط الحمراء التي وضعها قانون قيصر لعام 2020.

وتكمن المشكلة في أن العقوبات التي يلوّح بها القانون لا تقتصر على المسؤولين السوريين، بل تطال أيضا كل شخص أو جهة أجنبية يتعاملان مع دمشق. وتشمل العديد من القطاعات، بدءا من قطاع البناء ووصولا إلى النفط والغاز، وهو ما يعني أن أي استثمار صيني -أو أي استثمار آخر- في سوريا سيكون مهددا بالعقوبات بما في ذلك مشاريع إعادة الإعمار التي تقول بكين إنها على استعداد للإسهام فيها.

الصين لا تجد صعوبات في بسط نفوذها في سوريا؛ فروسيا مستنزَفة وإيران هدفٌ للقصف الإسرائيلي وتركيا غير مرغوب فيها

لكنّ المراقبين يقولون إن الصين قادرة على التعامل مع هذه العقوبات بأسلوبها الخاص، مشيرين إلى دورها في شراء النفط الروسي إما بشكل مباشر أو بطرق التفافية بالرغم من العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، والتي تهدد الدول والشركات المتعاملة مع موسكو بعقوبات قاسية.

ويرى المراقبون أن الصين بإمكانياتها المالية وقدراتها السياسية وطموحها في المنطقة يمكن أن تكون الرابح الأكبر أو النهائي من الحرب في سوريا، ويمكن أن تضع يدها على المكاسب التي حققتها روسيا التي استنزفتها حرب أوكرانيا التي تعيق اهتمامها بملفات أخرى في الوقت الراهن.

ولا تقدر إيران، التي لديها تأثير كبير وبأشكال مختلفة في سوريا (أمنيا واقتصاديا ودينيا)، على منافسة الصين لعدة اعتبارات؛ منها أنها ستبقى هدفا للقصف الإسرائيلي والرفض الإقليمي لنفوذها في سوريا. كما أن لبكين نفوذا على طهران؛ فهي تساعدها على تجاوز العقوبات الغربية، وتقيم معها علاقات اقتصادية وعسكرية متطورة، وهو ما سيدفعها إلى التنازل الاضطراري وفسح المجال للنفوذ الصيني خاصة في ملف إعادة الإعمار في سوريا.

وتركيا بدورها لا يمكن أن تكون عائقا أمام النفوذ الصيني لأن الرئيس السوري من غير الوارد أن يقبل بها في بلاده كشريك اقتصادي حتى لو خاض الطرفان حوارا سياسيا وبدّدا الخلافات الرئيسية، وخاصة موضوع اللاجئين ومسألة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.

ويستبعد أن تجد الصين منافسة من الدول العربية الثرية التي تتعامل إلى حد الآن مع الملف السوري بحذر، فهي يمكن أن توفر بعض التمويل ولكن لا تستطيع تأمين أو حماية استثماراتها هناك. كما ليس من الوارد أن تضع نفسها في مواجهة مع الولايات المتحدة حول الملف السوري.

ويعزز اللقاء النادر حملة الأسد للعودة إلى الساحة العالمية، بينما يسمح لشي بتعزيز مصالح الصين الإستراتيجية في الشرق الأوسط. وقال الرئيس الصيني لنظيره السوري “الصين تدعم معارضة سوريا للتدخل الأجنبي والترهيب أحادي الجانب… وستدعم إعادة إعمار سوريا”.

وتعني “الشراكة الإستراتيجية” في الدبلوماسية الصينية ضمنا أن يكون هناك تنسيق أوثق في الشؤون الإقليمية والدولية بما يشمل المجال العسكري. وتقع “الشراكة الإستراتيجية” في المرتبة التالية مباشرة لما تسميه بكين “الشراكة الإستراتيجية الشاملة”.

وسوريا الآن في حاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي لتشييد بنيتها التحتية وإحياء مختلف الصناعات. وأثار الوضع الاقتصادي المتردي احتجاجات في جنوب البلاد طالبت فيها الحشود بإقالة الرئيس.

وكثفت بكين جهودها الدبلوماسية في قضايا الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، وفي مارس الماضي ساعدت على التوسط في اتفاق مفاجئ بين السعودية وإيران لإنهاء خلاف دبلوماسي استمر سبع سنوات.

وأشار شي إلى مبادرات رائدة تهدف إلى تشييد البنية التحتية على طول طريق الحرير القديم وتعزيز نهج الصين فيما يتعلق بالأمن العالمي، معلنا عن دعمه لسوريا من أجل تحسين علاقاتها مع الدول العربية الأخرى.

وقال شي “إن الصين مستعدة لتعزيز التعاون مع سوريا من خلال مبادرة الحزام والطريق… من أجل تقديم مساهمات إيجابية للسلام والتنمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي”.

لكنّ محللين قالوا “من المرجح أن تكون هناك حدود للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه بكين بشأن مساعدة دمشق في أي قضية من القضايا باستثناء استعادة وضعها الإقليمي”.

وقال ماتيو ليجرينزي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كافوسكاري بمدينة البندقية “لا أعتقد أن الصين ملتزمة تجاه سوريا بما يكفي للضغط من أجل رفع العقوبات متعددة الأطراف”. وأضاف “هذا ليس جزءا من طبيعة الدور الصيني في الشرق الأوسط، الذي يتسم بمحاولة القيام بدور دون الانحياز إلى أي طرف”.

وتتمتع سوريا بأهمية إستراتيجية بالنسبة إلى بكين لأنها تقع بين العراق، الذي يمد الصين بنحو عشرة في المئة من استهلاكها النفطي، وتركيا، التي تمثل نهاية ممرات اقتصادية ممتدة عبر آسيا إلى أوروبا.

واستثمرت ثلاث من كبرى شركات الطاقة المملوكة للحكومة الصينية، وهي سينوبك وسينوكيم ومؤسسة البترول الوطنية الصينية، ثلاثة مليارات دولار في سوريا خلال عامي 2008 و2009 بدعوة من بكين للاستحواذ على أصول نفط وغاز في العالم.

وشملت الاستثمارات استحواذ شركة سينوبك على شركة تنجانيقا أويل الصغيرة لإنتاج النفط الثقيل مقابل ملياري دولار، وشراء سينوكيم لشركة إيميرالد إنيرجي في لندن، التي تقع أصولها أساسا في سوريا وكولومبيا، مقابل 900 مليون دولار تقريبا.

وأوقفت شركة سينوكيم عملياتها في سوريا عام 2011، وفقا لشريكتها جالف ساندز بتروليوم. وقال مسؤولون من مؤسسة البترول الوطنية الصينية إن المؤسسة، التي كانت تشارك في إنتاج النفط ضمن عدة مناطق صغيرة، توقفت عن الإنتاج في عام 2014.

وقال صامويل راماني المحلل في معهد آر. يو. أس. آي البحثي بلندن “تحاول سوريا الحصول على استثمارات من الصين منذ فترة طويلة… لكن السؤال الأهم هو: هل ستتحول المقترحات التي نوقشت خلال هذه الزيارة (زيارة الأسد إلى الصين، بدأت الخميس) إلى مشاريع حقيقية؟”. وأضاف “في الوقت الراهن الصين محبطة جدا من الغرب، وسوريا تحاول تعزيز علاقاتها مع دول أخرى، لكن هل يمكن تحويل ذلك إلى شيء ملموس؟”.

العرب