تأخر الإصلاح يضيّق أفق الاستدامة المالية في الكويت

تأخر الإصلاح يضيّق أفق الاستدامة المالية في الكويت

تتصاعد التحذيرات من أن الكويت تواجه صعوبة في تحسين جدارتها الائتمانية لعدم قدرتها على التخلص من إدمان النفط، كونه ركيزة أساسية لتمويل الموازنة حتى مع وجود محاولات خجولة لتنويع مصادر الدخل لا تحظى بتأييد واسع من الطبقة السياسية.

الكويت – تستشعر الكويت على نحو أكبر المخاطر التي تتربص بتوازناتها المالية وهي تحاول معالجتها بما يمكنها من تحقيق الأهداف، والتي لطالما كان البلد عاجزا عن إدراكها جراء السجالات السياسية العقيمة وسوء إدارة الملف الاقتصادي.

وحذرت لجنة حكومية من تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للبلاد بسبب بطء وتيرة الإصلاحات المالية والاقتصادية، والتي جعلت البلد النفطي يتخلف عن ركب التنويع كما هو الحال في بقية دول الخليج العربي.

وتزامن ذلك مع تحذير آخر للهيئة العامة للاستثمار التي تدير الصندوق السيادي من أن “ارتفاع الإيرادات النفطية لا يغطي التزامات الميزانية” طبقا لوثيقة اطلعت عليها رويترز.

ورغم أن نقاط القوة الائتمانية الرئيسية في الكويت تتمثل، وفق الخبراء، في الموازنة والعوائد الخارجية القوية بشكل استثنائي، التي قد تساعد في التأقلم مع التقلبات العالمية وضبط توازناته الاقتصادية بشكل محكم، سيتغير الأمر مع توقعات بالعودة إلى تسجيل عجز.

وتتمثل نقاط الضعف الرئيسية في الجمود المؤسسي والقيود السياسية على الإصلاحات الاقتصادية، التي من شأنها معالجة التحديات المالية والهيكلية الناجمة عن الاعتماد الكبير على النفط والقطاع العام.

ويمثل النفط أكثر من 90 في المئة من الإيرادات الحكومية، لذلك استفادت الدولة من انتعاش الأسعار في العام الماضي، لكن ميزانية العام المالي التي بدأت مطلع أبريل الماضي تتضمن عجزا قدره 22.35 مليار دولار.

ووصلت نسبة الإيرادات النفطية إلى 92.7 في المئة من إجمالي العوائد المحقّقة، حسب وزارة المالية، فيما بلغ معدل سعر برميل الخام في السنة المالية المنقضية نحو 97.1 دولارا.

وبلغ معدل الإنتاج اليومي من النفط الخام قرابة 2.7 مليون برميل في الكويت، التي تمتلك نحو 7 في المئة من احتياطات العالم النفطية.

واستنادا إلى ذلك بلغت العوائد الإجمالية للدولة نحو 93.3 مليار دولار، منها 87 مليار دولار إيرادات نفطية. وبينما بلغت النفقات الإجمالية 72.3 مليار دولار، ذهب 78 في المئة منها إلى الرواتب والدعوم المختلفة، وقد وصلت نسبة المصروفات إلى تسعة في المئة.

ولا تزال رواتب القطاع العام تشكل أكثر من نصف النفقات العامة، إذ بلغت في العام المالي الماضي نحو 42.3 مليار دولار رغم أنها تراجعت اثنين في المئة عن الميزانية السابقة.

وكالات التصنيف الائتماني تتوقع تبني الحكومة الكويتية آليات تمويلية أخرى غير السحب من صندوق الاحتياطي العام

وجاء في الوثيقة، وهي رد من وزير المالية الجديد فهد الجارالله على سؤال برلماني، أن اللجنة العليا لحوكمة التصنيف الائتماني السيادي تقول إن جميع وكالات التصنيف تتوقع تبني الكويت آليات تمويلية أخرى غير السحب من صندوق الاحتياطي العام.

وأضافت اللجنة في ردها “أشارت (الوكالات) إلى إمكانية تخفيض التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت في حال بطء وتيرة تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية الهيكلية لتنويع مصادر الدخل للدولة وترشيد الإنفاق العام”.

وأشارت إلى الأهمية التي توليها وكالات التصنيف الائتماني لإقرار القوانين الهادفة إلى توفير السيولة في الخزينة العامة، مثل قانون الدين العام وتشريعات الإصلاح المالي والاقتصادي.

وأكدت الحكومة في برنامج عملها الذي طرحته على مجلس الأمة (البرلمان) في يوليو الماضي أنها تريد إقرار قانون الدين العام والإطار المنظم له، مع ربطه بمشاريع ذات قيمة اقتصادية مضافة، خلال العام الأول من الخطة الممتدة من 2023 إلى 2027.

لكن القانون الذي طال انتظاره اصطدم بمعارضة مبكرة من النواب، فقد وجه أعضاء بارزون في مجلس الأمة (البرلمان) انتقادات حادة للمقترح، في إشارة إلى أن الحكومة الجديدة قد تواجه تحديات قديمة مألوفة قد تعيق الإصلاحات.

رواتب القطاع العام لا تزال تشكل أكثر من نصف النفقات العامة، إذ بلغت في العام المالي الماضي نحو 42.3 مليار دولار

ويجب أن يحظى أي مشروع قانون، حتى يصبح تشريعا نافذا، بموافقة البرلمان الذي يهيمن عليه النواب المعارضون الذين اعترضوا على مشاريع مماثلة على مدى سنوات.

وانتخبت الكويت في يونيو الماضي برلمانها الثالث خلال عامين ونصف العام. ثم أُعيد تعيين الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، نجل أمير الكويت، رئيسا للوزراء.

وعرقلت الخلافات بين الحكومات المتعاقبة والبرلمانات المنتخبة الإصلاح المالي على مدى سنوات طويلة، بما في ذلك إقرار قانون الدين الذي من شأنه أن يسمح للكويت بالاقتراض من الأسواق الدولية والتحوط لمخاطر الاعتماد الكبير للميزانية العامة على النفط.

وجراء ذلك الوضع لجأت السلطات إلى إجراءات مؤقتة لتعزيز مواردها بعد أن تسبب وباء كورونا في انخفاض أسعار النفط عام 2020.

وانسجاما مع موجة القلق تعتقد هيئة الاستثمار أن “الارتفاع النسبي والمرحلي للإيرادات النفطية لا يغطي التزامات الميزانية، ولا يؤجل ولا يقلل من أهمية العزم على الدفع نحو الإصلاح الاقتصادي ومشاريع القوانين التي تهدف إلى توفير السيولة في خزينة الدولة”.

وأكدت الهيئة أن الاحتياطي العام تعرض لهزات بسبب انهيار أسعار النفط ومصروفات الدولة خلال الوباء، بالإضافة إلى التزامات خارج نطاق الميزانية العامة.

الكويت تستهدف زيادة طاقته الإنتاجية من النفط إلى 3.2 مليون برميل يوميا بنهاية عام 2024

وقالت إن جميع هذه العوامل أدت إلى انخفاض السيولة في الخزينة العامة مما أثر في قدرتها على القيام بدورها الأساسي وهو الوعاء والمصدر المالي للدولة.

والكويت جزء من أوبك+، وهي مجموعة منتجة للنفط تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول، التي تقودها السعودية وحلفاء بقيادة روسيا. وتخفض المجموعة إنتاج النفط الخام منذ نوفمبر الماضي لدعم الأسعار.

ويستهدف البلد العضو في منظمة أوبك زيادة طاقته الإنتاجية من النفط إلى 3.2 مليون برميل يوميا بنهاية عام 2024.

وتوقع صندوق النقد الدولي، في تقييم عقب مشاورات “المادة الرابعة” مع الحكومة الكويتية، تباطؤَ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبلاد إلى 0.1 في المئة هذا العام بعد نمو 8.2 في المئة خلال 2022، بسبب تخفيضات إنتاج النفط.

وقال أواخر الشهر الماضي إن “حل المأزق أمر بالغ الأهمية لتسريع القوة الدافعة إلى الإصلاح وبالتالي تعزيز النمو وتنويع الاقتصاد”.

ويرى الصندوق أن إجراءات تعزيز الإيرادات يمكن أن تشمل فرض ضريبة إنتاج وضريبة القيمة المضافة. والكويت هي الدولة الوحيدة في منطقة الخليج التي لا تفرض ضرائب انتقائية، وتنضم إليها قطر كدولة وحيدة في عدم وجود ضريبة القيمة المضافة.

العرب