لم تمض سوى بضعة أشهر على المبادرة العربية للانفتاح على النظام السوري، حتى بدأت تصدر أنباء عن تعثرها وربما انتهائها بسبب رفض النظام الإيفاء بتعهداته خلال القمّة العربية الأخيرة في مدينة جدة السعودية، خصوصاً لجهة التعاطي الإيجابي مع مخاوف دول عربية من تهريب المخدرات من سورية، ومع الجهود التي تُبذل من أجل تسوية سياسية في البلاد.
تجميد عربي للاتصالات مع الأسد
ونقلت وكالة “نوفوستي” الروسية للأنباء، أول من أمس الأحد، عمن سمّته “مصدراً مطلعاً”، أن اللجنة الخاصة التابعة لجامعة الدول العربية المعنية بالملف السوري “جمّدت اتصالاتها مع ممثلي الحكومة السورية”، زاعماً أن التجميد سببه “الضغط المباشر من الولايات المتحدة”. وأشار المصدر إلى أن “خطط الدعم المالي لسورية وإعادة إعمارها بعد الحرب تعرقلت بشكل كبير بسبب العقوبات الأميركية، وتحديداً “قانون قيصر” المعتمد عام 2020.
تأتي الزيارة التي يقوم بها رئيس النظام بشار الأسد إلى الصين راهناً، كدلالة على بحثه عن بدائل
ولكن المعطيات السياسية تؤكد أن تعنّت النظام ورفضه التعاطي الإيجابي مع المبادرة العربية تجاهه، والتي أُطلقت في مايو/ أيار الماضي، تقف وراء تعثر الخطوات العربية.
وكان الأردن قد قاد تقارباً مع النظام السوري عقب الزلزال الذي ضرب الشمال السوري في فبراير/ شباط الماضي، أفضى إلى عودة هذا النظام إلى الجامعة العربية بعد تجميد عضويته لأكثر من عقد. وعقدت دول عربية اجتماعين خاصين بالقضية السورية في جدة ومن ثم في العاصمة الأردنية عمّان في مايو الماضي، بحضور وزير خارجية النظام فيصل مقداد، طرح ما عرف بـ”بيان عمّان” الذي تضمن مبادرة عربية تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، للتوصل إلى حلّ سياسي ينسجم مع القرار الدولي 2254.
واشترطت الدول العربية إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتأمين العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات من دون أي عوائق إلى كل المناطق، ووضع حدّ لتهريب المخدرات إلى الأردن، مقابل تخفيف العزلة عن نظام بشار الأسد والتطبيع معه.وشكّل مجلس جامعة الدول العربية لجنة اتصال وزارية، مكوّنة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام للجامعة، لمتابعة تنفيذ بيان عمّان، اجتمعت في العاصمة المصرية القاهرة في منتصف أغسطس/ آب الماضي.
وقال وزراء خارجية الدول العربية الذين شاركوا في الاجتماع في بيان، إن الحلّ الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي، وأعربوا عن التطلع إلى استئناف العمل في المسار الدستوري السوري وعقد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية السورية في سلطنة عمان بتسهيل وتنسيق مع الأمم المتحدة قبل نهاية العام الحالي. كما توافقوا على أهمية استكمال هذا المسار بجدية باعتباره أحد المحاور الرئيسية على طريق إنهاء الأزمة وتحقيق التسوية السياسية والمصالحة الوطنية المنشودة.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن غير قادر على تحديد موعد لجولة تاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية، ومن الواضح أنه لم يلمس تجاوباً من النظام خلال زيارة قام بها إلى دمشق في 16 سبتمبر/ أيلول الحالي.
وتأتي الزيارة التي يقوم بها رئيس النظام بشار الأسد إلى الصين راهناً، كدلالة على بحثه عن بدائل بعد رفض العرب الاستمرار في التطبيع وما يترتب على ذلك من دعم اقتصادي من دون تنازلات جدية تفتح الباب أمام حلول سياسية للقضية السورية تنسجم مع القرارات الدولية ذات الصلة.
ولمّح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في تصريحات له قبل أيام، إلى فشل المبادرة العربية تجاه النظام السوري. وقال إن الأردن والدول العربية تنتظر رداً من دمشق بعدما قدّمت أوراقاً ومقترحات للتقدم باتجاه حل الأزمة السورية، مشيراً في مقابلة مع تلفزيون “المملكة”، إلى أن بلاده تريد حلاً يلبي طموحات الشعب السوري في وطن آمن مستقر، وتتحرك لحل الأزمة السورية بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254. وعلى الرغم من أن هذا القرار صدر قبل ثماني سنوات، لا يزال النظام يرفض هذا القرار ويرى أن تطبيق مضامينه مقدمة لتقويض سلطته.
وكان السوريون الخاضعون لسلطة النظام يعوّلون على المبادرة العربية لتخفيف الأعباء المعيشية عنهم ولفتح باب جديد لحل سياسي ينهي معاناتهم، إلا أن رفض النظام التجاوب مع هذه المبادرة ومع جهود الأمم المتحدة، خيّب آمالهم، وكان سبباً مباشراً للحراك الثوري في محافظة السويداء والمتواصل منذ أكثر من شهر ويدعو إلى تطبيق القرار 2254.
تطبيع هامشي
ورأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك “مؤشرات إلى هامشية التطبيع العربي مع نظام الأسد”، مضيفاً أن “هذا الأمر تجلّى في الحراك الثوري في محافظة السويداء، وعدم قدرة النظام على ضبط الحدود مع الأردن، والحديث عن الخط التجاري الهندي الأوروبي مروراً بإسرائيل، ما يعني تهميش الدول التي تقع شمال هذا الخط، وتحديداً سورية والعراق وتركيا”.
أحمد القربي: الحديث عن الخط التجاري الهندي الأوروبي مروراً بإسرائيل، يعني تهميش الدول التي تقع شمال هذا الخط، وتحديداً سورية والعراق وتركيا
ورأى القربي أن الدول العربية “ليست بصدد البحث عن حلول أخرى في سورية”، مضيفاً أن “تجميد مسار التقارب مع الأسد هو الأكثر رجحاناً”. واعتبر أن الدول العربية “لم تكن تعوّل على إحداث اختراقات كبيرة من وراء تقاربها مع الأسد”، مضيفاً: “كانت تريد تعاوناً من النظام للحد من تجارة وتهريب المخدرات، وتعاطياً إيجابياً مع بعض القضايا الإنسانية لا أكثر، خصوصاً أن الدول العربية لا تملك مفاتيح الحل السياسي في سورية.
وأعرب القربي عن اعتقاده بأن “العلاقة العربية مع النظام مرشحة للعودة إلى ما قبل زلزال فبراير الماضي، أي بقاء الحال في سورية على ما هو عليه، لأن النظام أثبت فشله ولم يستطع تقديم أي مكسب للدول العربية”، مضيفاً أن “التطورات الأخيرة أثبتت هشاشة هذا النظام”.
من جهته، رأى الباحث في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المبادرة العربية تجاه النظام السوري “ولدت ميتة”، مضيفاً: “هي كانت أشبه باستعراض سياسي بين الدول العربية”. واعتبر أن “من أبرز عوامل فشلها توجهها لنظام الأسد كممثل وحيد وشرعي للدولة السورية وتجاهلت بقية الأطراف سواء الرسمية كالائتلاف الوطني السوري، بصرف النظر عن أدائه”. وتابع: “كما تجاهلت هذه المبادرة الموقف الدولي الرافض لإعادة تأهيل نظام الأسد”.
وأعرب حوراني عن اعتقاده بأن الدول العربية “لا تمتلك أساليب أخرى للتعامل مع الملف السوري”، مضيفاً أن “أي محاولات عربية ستصطدم بالدول صاحبة النفوذ في سورية، كتركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة، ولكل دولة مبررات ومطالب إذا سمحت للعرب بلعب دور في سورية”. ورأى أن الدول العربية “يمكنها الدخول إلى المسالة السورية من البوابة التركية، خصوصاً أن هناك الآن استدارة من أنقرة باتجاه واشنطن لزيادة الضغط على روسيا”، وفق الباحث.