في “قمة الـ20” الأخيرة، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مشروعاً جديداً لربط الهند بالخليج العربي، ومنه إلى دول الشرق الأوسط وصولاً إلى القارة الأوروبية، وفي توقيت بالغ الأهمية من حيث الصراع الدولي وعودة الاستقطابات الكبرى. ومع تضمن المشروع الكبير والضخم، إسرائيل، يثار تساؤلات عديدة حول شكل، وإطار ما سيجري، وهل سيكون للحضور الاستراتيجي والاقتصادي الإسرائيلي تأثير في إتمام المشروع وإنجازه وفق الإطار الزمني، أم إن الوجود الإسرائيلي سيعوق بالفعل ما أُعلن عنه؟
الإعلان عن وجود إسرائيل في المشروع ضمن مجموعة الدول التي تضمنها الطرح الأميركي جاء طبيعياً في ظل ما تطرحه الولايات المتحدة منذ إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، وتكرر في الإدارة الراهنة أن إسرائيل جزء رئيس في منظومة التعاون الإقليمي العربي الشرق أوسطي، وأن معظم المشروعات المطروحة ومنه الربط اللوجيستي، وربط الموانئ وتشكيل منظومة رقمية ومنصات متعددة للربط التكنولوجي، وبناء شراكات في الاقتصاد الأخضر والألياف الصناعية، والكوابل متعددة الأجيال، وغيرها مطروحة منذ سنوات طويلة.
وتتضمن الحضور الإسرائيلي بالفعل، في إطار ما عرف باسم السلام الاقتصادي بديلاً من السلام السياسي، وهو ما جرى من قبل في اجتماع المنامة وتكرر بعضه في لقاءات النقب، ويمضي في سياق تعاون إقليمي دولي يشمل أوروبا في مسار ممتد من الخليج إلى أوروبا، وينتقل عبر دول متعددة مع الإشارة إلى أن معظم المشروعات الإسرائيلية تتم في سياق إقليمي وليس دولياً.
رؤية شاملة
أما المطروح في مشروع الممر الدولي، فإنه متسع وشامل وترى إسرائيل في هذا المشروع عدة مكاسب كبرى، لعل أولها، أنه يسوق فعلياً لمشروع التعاون الإقليمي في إطار متعدد الأطراف ويعيد التذكير بمشروع الشرق الأوسط الكبير، وفي ظل وجود دول كبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، وكثير من الدول في الإقليم ما يمكن أن يسهم وبسهولة في تحقيق السلام الاقتصادي، ويحقق لإسرائيل حضوراً إقليمياً ودولياً كبيراً بخاصة مع امتلاك تل أبيب لكثير من الإمكانات الكبيرة التي يؤهلها لهذا. وفي ظل مسعى أميركي للالتفاف على الواقع الراهن لطبيعة العلاقات الإسرائيلية في الإقليم، وإتمام مشروعات للتعاون ظل كثيراً منها حيز الإدراج، ولم يتم البدء فيه.
ل
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاول اقتناص مكاسب سياسية من الممر الاقتصادي (اندبندنت عربية – رسم علاء رستم)
وثاني تلك المكاسب تتمثل في أن مشروع الممر يأتي استجابة وتماشياً مع دول كبيرة في الإقليم وعلى رأسها السعودية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة من جانب والصين من جانب آخر، ودخول السعودية ضمن منظومة الممر سيتيح لها كثيراً من المكاسب الحقيقية لقيادة شرق أوسط أوروبي كبير وشامل. ويضم عديداً من الدول بما في ذلك الدول التي لم تلتحق بعد ومنها الأردن ولبنان ومصر وسوريا.
ولكن الإشكالية التي تواجه إسرائيل في عدم إتمام السلام مع السعودية على رغم من الوساطات الأميركية الكبيرة، وتحركات تل أبيب الضخمة في سبيل التطبيع مع الجانب السعودي، الذي له مقاربة مختلفة عما تم مع الدول التي وقعت اتفاقيات سلام، ومن ثم فإن إسرائيل ترى في مشروع الممر فرصة ذهبية.
ولهذا خرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤكداً أهمية المشروع ومبشراً الجمهور الإسرائيلي بما سيتم مع تثمينه للعلاقات الأميركية ومشروع السلام الدولي، وليس الإقليم أو السلام الاقتصادي مما يؤكد أن إسرائيل ترى أن مكاسبها في إتمام مشروع الممر كبير، وأرباحه السياسية الأهم والأثمن لها في الوقت الراهن.
ثم ثالث المكاسب أنه في ظل تعثر مشروع السلام مع الجانب الفلسطيني وتجمد مسار التطبيع مع السعودية لاعتبارات عدة فإن إسرائيل تعمل في اتجاهات مصلحية بالأساس مع عدم إغفال ما تملكه من مقاربة حقيقية لمشروعات إقليمية سبق وأن طرحتها، ولم تنفذ فعلياً نتيجة لعدم إتمام السلام واستمرار ممارساتها في الضفة الغربية واستكمال مشروع التهويد والاستيطان تنفيذاً لاتفاق الشراكة الذي يضم مكونات الائتلاف الحاكم في إسرائيل.
ولا يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي خيارات حقيقية سوى الاستمرار في الالتزام به وفي ظل تجمد كل مسارات الاتصالات الراهن باستثناء بعض المحاولات غير المباشرة من الجانب الأميركي بهدف استئناف التنسيق الأمني بصورة كاملة بين الجانبين.
في ظل تداخل كثير من معطيات الراهن، والمتعلقة بما يمكن أن يقدمه مشروع الممر الدولي لإسرائيل وعلى رأس أولوياتها التعجيل بطرح دور رئيس لإسرائيل، إلا أن إسرائيل لن تكون وحدها الرابح.
ستدخل الصين بمشروعها الشهير الحزام والطريق على الخط، بخاصة أن الجانب الصيني تولى تطوير وتحديث الموانئ الإسرائيلية، كما أن التعاون العسكري والاستراتيجي بين إسرائيل والصين يزعج الولايات المتحدة، إضافة إلى أن تل أبيب لم تلتحق بمشروع البوابة العالمية والمطروح أوروبياً وضمن مشروعات كبرى يخطط لها الأوروبيون في الشرق الأوسط مما يؤكد أن مشروع الممر الدولي يأتي ضمن مشروعات أخرى مطروحة، وضمن مناكفة أميركية صينية- روسية والهدف تأكيد سيناريوهات الاستقطاب، وإعادة مناطق النفوذ وتقييم الحسابات الاستراتيجية والسياسية من جديد في ظل تحركات بكين وموسكو لطرح مقاربة نظام دولي متعدد الأقطاب.
مقاربة محددة
تجد إسرائيل في حضورها في مشروع الممر مكاسب نظرية وواقعية، واستثماراً لموقعها الاستراتيجي، وما تتمتع به من معطيات لوجيستية وتكنولوجية ولكن دولاً أخرى في الإقليم وموجودة في المشروع لها أيضاً معطياتها، ومنها السعودية التي أقامت تطويراً في قطاعات غير تقليدية في الهيدروجين الأخضر، كما نوعت من مصادر الطاقة، وابتكرت منظومة تكنولوجية متميزة، ومن أجيال متقدمة ما يشير إلى أن إسرائيل لن تكون في وادي السيليكون بمفردها أو أنها بؤرة التحرك في إتمام مشروع الممر.
من المكاسب الإسرائيلية أن هناك مشاريع عدة ستكون مطروحة وتسعى إسرائيل لتسويقها على هامش مشروع الممر، منها إعادة إحياء سكك حديد الحجاز التاريخية، وهو “المشروع الإقليمي” في إشارة إلى المخطط الإسرائيلي لإحياء قطار الحجاز، وربط ميناء حيفا بالخليج العربي، من طريق استكمال السكك الحديدية من بيسان إلى جسر الشيخ الحسين، وإكمال السكك الحديدية في الأردن لترتبط بالسعودية، وإنشاء الطريق السريع المقترح الذي يربط بلدان شمال أفريقيا، وكذلك إقامة شبكة من خطوط الأنابيب لنقل النفط إلى إسرائيل ومن ثم إعادة تصديره إلى أوروبا وأميركا وكندا.
وتقترح إسرائيل تدشين سلسلة من الطرق البرية التالية مع الأردن، وهي طريق أسدود- القدس- عمان وطوله 170 كم، وطريق حيفا- عمان وطوله 260كم، وطريق غزة- أسدود- القدس– عمان، إلى جانب شق طرق تربط الضفة الغربية وقطاع غزة بالموانئ الإسرائيلية.
وهناك خطط إسرائيلية لحفر قناة مواجهة لقناة السويس، والسيناريو الأول قناة تسير في خط مستقيم من إيلات بامتداد وادي عربة شمال البحر الميت لتتصل بميناء حيفا، وهي بطول 3900 كيلومتر، بينما السيناريو الثاني قناة تمر من موقع قريب من إيلات وتتجه شمالاً مستغلة وادي عربة ومخترقة صحراء النقب وصولاً إلى وادي غزة، وأخيراً السيناريو الثالث قناة تقع إلى الشمال من الثانية متصلة بالبحر الأبيض المتوسط عند ميناء أشدود بطول ثلاثة آلاف كيلومتر.
رهانات حقيقية
في كل الأحوال فإن دخول إسرائيل على خط المشروع الدولي الكبير ليس معناه قيادة الإقليم أو رسم شرق أوسط إسرائيلي كما يتردد، بل وفي حال إتمام المشروع يمكن لإسرائيل أن تكون دولة ضمن عديد من الدول الموجودة بخاصة أن التصور العام أنه من دون إتمام السلام في الإقليم وتحقيق تسوية مرضية لكل الأطراف لا يمكن أن يتم أي إنجاز في الإقليم سواء عبر مشروع الممر أو غيره، وستبقى التطورات الفلسطينية الإسرائيلية على المحك وموجه لبوصلة ما سيجري.
ثمة من يرى أن دخول إسرائيل ضمن دول مشروع الممر لن يحقق لها حضوراً وسلاماً وتسوية بطريقة غير مباشرة سواء بدعم أميركي أو أوروبي، وهناك مقاربتان في تل أبيب في هذا السياق.
المقاربة الأولى هنا تدعو مباشرة إلى الاستفادة من حالة الزخم الكبيرة في الإقليم والتنافس الدولي بين الصين والولايات المتحدة لتحقيق مكاسب حقيقية والتعجيل بالدخول في بعض المشروعات، وبعضها سبق لإسرائيل طرحه ضمن مشروعات التعاون الإقليمي وليس الدولي، ومنها قضبان السلام ومحطات الإنذار المبكر والتنبيه الاستباقي ومشروع ربط الموانئ، وإقامة محطات تسييل للغاز متنقلة وغيرها وفي هذا الإطار يتم التوجيه بضرورة تطوير، وتنمية العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة ضمن حوار استراتيجي جاد ومباشر.
بينما المقاربة الثانية ترى أن إسرائيل جزء من الإقليم وأن رؤيتها لشرق أوسط جديد ينطلق من معطيات الواقع الإسرائيلي وقدرتها على سيادة الإقليم وتوجيه مساراته التي يجب أن تراعي الاستقرار السياسي وتهدئة ممتدة مع الفلسطينيين مع عدم استبعاد أي طرف والدخول في شراكات متميزة، سواء في شرق المتوسط أو الشرق الأوسط مع العمل بجدية على توقيع اتفاق سلام مع السعودية باعتبارها المرتكز السياسي والديني، والاقتصادي الكبير في الإقليم.
يمكن تأكيد إذن أن إلحاق إسرائيل بمشروع الممر فيه مكاسب حقيقية لها ولكن هناك عديداً من المشكلات المتعلقة بها كدولة في الإقليم وبممارساتها السلبية تجاه الفلسطينيين، واستمرار احتلالها للأراضي العربية إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في تل أبيب، والمرشحة لمزيد من التدهور خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى استمرار التباينات الدولية والإقليمية وتضارب مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ودخول الصين وروسيا وغيرها من القضايا.