نظام أقل حماية لطالبي اللجوء ينتظر المهاجرين إلى أوروبا

نظام أقل حماية لطالبي اللجوء ينتظر المهاجرين إلى أوروبا

نجح قادة دول الاتحاد الأوروبي بعد طول عناء في تجاوز عقبة رئيسية أمام بلورة ميثاق جديد لسياسة هجرة موحدة، لكن الطريق لا يزال معقدا أمام التوصل إلى مثل هذا الاتفاق. وفي حين تقلص أوروبا خلافاتها تزداد معاناة المهاجرين مع كل خطوة.

بروكسل – يخدم توصل سفراء دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم الأربعاء في بروكسل، إلى اتفاق حول نص رئيسي لإصلاح سياسة الهجرة في أوروبا، متغلبين على التحفظات الإيطالية – الألمانية، رأب الصدع بين الحلفاء في أشد الملفات إثارة للخلافات والاتهامات، لكنه خبر سيء لمجتمع المهاجرين الذين سيعاملون وفق نظام أقل حماية، ما يزيد متاعبهم.

ويهدف القانون إلى تنسيق استجابة مشتركة في حال تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي، كما حدث أثناء أزمة اللاجئين 2015 – 2016، مما يسمح خاصة بتمديد مدة احتجاز المهاجرين على الحدود الخارجية للتكتل.

وواجه النص، وهو الجزء الأخير من “ميثاق اللجوء والهجرة” الأوروبي والذي يتطلب موافقة الدول الأعضاء، اعتراضات من ألمانيا لعدة أشهر، لأسباب إنسانية. وتم التوصل أخيرا إلى توافق في نهاية سبتمبر، مما جعل من الممكن الحصول على موافقة برلين، لكن إيطاليا أعربت بعد ذلك عن عدم موافقتها.

وتركز رفضها على دور المنظمات غير الحكومية في إنقاذ المهاجرين، بحسب مصادر دبلوماسية، وتتهم روما برلين بتمويل العديد من منظمات الإغاثة غير الحكومية في المتوسط. وطالبت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني الأسبوع الماضي بأن تقوم المنظمات غير الحكومية التي تنقذ المهاجرين في المتوسط، بإنزالهم في البلدان التي ترفع أعلامها على السفن التي تستخدمها.

وتم التفاهم أخيرا على صياغة هذه النقطة ما سمح بنيل النص دعم كل من إيطاليا وألمانيا. وامتنعت كلّ من النمسا وسلوفاكيا وتشيكيا عن التصويت، وعارضته بولندا والمجر، وفقا لمصدر دبلوماسي. وعلق وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بالقول “إنها نتيجة إيجابية للغاية، نجاح لإيطاليا. عندما تقرر أوروبا، عليها أن تأخذ في الاعتبار رأي الجميع”.

واعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس أن الاتفاق على هذا النص يشكل “منعطفا تاريخيا من شأنه أن يحد بشكل فعال من الهجرة غير النظامية في أوروبا ويخفف بشكل دائم العبء عن دول مثل ألمانيا”.

وكانت المفوضية الأوروبية وإسبانيا التي تتولى رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي الدورية لمدة ستة أشهر، قد أعربتا عن ثقتهما في احتمال التوصل إلى اتفاق قبل انعقاد المجلس الأوروبي غير الرسمي الجمعة في غرناطة (جنوب إسبانيا). وستكون قضية الهجرة الملحة في قلب مناقشات رؤساء الدول والحكومات.

أثار المأزق الذي أحاط بحل هذه الأزمة الإحباط داخل الاتحاد الأوروبي، أمام ارتفاع أعداد المهاجرين الذين وصلوا إلى حدوده الخارجية والوضع في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية. وينص الاتفاق على وضع نظام استثنائي أقل حماية لطالبي اللجوء من الإجراءات المعتادة في حال حدوث تدفق “جماعي” و”غير مسبوق” للمهاجرين.

وهو يمدد احتمال احتجاز المهاجرين على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي لمدة قد تصل إلى 40 أسبوعا، ويسمح بدراسة طلبات اللجوء بشكل أسرع ومبسط لعدد أكبر من الوافدين (للقادمين من بلدان معدل قبول طلباتهم أقل من 75 في المئة)، للتمكن من إعادتهم بسهولة أكبر. كما ينص على تفعيل سريع لآليات التضامن بين الدول الأعضاء في رعاية اللاجئين، ولاسيما بإعادة توطين طالبي اللجوء أو المساهمة المالية.

وفي يوليو، فشل الاجتماع في التوصل إلى الغالبية اللازمة لإقرار الميثاق. وامتنعت ألمانيا بشكل خاص عن التصويت بسبب معارضة حزب الخضر، العضو في الائتلاف الحاكم، الذي طالب بإيواء القصّر وعائلاتهم.

ورحبت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الأربعاء بالقول “لقد ناضلنا بنجاح لتجنب تخفيف الحد الأدنى للمعايير الإنسانية، مثل الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية (..)”. وفي سعي للضغط على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودفعها إلى الاتفاق، قرر البرلمان الأوروبي وقف مفاوضات بشأن نصّين آخرين في ملفّ الهجرة يهدفان إلى تعزيز الأمن عند الحدود الخارجية.

ومن المفترض على أي حال اعتماد هذا الميثاق الذي عرضته المفوضية الأوروبية في سبتمبر 2020، والذي يتضمن حوالي عشرة تشريعات، قبل الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو 2024.

وأكد وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا غوميز أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء “يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام، ونحن الآن في وضع أفضل للتوصل إلى اتفاق على مجمل ميثاق اللجوء والهجرة مع البرلمان بحلول نهاية هذا الفصل”.

وقال وزير الخارجية المجري بيتر سيجارتو “ندعو بروكسل إلى وضع حد فوري لسياسة الهجرة هذه وحصص إعادة التوطين القسرية (..) يعود سبب ضغط الهجرة المتزايد على أوروبا الوسطى بالكامل إلى بروكسل” التي “تدعم النموذج الاقتصادي للمهربين”.

الهجرة غير النظامية من أكبر الملفات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي وسط دعوات متكررة إلى تقوية المراقبة والتشدد في مواجهة الظاهرة، والحل بالنسبة لزعماء الاتحاد قد يكون، حسب مراقبين، تنسيقا أكبر مع أطراف ثالثة. لكن هل ينجح الأمر؟

ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى إمكانية أن تتكفل بلدان طرف ثالث (خارج أوروبا) بدراسة ملفات اللجوء، وتشير الأخبار إلى اقتراح دول شمال أفريقيا التي تعدّ أكبر منفذ للهجرة غير النظامية في اتجاه أوروبا. وهو مقترح يدور منذ مدة في دهاليز الاتحاد دون أن يجد طريقا للتنفيذ.

لكن توسيع الشراكة إلى هذا الحد يبقى أمرا صعبا بسبب المشاكل الأمنية والقانونية في بلدان شمال أفريقيا، خصوصا ما يتعلق بتدبير الهجرة، كما “توجد انتقادات حقوقية كبيرة لتعامل السلطات في هذه البلدان مع طالبي اللجوء”. ويرى محللون أن هناك توجها لتوسيع الحدود الأوروبية إلى بلدان في القارة الأفريقية، وهو ما نجحت فيه بعض الدول الأوروبية إلى حد كبير بناءً على الاتفاقيات التي أبرمتها مع بلدان جنوب المتوسط.

وتستقبل إيطاليا الجزء الأكبر ممن يصلون إلى أوروبا في الممر الأوسط للبحر المتوسط، وغالبيتهم قادمون من تونس وليبيا، بينما تستقبل إسبانيا القادمين من الممر الغربي، وغالبيتهم قادمون من المغرب والجزائر، ما يجعل البلدين الأوروبيين يبحثان أكثر عن تعاون ثنائي مع البلدان المغاربية دون المرور بالضرورة عبر مظلة الاتحاد الأوروبي.

◙ الاتفاق يمدد احتجاز المهاجرين على الحدود الخارجية لمدة قد تصل إلى 40 أسبوعا ويمكن من إعادتهم بسهولة أكبر

وأجرى الرئيس التونسي قيس سعيّد مع المسؤولين الإيطاليين والأوروبيين قبل أشهر محادثات بشأن التوصل إلى اتفاق لمكافحة الهجرة مقابل الحصول على دعم مالي. وأكدت روما حينها رغبتها بـ”تقليص الهجرة غير القانونية وتعزيز الهجرة القانونية”. كما عزّزت إسبانيا شراكتها مع المغرب في هذا المجال، وسط ازدهار علاقات الطرفين.

ويقول خبير الهجرة محمد الكاشف إنه بالنسبة للاتفاق الأوروبي مع تونس قد يظهر للعيان أنه على غرار الاتفاق الأوروبي – التركي في 2016، لكن هذا الاتفاق له بعد آخر يختلف عن ذلك الاتفاق، فهو لا يهدف فقط إلى إبقاء اللاجئين والمهاجرين على الأراضي التونسية، ولكنه يطالب بمساعدة الجانب التونسي في حراسة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وهو شبيه باتفاق المغرب مع إسبانيا.

ويضيف الكاشف “يتضح من الاتجاه الأوروبي أن الاتفاق المقدر قيمته بمليار يورو بالفعل قابل للحياة، ويسعى الجانب الأوروبي بقوة لتنفيذه وتطبيقه على نطاق واسع في دول شمال أفريقيا الأخرى، بعد الوصول إلى آليات واضحة ومعلنة مع الجانب التونسي”. وتنادي أصوات كثيرة في أوروبا بضرورة تغيير مقاربة الهجرة والتركيز أكثر على دعم بلدان الجنوب في التنمية.

ويدعم الاتحاد الأوروبي مشاريع كبرى في القارة الأفريقية لأجل خلق فرص العمل وتطوير التعليم وجلب الاستثمار وتحسين ثقافة حقوق الإنسان، غير أن هذا الدعم ترافقه تساؤلات كبيرة حول مآله بسبب عدم وجود تأثير في خفض معدلات الهجرة، وكذلك بحث دول الاتحاد عن حلول آنية لإيقاف تدفق الهجرة غير النظامية.

العرب