الخرطوم – بعد أن صارت شبه مهجورة استعادت التكية السودانية ألقها القديم لتعود بقوة متصدرة مشاهد التكافل الاجتماعي وتعد ملاذا للمحتاجين في السودان وذلك تزامنا مع الحرب الدائرة التي اندلعت يوم 15 أبريل 2023.
وعرفت التكية السودانية تاريخيا كواحدة من أقوى مظاهر الترابط الاجتماعي في البلاد، وفي ظل ظروف الحرب الحالية فإنها تقدم وجبات الطعام اليومية للعائلات الأشد فقرا، وسد رمق آلاف المحتاجين في العاصمة السودانية الخرطوم.
و”التكية” اسم مشتق من (المتكأ) او الإسناد، حيث يجد الفقراء والمساكين فيها ملاذا يوفر لهم ما يحتاجونه من طعام وشراب.
ومع استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بادر ناشطون إلى إقامة (تكايا) في مناطق عدة من العاصمة الخرطوم لتوفير الطعام لآلاف المواطنين.
وتعتبر (تكية فك ريق) واحدة من أشهر التكايا بمدينة أم درمان شمالي العاصمة السودانية الخرطوم.
ودشن الإعلامي السوداني عثمان الجندي تكية فك ريق بمدينة أم درمان في نوفمبر من العام الماضي بهدف توفير الطعام للمحتاجين بمنطقة شمال أم درمان.
التكية اسم مشتق من المتكأ أو الإسناد، حيث يجد الفقراء والمساكين فيها ملاذا يوفر لهم ما يحتاجونه من طعام وشراب
وقال الجندي في تصريح لوكالة أنباء شينخوا “جاءت هذه المبادرة نتيجة لظروف الحرب التي اندلعت في أبريل من العام الماضي ونزوح آلاف المواطنين من منازلهم”.
وأضاف “قامت فكرة التكية علي تقديم شاي الصباح بالحليب مع مخبوزات بلدية، ثم تطورت لمرحلة تقديم وجبة غداء يوميا وفطور يوم الجمعة لأكثر من 300 أسرة متأثرة بالحرب موزعين على البيوت وأربعة دور إيواء بأحياء الحتانة والمنارة والواحة”.
وأوضح الجندي أن التكية تتلقى دعما ماديا وعينيا من جهات عامة وخاصة، ومن السودانيين العاملين بالخارج.
وأشار الجندي إلى تطور الخدمات التي تقدمها تكية فك ريق ، وقال “بجانب الطعام نقدم خدمات أخري، حيث قدمت التكية ملابس للأسر المتضررة التي غادر أفرادها بيوتهم من دون أخذ أمتعتهم، وتجهيز فرحة عيد الفطر بتوزيع مخبوزات وحلويات وملابس للعيد للأطفال”.
وأوجدت الحرب المستمرة في السودان أوضاعا معيشية صعبة بسبب تآكل موارد المواطنين وانقطاع الاتصالات والإنترنت ما حرم قطاع واسع من التحويلات المالية من أقارب داخل السودان وخارجه وتوقف المرتبات لموظفي القطاعين العام والخاص.
وقال المواطن السوداني نميري طه، وهو نازح من منطقة وسط أم درمان إنه يعتمد بصورة أساسية علي تكية فك ريق في توفير الطعام لأفراد أسرته.
وأضاف طه “لقد نزحت من منزلي في حي العمدة بمنطقة أم درمان القديمة بسبب الحرب وتساقط القذائف، ومنذ وصولي إلى هذه المنطقة نتلقي الطعام من تكية فك ريق”.
التكية السودانية عرفت تاريخيا كواحدة من أقوى مظاهر الترابط الاجتماعي في البلاد
وأشار إلى أن “هذه المبادرات المجتمعية خففت كثيرا من آثار الحرب، ومثلت مؤسسات مجتمعية مهمة في ظل غياب الدور الحكومي”.
ومن جانبه رأى المواطن الطيب المزمل، وهو نازح من منطقة الفتيحاب بغرب أم درمان ،أن التكية لم تعد مجرد مكان لتقديم الطعام، ولكنها تشكل تجمعا اجتماعيا من خلال التقاء سكان المناطق القريبة من التكية.
وقال “نلتقي يوميا في تكية فك ريق، ونتناقش حول ما يحدث وما يجب أن نفعله، التكية توفر لنا ما نحتاجه من الغذاء، وفي ذات الوقت هي ناد اجتماعي مهم”.
وفي منطقة جنوب الحزام بجنوب العاصمة السودانية الخرطوم تشتهر تكية (مبادرون) كواحدة من أبرز مراكز توفير الطعام للمحتاجين.
وقال أحمد خوجلي، وهو أحد متطوعي تكية مبادرون، “نحاول بإمكانات بسيطة توفير الطعام لعشرات الأسر في منطقة جنوب الحزام”.
وأضاف “تصلنا أحيانا تبرعات مالية وعينية من قبل بعض الخيرين سواء داخل السودان أو خارجه، ولكننا نعاني حاليا بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت بالخرطوم، وتوقف التحويلات المالية”.
ومنذ 15 أبريل 2023، يدور نزاع مسلح بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ووفقا لآخر إحصائية لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “أوتشا”، فقد أدى النزاع المسلح إلى مقتل 13 ألفا و100 شخص، وجرح 26 ألفا و51 آخرين.
وأجبرت الحرب أكثر من 8.1 مليون شخص علي الفرار الي مناطق آمنة داخل السودان، وإلى دول الجوار.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصف السودانيين البالغ عددهم أكثر من 48 مليون نسمة، باتوا يحتاجون إلى المساعدة، بمن فيهم 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
العرب