اليسار الدنماركي يتبنى مواقف اليمين من المهاجرين

اليسار الدنماركي يتبنى مواقف اليمين من المهاجرين

تبنى اليسار الدنماركي بعد وصوله إلى الحكم مواقف اليمين المتشددة من المهاجرين واللاجئين إلى البلاد، وصار يسنّ قوانين ويدعم تطبيق قوانين سابقة تهدد بإعادة مئات المهاجرين إلى أوطانهم رغم استحالة تعايشهم مجددا تحت وطأة الحروب وملاحقة الأنظمة الدكتاتورية، كما تضيّق الخناق على من يرغبون في الحصول على الإقامة في الدنمارك متحججة بالاختلافات الفكرية والأيديولوجية التي تعيق اندماج الوافدين الجدد مع المجتمع المحلي وقبولهم بقوانينه وعاداته وتقاليده.

كوبنهاغن – كل صباح تمر السياسية الدنماركية السابقة من حزب الشعب الاشتراكي أوزليم تشيكيتش عبر مبنى البرلمان في كوبنهاغن في طريقها إلى العمل في منظمة بريدج بيلدرز غير الحكومية التي أسستها.

ورأت كيف احتل المتظاهرون قصر كريستيانسبورغ، وهو مبنى البرلمان وقلب الديمقراطية الدنماركية في وسط العاصمة. فهم غاضبون لأن الحكومة الدنماركية أمرت العديد من اللاجئين السوريين بالعودة إلى ديارهم. وكان هذا ممكنا بسبب قانون صدر في 2015 بأغلبية كبيرة وميز بين اللاجئين السياسيين واللاجئين الذين حصلوا على وضعهم بسبب حالة حرب عامة في وطنهم.

وقالت تشيكيتش، التي غادرت البرلمان منذ ستّ سنوات، “عندما مررت بالدراجة عبر القصر هذا الصباح (صباح اليوم الذي أدلت فيه بالتصريح)، كان هناك شخص ما يحمل لافتة تقول إن سوريا ليست آمنة. ومن السخيف أن الدنمارك تناقش ما إذا كانت سوريا آمنة أم لا. فهي بلاد في حرب أهلية منذ سنوات”.

وخلص مكتب الهجرة الدنماركي في مارس إلى أن منطقة دمشق الكبرى آمنة بما يكفي لعودة بعض اللاجئين. ومنذ 2019 فقَدَ ما لا يقل عن 254 شخصا حق اللجوء بالفعل وهم يخوضون إجراءات استئناف أو طُلب منهم أن يغادروا البلاد.

ووفقا لصحيفة بوليتيكن الدنماركية، قد يُطلب من حوالي 500 لاجئ سوري العودة إلى سوريا. وبحلول مايو تلقّى ما لا يقل عن 39 شخصا الرفض النهائي، وفقا لـ”بي بي سي”. وبقي اللاجئون السياسيون معفيين، لكن أي شخص من منطقة دمشق الكبرى نال صفة لاجئ بسبب حالة الحرب العامة معرض لخطر فقدانها.

ريجين وينتر بولسن: دولة الرفاهية تتبنى سياسة صارمة ضدّ اللاجئين

ذكرت صحيفة برلينغسكي الدنماركية أن أحد التقارير التي يستخدمها مكتب الهجرة لاستنتاجه أصدره مكتب دعم اللجوء الأوروبي. لكن التقرير نفسه أشار أيضا إلى أن اللاجئين العائدين تعرضوا للاعتقال العشوائي والمضايقة والابتزاز.

ودافع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يقود حاليا حكومة أقلية، عن القرار. ففي السنوات الأخيرة دعم الاشتراكيون الديمقراطيون وكذلك الأحزاب الرئيسية الأخرى زيادة تشديد نظام الهجرة المقيّد بالفعل، ويتبنون غالبا نفس السياسات التي تدعو إليها الأحزاب اليمينية المتطرفة. في وقت سابق من هذا العام أبرمت الحكومة صفقة مع الأحزاب اليمينية لمنع الأجانب المحكوم عليهم بالسجن مع وقف التنفيذ من أن يصبحوا مواطنين دنماركيين. وفي يونيو صوت البرلمان لمنح الحكومة تفويضا لإنشاء معسكرات خارج أوروبا حيث سيتعيّن على طالبي اللجوء الانتظار ريثما تنظر السلطات الدنماركية في طلباتهم.

ويقول ريجين وينتر بولسن في تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية إن “دولة الرفاهية الإسكندنافية تتبنى سياسة خاصة باللاجئين تشبه إلى حد كبير السياسة الأسترالية الصارمة، والتي يبقى فيها وضع طالبي اللجوء عالقا أثناء معالجة قضاياهم في الخارج”.

وتعرضت مراكز الهجرة المحتملة خارج أوروبا، وكذلك سياسات الهجرة الأخرى في السنوات الماضية، لانتقادات من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية في مقال أن “الديمقراطيين الاشتراكيين الدنماركيين مستعدون لتحقيق حلم اليمين الأوروبي المتطرف”. فبينما كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة في الدنمارك وبقية أوروبا تضغط من أجل سياسات هجرة ولجوء أكثر صرامة في العقود الأخيرة، جعل الديمقراطيون الاجتماعيون الدنماركيون ذلك حقيقة واقعة.

وتقول تشيكيتش، التي مثلت حزبا يساريا في البرلمان من 2007 إلى 2013، “كان هناك تحول واضح في رأي الأحزاب الدنماركية الرئيسية بشأن المهاجرين بشكل عام، وخاصة المسلمين منذ 2001، عندما جمع حزب الشعب الدنماركي اليميني المتطرف المناهض للهجرة لأول مرة الأصوات اللازمة لتحالف يميني للحكم كان يضيّق حدود سياسات الهجرة المقيدة”.

وفي 2015 أصبح حزب اليمين المتطرف أكبر حزب يمينيّ، حيث وفر الأصوات اللازمة لفينستر اليميني الوسطي لتشكيل حكومة أقلية. لكن أحزاب اليسار حذت حذوه في ما يتعلق بتبني أفكار حزب الشعب الدنماركي.

وفي 2016 صنفت بيا أولسن دير، رئيسة حزب سيكيتش القديم، “الإسلام الراديكالي” أكبر تهديد “للحرية والمجتمع الدنماركي”. وقالت تشيكيتش إن هذا أمر سخيف. لكنها تشعر بالخوف الشديد من حقيقة أن الأحزاب الكبيرة تبنت المواقف الشعبوية لليمين المتطرف المناهض للهجرة، بما في ذلك الاشتراكيون الديمقراطيون.

وتعتقد آن صوفي ألارب، وهي اشتراكية ديمقراطية سابقة، أن حزب الشعب الدنماركي مسؤول عن تغيير لهجة جل أعضاء البرلمان تجاه اليمين في السنتين الأخيرتين وتبني ما اعتبرته سياسات الهجرة الشعبوية.

أفضى السباق نحو سياسات هجرة تقييدية في نهاية المطاف إلى تغلّب الأحزاب اليمينية المتطرفة الأكثر تشدّدا على حزب الشعب الدنماركي، كما أفضى تبني الأحزاب الرئيسية لمطالبه السياسية إلى هزيمته في انتخابات 2019. وكان الفائز الأكبر هو الاشتراكيون الديمقراطيون. وقالت ألارب “رأت رئيسة الوزراء أن هدفها الأساسي هو إيصال حزبها إلى السلطة. وإذا كان هذا هو الهدف، فهي استراتيجية ناجعة لكسب الناخبين من خلال تبني سياسات الأحزاب القومية”. وفاز الاشتراكيون الديمقراطيون في الانتخابات وقرروا الاستمرار في خطتهم لسياسات الهجرة الصارمة.

وأصبح راسموس ستوكلوند، المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي لسياسة الهجرة في البرلمان الدنماركي، فتى الملصقات لسياسات الهجرة الحكومية. وينفي أن يكون حزبه قد تبنى سياسة شعبوية. وقال ستوكلوند “منذ الثمانينات كانت الهجرة من الشرق الأوسط على وجه الخصوص -ولكن أيضا من بعض أجزاء أفريقيا- ضخمة، مما خلق العديد من التحديات”.

وتابع “يعمل بعض المهاجرين ضد القيم الأساسية مثل الحرية والديمقراطية”، في إشارة إلى المتطرفين الإسلاميين. لكنه نفى الادعاء بأن الديمقراطيين الاجتماعيين الدنماركيين يمارسون التمييز ضد المسلمين. ويوجد الكثير من المسلمين الذين يقومون بعمل جيد في الدنمارك. وقال ستوكلوند “نحن بالطبع لدينا حرية دينية. لكن المشكلة تكمن في أن الكثيرين الذين يأتون من البلدان ذات الأغلبية المسلمة يجدون صعوبة في قبول قيمنا، وأن الديمقراطية وسيادة القانون تأتيان قبل الدين، وأن المرأة تتمتع بحقوق متساوية، وأن هذا القانون يُسن في البرلمان ولا يأتي من الدين”.

وكان أحمد مسرة زنون من اللاجئين الذين شعروا بالعبء الأكبر لسياسة الهجرة الصارمة المتزايدة. ونشأ في القامشلي في شمال شرق سوريا. ثم فر إلى الدنمارك في 2015، قادما من تركيا بالسيارة ثم على الأقدام مع شقيقيه. وانضم باقي أفراد عائلته إليهما لاحقا من خلال لمّ شمل الأسرة.

ويقول وينتر بولسن إن وضع هذا اللاجئ غريب بشكل خاص؛ حيث قررت السلطات الدنماركية عدم تجديد لجوئه وأمرته بالذهاب إلى العراق، رغم أنه نشأ في سوريا ويحمل جواز سفر سوريا ولم يذهب إلى العراق أبدا. قال إنه لا علاقة له بالعراق على الإطلاق، باستثناء أن جده فر من العراق إلى سوريا في عام 1968 بصفته لاجئا سياسيا، ووصل في النهاية إلى الدنمارك، حيث أصبح مواطنا.

أوزليم تشكيتش: هناك تحول واضح في رأي الأحزاب الدنماركية بشأن المهاجرين

وقال زنون “كان لدي تصور عن الدنمارك كدولة ديمقراطية دون تمييز، لكني كنت مخطئا”. وكان قد تعلم اللغة في وقت قصير وهو الآن يدرس ليصبح عاملا اجتماعيا. لكنه قال إنه على الرغم من اندماجه الجيد في المجتمع المحلي في توندر -وهي قرية يبلغ عدد سكانها سبعة آلاف شخص في جنوب الدنمارك- إلا أن خطاب السياسيين يجعل الشعور بالترحيب في البلاد مستحيلا.

وكمثال على ذلك أشار إلى قانون سنته الحكومة السابقة في 2018 يطالب المهاجرين بمصافحة أحد أعضاء المجلس البلدي قبل أن يصبحوا مواطنين. وكان القانون يهدف إلى منع منح الجنسية للأشخاص الذين لا يمكنهم مصافحة مسؤول من الجنس الآخر عند الحصول على الجنسية بسبب معتقداتهم الدينية. وأعلن الاشتراكيون الديمقراطيون أنهم يريدون زيادة تعقيد الوضع. وتريد الحكومة الآن تقييد المصافحة بحيث لا يمكن أن تكون إلا مع رئيس البلدية لأن بعض البلديات وجدت ثغرة من خلال عرض خيار على اللاجئين؛ مصافحة عضو مجلس إدارة أنثى أو ذكر.

وكان زنون يأمل في أن تغير الحكومة الاشتراكية الديمقراطية بعض هذه السياسات التي دفع بها حزب الشعب الدنماركي ووزير الهجرة اليميني السابق لفينستر، إنغر ستوجبرج الذي ترك الحزب لاحقا، قائلا إنه لم يكن صارما بما فيه الكفاية في سياسة الهجرة. لكن في إشارة إلى الديمقراطيين الاشتراكيين تحديدا قال زنون، الذي استأنف قرار إلغاء وضعه كلاجئ، “إنهم سيئون بالقدر نفسه، وأحيانا أسوأ من الحكومة السابقة”.

أمّا رحيمة عبدالله البالغة من العمر 19 عاما -نائبة رئيس قسم الشباب في المجلس الدنماركي للاجئين، وهو منظمة غير حكومية دنماركية- فهي لاجئة سياسية، وبالتالي هي ليست في خطر فقدان وضعها كمهاجرة في الوقت الحالي. وهي أيضا من مدينة حلب التي لم تعتبرها الحكومة الدنماركية آمنة بعد. ومنذ أن طُلب من صديقتها المقربة وزميلتها في المدرسة العودة إلى سوريا، نشطت في الاحتجاجات بكتابة مقالات رأي وقصيدة لوسائل الإعلام الدنماركية.

وعلى الرغم من أن عبدالله لاحظت أن معظم الأحزاب السياسية قد قبلت سياسات هجرة أكثر صرامة، إلا أنها صدمت من قرار الديمقراطيين الاجتماعيين. وقالت “لا يمكنني الوثوق بهم مرة أخرى”.

ويشعر ستوكلوند بالقلق من حقيقة أن الصحف الأجنبية والأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وحلفاء في أوروبا انتقدوا قرار حزبه بسن سياسات هجرة أكثر صرامة.

وقالت ألارب، التي أصبحت صحافية وكاتبة بعد تركها الحزب الاشتراكي الديمقراطي، “للأسف ليس لدى زنون وعبدالله سبب للصدمة، لأن الاشتراكيين الديمقراطيين ينفذون ببساطة السياسة الوحشية التي وعدوا بها، وبدعم من معظم الأحزاب”.

وأضافت أنها لن تصوت للحزب الاشتراكي الديمقراطي في أي وقت قريب، وتابعت “أجد هذه السياسة مخزية للغاية. ولست وحدي، فالكثير من الناس يشعرون باليأس، ويشعرون بأنهم غير قادرين على التصويت لأي حزب سياسي في هذه المرحلة. يشارك حوالي 80 في المئة من الأحزاب السياسية في هذه المنافسة لتكون صارمة ومتشددة بشأن الهجرة قدر الإمكان”. ويبدو أن هناك أمرا واحدا واضحا: دفْعُ حزب الشعب الدنماركي الوسط إلى اليمين في ما يتعلق بسياسة الهجرة.

العرب