استغرق الأمر خمسة أيام منذ وقوع الهجمات الفلسطينية على إسرائيل إلى أن قرّر وزراء الخارجية العرب عقد اجتماع طارئ لاتخاذ موقف من التداعيات الرهيبة على الفلسطينيين.
خرج وزراء الخارجية بقرار رقم 8987 وببيان ختامي أكد على أهمية الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة… و«التصعيد في القطاع».
حذّر البيان أيضا من التداعيات الإنسانية والأمنية الكارثية لاستمرار التصعيد وتمدده… ودعا «جميع الأطراف لضبط النفس».
دعا البيان كذلك للعمل مع «المجتمع الدولي» على إطلاق تحرّك عاجل وفاعل لوقف التصعيد، وأكد على ضرورة حماية المدنيين، وإطلاق سراح المدنيين وكل الأسرى والمعتقلين.
يُظهر هذا البيان المصاغ بعناية كما لو أن «الجامعة العربية» هي طرف وسيط يتدخل لحل مشكلة بين خصمين متعادلين في القوة، وفي الحق، وفي الشرعية، يقفان على مسافة متساوية من كاتبي البيان.
مقابل وقف الحرب الإسرائيلية على غزة تطالب «الجامعة العربية» بـ«وقف التصعيد في القطاع» ومقابل «إطلاق سراح المدنيين» (الإسرائيليين) تطالب بإطلاق «الأسرى والمعتقلين» ونتيجة هذا التساوي العادل فقد أدانت الجامعة «قتل المدنيين من الجانبين» واقترحت على «جميع الأطراف» ضبط النفس.
تحفظت بعض الحكومات العربية على بعض هذه العبارات، كما فعلت الجزائر، التي قالت إن وفدها «ينأى بنفسه عن كل ما يساوي بين حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره (…) مع ممارسات الكيان الصهيوني التي تنتهك مواثيق وقرارات الشرعية الدولية». تحفظت الجزائر، مع العراق وليبيا وسوريا، على جملة «إدانة قتل المدنيين من الجانبين» كما اقترحت ليبيا جملة «دعم الشعب الفلسطيني الشقيق في الدفاع عن نفسه لما يتعرض له حاليا من عدوان وانتهاكات لحقوقه» فيما تحفظت تونس على القرار «جملة وتفصيلا».
تتالت، في المقابل، تصريحات القادة الغربيين الداعمة بحسم لإسرائيل، وعلى رأسها طبعا قادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اتصل رئيسها جو بايدن في يوم العملية نفسه، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعرض الدعم الأمريكي، وليعلن بعد ذلك دعم حكومته لأمن إسرائيل «ثابت ولن يتزعزع» محذرا «أي طرف آخر معاد لإسرائيل».
تبع ذلك إعلان واشنطن تقديم «دعم إضافي» لإسرائيل وتحريك حاملة الطائرات «جيرالد آر فورد» مع مجموعة قتالية تقارب 5000 بحار وطائرات حربية وطرادات ومدمرات، كما أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لاتخاذ «خطوات عسكرية كبيرة» للانتقام من «حماس».
بعد يومين من بدء الحرب أصدر زعماء أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا بيانا مشتركا نددوا فيه بهجمات حماس وأعربوا عن «دعمهم الثابت والموحد» لتل أبيب، ثم بدأ وزير خارجية بريطانيا زيارة إلى إسرائيل «للتضامن» معها، وتبعتها زيارة نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، ثم أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بايربوك اعتزامها الزيارة أيضا.
قابلت إسرائيل الموقف العربي «الوسيط» بما يناسبه من ازدراء، فشنّت مقاتلات حربية إسرائيلية، يوم الثلاثاء الماضي، غارة على معبر رفح البري الواقع تحت السيادة المصرية، وحذرت القاهرة من إدخال إمدادات إغاثية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة، وحسب القناة 12 الإسرائيلية فإن فحوى رسالة التحذير الإسرائيلي كان: «إذا جلبتم الإمدادات إلى غزة سنقصف الشاحنات». وفي اليوم الذي كان فيه متوقعا وصول وزير الخارجية الإيراني إلى سوريا، قصفت إسرائيل مطاري دمشق وحلب، ووجهت، قبل ذلك، تعزيزات عسكرية إلى الجولان والحدود مع لبنان.
كان الموقف الغربي، الذي عبّر عنه بوضوح، المسؤولون الكبار في واشنطن وبريطانيا وعواصم أخرى، إعلانا صريحا عن الموافقة على ما تقرره الحكومة الإسرائيلية من انتقام مفتوح، وإبادة جماعية، وحصار مطبق على أهالي القطاع.
الموقف الإسرائيلي، باختصار، هو محصّلة هذا التواطؤ الغربي المذهل في تنكّره للقوانين والشرع الدولية، وذلك التخاذل العربي المفضوح تحت غطاء «التوسط بين الطرفين».