نائب سابق لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي ينضم إلى خبراء لبنانيين وأمريكيين لمناقشة ما إذا كان هناك تأهُب لفتح جبهات قتال إضافية في شمال إسرائيل، وما تفعله واشنطن لتجنب هذا الخطر.
“في 12 تشرين الأول/أكتوبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع يائير غولان، وحنين غدار، وديفيد شينكر، وفرزين نديمي. وقد كان اللواء غولان (احتياط) نائب لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقائد “الجبهة الشمالية” سابقاً. وغدار هي زميلة أقدم في “برنامج فريدمان” في المعهد وشاركت في تأليف دراسته لعام 2018 بعنوان “مشروع إيران للصواريخ الدقيقة ينتقل إلى لبنان“. وشينكر هو زميل أقدم في “برنامج توب” في المعهد ومدير “برنامج «روبين فاميلي»حول السياسة العربية”. ونديمي هو زميل أقدم في المعهد ومؤلف دراسته الأخيرة بعنوان “الجيل القادم من الصواريخ الباليستية الإيرانية“. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
يائير غولان
لسوء الحظ، لا يمكن بأي شكلٍ من الأشكال التكهّن بما قد تقوم به إيران ووكلاؤها في المستقبل. وتقوم طهران بتقييم الوضع على الأرض بحذر وباستمرار، وتشمل هذه الحسابات جزءاً مهماً وهو احتمال تعريض “حزب الله” ومشروع استيلائه على الدولة في لبنان للخطر. و”حزب الله” هو جهة قوية تعمل في المنطقة كوكيلة لإيران وكقوة رادعة إيرانية. وستؤثّر قيمة هذه الجهة الوكيلة، وقوة الجيش الإسرائيلي، وإمكانية التدخل الأمريكي، في قرار طهران بشأن فتح جبهة في لبنان أم لا.
في أعقاب الهجوم المفاجئ الكبير الذي شنّته حركة “حماس”، حشدت إسرائيل جيشها لتأمين حدودها الشمالية. وقد استُدعيت وحدات الاحتياط، ووصلت عمليات نشر القوات في الشمال إلى مراحلها النهائية. وقد أصبحت إسرائيل مستعدة لأي تطورات قد تحصل على حدودها، لذلك سيتصرف الإيرانيون بحكمة إذا التزموا بالحياد في هذه الحرب. ومع ذلك، فإن الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانوا سيبقون خارج المعركة.
هناك ثلاثة سيناريوهات قد تحثّ “حزب الله” على تنفيذ رد عسكري مباشر. السيناريو الأول هو قيام إسرائيل بشن عملية واسعة النطاق داخل غزة واستنتاج “حزب الله” أن الشمال هو أكثر عرضة للهجوم. والسيناريو الثاني هو قيام إسرائيل بتوجيه ضربة استباقية ضد “حزب الله” تحسباً لأي هجوم كبير من الشمال. والسيناريو الثالث هو انخراط إيران عبر إطلاق صواريخ من أراضيها أو من العراق أو سوريا أو اليمن. ومن شأن هذه السيناريوهات أن تؤدي بدورها إلى تحديد معالم التدخل الأمريكي.
لذلك، يتعيّن على صنّاع القرار أن يأخذوا في الاعتبار جميع الاحتمالات والمسارات. وإذا قررت إسرائيل النظر في توجيه ضربة استباقية، فيجب أن تنسّق مع الولايات المتحدة. فمع أن مستوى التوتر بين واشنطن والقدس كان مرتفعاً نسبياً قبل الحرب، فمن المفترَض أن تصبح سياستهما الخارجية أكثر انسجاماً في المستقبل، خاصةً فيما يتعلق بإيران.
حنين غدار
يحاول “حزب الله” تحقيق توازن هش. فمع أن انخراط إسرائيل المستمر في الشمال قد لا يؤدي إلى حرب شاملة، يشعر الحزب بالقلق من هذا الاحتمال. وسبق أن تم إجلاء عائلات مسؤولي “حزب الله” والسكان المحليين من المجتمعات الحدودية. لكن لم يتم إخلاء المدن الأبعد نسبياً عن الحدود، مما يشير إلى أن الحزب يستعد لمواصلة الاستفزازات وليس للحرب الشاملة. ولا شك في أن هذه الاستراتيجية الظاهرة قد تتغير في أي لحظة.
وترتبط عملية صنع القرار لدى “حزب الله” ارتباطاً وثيقاً بقرارات إيران. ومن المستغرَب أن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، ما زال يلتزم الصمت لغاية الآن، بينما كانت تعليقاته كثيرة خلال حرب لبنان عام 2006، مما يشير إلى أن طهران لا تملك بعد استراتيجية نهائية. وبدلاً من ذلك، قد يكون الإيرانيون مكتفين حالياً بالوقوف على الحياد، والمقارنة بين المخاطر والمكافآت المتعلقة بتدخل “حزب الله” بشكلٍ مباشر. فقد اكتسبت هذه الميليشيا نفوذاً على مر السنين من خلال تخزين وإنتاج أسلحة أكثر تقدماً بمساعدة إيران، وهي لا تريد فقدان هذه الميزة. علاوةً على ذلك، سبق أن حققت طهران أهدافها الرئيسية في الحرب وهي: استعادة بعض النفوذ الإقليمي، وتجميد عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وعزل إسرائيل عن الدول المجاورة لها.
ومن المهم التَذَكُّر أن “حزب الله” لا يمثّل لبنان. فقد اجتذب الحزب مؤيدين له في الماضي من خلال سردية “المقاومة”، ولكن بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2019، أدرك معظم الجمهور أن الهدف المحلي الأساسي لـ”حزب الله” هو حماية الوضع الراهن. وتُشكّل حرب غزة فرصة مثالية لكي يعيد الحزب صياغة سردية المقاومة وإحياءها. ولكن سواء أكان الشعب يؤيد هذه السردية أم لا، فمن المرجح أن “حزب الله” لا يريد الدخول في حرب. ويبدو أن قادة الحزب يدركون أن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لجر البلاد أو “الجيش اللبناني” غير المستعد إلى صراع كبير – ذلك الصراع الذي قد تؤدي عواقبه إلى تدمير ما تبقى من الاستقرار والبنية التحتية في لبنان.
ديفيد شينكر
في الأيام التي تلت هجوم “حماس” على جنوب إسرائيل، نفّذ “حزب الله” استفزازات مختلفة على طول الحدود الشمالية، وردّ الجيش الإسرائيلي بتنفيذ عمليات محدودة على نحوٍ مماثل. إلا أن الوضع على الحدود متقلب، وتشكل أي حسابات خاطئة مثل تلك التي أشعلت شرارة الحرب في عام 2006 خطراً حقيقياً. ويشير التاريخ إلى أن التصعيد ممكن، إن لم يكن محتملاً. فكيف تتعامل واشنطن إذاً مع هذا الخطر؟
في 10 تشرين الأول/أكتوبر، ألقى الرئيس بايدن خطاباً استثنائياً حدد فيه رد الولايات المتحدة على هجوم “حماس” غير المسبوق، وحذّر فيه الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية الأخرى من التدخل. بالإضافة إلى ذلك، أرسل مجموعة “حاملة الطائرات الهجومية” من طراز “يو إس إس جيرالد فورد” (USS Gerald R. Ford) إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، في إطار عملية انتشار لا تهدف إلى ردع إيران ووكلائها فحسب، بل للرد أيضاً على العملية الإرهابية والاستجابة لوضع الرهائن الذين يشملون في عدادهم مواطنين أمريكيين. لكن من غير الواضح مدى قوة الردع التي سيشكلها هذا الأمر. وفي 11 تشرين الأول/أكتوبر، ادّعت “قناة المنار” الفضائية التابعة لـ “حزب الله” أن نشر حاملة الطائرات يظهر ضعف إسرائيل.
وسواء انضمت الولايات المتحدة إلى القتال أم لا، فإن مجموعة “حاملة الطائرات” يمكن أن تُعزز قدرات الرد الإسرائيلي إذا اتسع نطاق الصراع، على سبيل المثال من خلال توفير صورة جوية محسَّنة تتيح دفاعاً أفضل ضد الصواريخ البعيدة المدى. كما زوّدت واشنطن إسرائيل بالمزيد من الذخيرة، وهي بصدد إعادة تزويد راصدات “القبة الحديدية” لديها بالإمدادات، وأرسلت مجموعة “حاملة طائرات هجومية” ثانية من طراز “يو إس إس أيزنهاور” (USS Eisenhower) إلى المنطقة.
وقد حذر وكلاء إيران، مثل “حزب الله” اللبناني و”كتائب حزب الله” في العراق، والحوثيين في اليمن، الولايات المتحدة من التدخل العسكري، ومع أن هذه التهديدات ليست جديدة من نوعها، إلا أنها تزيد من احتمالات التصعيد الأفقي. ومن شأن هذا التطور أن يضغط على موارد الولايات المتحدة التي ستُخصَّص لأوكرانيا وإسرائيل وضمان الجاهزية الأمريكية في المناطق الأخرى. وتسعى روسيا والصين إلى رؤية الولايات المتحدة مشتتة الانتباه ومنخرطة بشدة في هذا الصراع، لذلك يجب أن تكون واشنطن استباقية في التعامل مع إيران ووكلائها.
فرزين نديمي
رسّخت إيران وجوداً خطراً في المنطقة من خلال الوكلاء الأجانب وتطوير قواتها التقليدية البعيدة المدى بثبات. وقد ردعت هاتين الأداتين تنفيذ الأعمال العسكرية ضد إيران، مما سمح للنظام باتخاذ موقف دفاعي واستخدام وكلائه للعمليات في العمق.
في لبنان، لم يقم “حزب الله” بشراء مخزون كبير من الأسلحة الإيرانية فحسب، بل طوّر أيضاً صناعة أسلحته السرية بمساعدة طهران. وقد يُشكّل هذا الحزب، المسلح بصواريخ بعيدة المدى وطائرات انتحارية بدون طيار، تهديداً حقيقياً للتدخل الأمريكي في شرق البحر الأبيض المتوسط، مثلما فعل في حرب عام 2006 عندما ألحقت بعض الصواريخ التي قدّمتها إيران أضراراً بفرقيطة صواريخ إسرائيلية. ووفقاً للتقييمات الحالية، ضاعف “حزب الله” تقريباً مدى صواريخه المضادة للسفن منذ عام 2006، وهذا واقعٌ يجب أن يأخذه المخططون الأمريكيون في الاعتبار عندما ينشئون محيطاً حذراً. كما يجب أن يراقبوا عن كثب المناورات البحرية التي تجريها إيران في الخليج العربي لتعزيز موقفها الدفاعي.
ولا تعارض طهران الحفاظ على موقف دفاعي مع السماح لـ”حزب الله” بمواصلة استفزازاته الحدودية. وسيستمر هذا الموقف على الأرجح حتى لو شنّت إسرائيل غزواً برياً على غزة. لكن من المحتمل جداً أن تستخدم إيران في نهاية المطاف طائراتٍ بدون طيار لاستهداف السفن الإسرائيلية التي تنفذ مهاماً سرية. أما تهديد الأصول العسكرية الأمريكية بشكلٍ مباشرٍ فهو أقل احتمالاً، ما لم يستحوذ “حزب الله” على أصول الدفاع الجوي الإيرانية ويقرر استخدامها.
من جهة أخرى، قد تفتح طهران جبهة ثانية في مرتفعات الجولان، وهو خيارٌ تعتبره أكثر أماناً من الحدود اللبنانية. وتُعتبر الجولان منطقة مفضلة للعمليات بالنسبة “للحرس الثوري الإسلامي”، الذي يقوم بتجنيد مجموعات محلية في الميليشيات لدعم أنشطة “حزب الله” في سوريا بينما ينشر طائرات بدون طيار وقدرات صاروخية في جميع أنحاء المنطقة. ويتمتع “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري الإيراني” بالبنية التحتية والخبرة اللازمة لقيادة هجوم متعدد المجالات على إسرائيل مثلما فعلت “حماس”، لذا فإن حدود الجولان تستحق المراقبة الدقيقة.