لا يزال القتال بين المقاومة الفلسطينية في غزة وجيش دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى هذه اللحظة، أو حتى لحظة كتابة هذه السطور، على أشد ما تكون عليها المنازلة بين الحق من جهة والباطل من الجهة الثانية.
منذ بدأت هذه العملية البطولية التي قل نظير لها في التاريخ العربي، أو بالأحرى في الصراع العربي الإسرائيلي، على مدى عقود خلت، حتى حرب أكتوبر التي لقن فيها الجيشان المصري والسوري، جيش دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ دروسا لا يمكن أن تُنسى تاريخيا، لم تتفوق على حرب أكتوبر الفلسطينية، التي تدور الآن رحاها على أرض فلسطين؛ بسبب الخلل والاختلال الكبير، بما لا يمكن القياس عليه في موازين القوى العسكرية، بين جيش دولة الاحتلال الإسرائيلي وأبطال المقاومة الفلسطينية.
ما يجري الآن وإلى أمد ما.. ستكون له حتما نتائج ذات أبعاد استراتيجية على القضية الفلسطينية، وعلى دولة الاحتلال الإسرائيلي. لا يمكن أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل هذه العملية البطولية. دولة الاحتلال الإسرائيلي تعد عدتها لاجتياح غزة؛ لتصفية قيادات المقاومة وقواعدها الشعبية، والبنية التحتية لها في القطاع. أمريكا وجميع الدول الغربية أعلنت دعمها لدولة الاحتلال الإسرائيلي، كما أعلنت أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها؛ في تجاهل صارخ لجرائمها، وضربها لجميع قرارات القانون الدولي، أو الشرعية الدولية، عرض الحائط.. وبالعودة إلى ما سوف ينتج من اجتياح إسرائيل لقطاع غزة؛ من نتائج خطيرة جدا، ليس على فلسطين فقط، بل على جميع الدول العربية، حاضرا ومستقبلا.
السلام لا يتوفر إلا بتوفير الحياة الحرة والكريمة للشعب الفلسطيني على أرضه بدولة مستقلة وذات سيادة
إسرائيل ولكل ما سوف تقوم به في القطاع؛ وبدعم غربي وأمريكي لا محدود، هذا الدعم هو في الأساس مبني على استراتيجية، وليس دعما تكتيكيا.. إسرائيل والغرب وأمريكا، جاءتها الفرصة لوضع حد للصراع العربي الإسرائيلي، على قاعدة من الحلول التجزيئية والتسويفية؛ لحق شعب فلسطين في الحياة الحرة والكريمة. واللافت أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي قامت بقطع الغذاء والماء والكهرباء وكل ما له علاقة بالحياة الإنسانية، وما يقع في خانة حقوق الإنسان؛ وجوبهت بالصمت من قبل أمريكا والغرب عموما؛ تعتبر مشاركة في هذه الجريمة؛ بإخفائها عن التداول الواسع إعلاميا. إن مخطط التوغل في قطاع غزة؛ هو الاكثر تعقيدا والأكثر سعة، إذا ما حصل، ولسوف يحصل؛ فليس القصد منه فقط تصفية المقاومة هناك، بل إن الأمر أبعد كثيرا من التصفية المجردة، ومن أهدافها الواسعة تجاوز قطاع غزة، إلى ما هو أبعد منه جغرافيا وسياسيا.. العملية الإسرائيلية المرتقبة؛ سوف تتبع سياسة الأرض المحروقة، أي أنها سوف تدفع السكان إلى الهجرة بعد فتح الأبواب لهم، وهذا هو ما يفسر لنا إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ على قطع جميع وسائل إدامة حياة الإنسان؛ ما يؤدي إلى سهولة إخلاء القطاع، أو حتى إخلائه جزئيا على أقل تقدير، وبالتالي وحسب تصورهم أو خططهم في هذا الطريق؛ الذي يقود إلى إجراء تسويات ما، لاحقا تتعدى فلسطين إلى دول الطوق العربي، وربما غيرها من الدول العربية، وما حولها من دول الجوار الإسلامي. لذا، فإن الايام المقبلة؛ سوف تشهد تصعيدا واسعا جدا، ضد غزة ليس فقط ضد المقاومة الفلسطينية، بل ضد الشعب الفلسطيني بأكمله. أما عرب الأنظمة العربية فإنهم أكثر صمتا من أمريكا والغرب، متناسين أن الدائرة سوف تدور عليهم أيضا. لكن هل تنجح إسرائيل ومن خلفها أمريكا، أو في موازاتها جنبا إلى جنب من تحقيق ما تخطط له؟ حتما لن تنجح، حتى إن ظهرت الأوضاع والأمور والتحولات على غير ما يريد المقاومون الفلسطينيون في أول ظهور لمخرجاتها، لكن هذا الظهور سوف ينقلب حتما على ظهره ويفتقد الحركة المرنة، إن لم يتوقف تماما عن الحركة. إن وكر الدبابير في تل أبيب وفي غيرها من عواصم الدعم لإسرائيل، بلا أقل شرط إنساني، لم يفهموا بعد؛ أن الزمن قد تغير، وأن الشعب الفلسطيني قبل قرن تقريبا، هو الشعب الفلسطيني ذاته، لكن تراكم التجارب والنكبات والآلام والمواجع والفواجع خلال ما يقارب القرن؛ قد أكسبته حصانة على حصانته وقوة وثباتا وإصرارا على أن ما حدث في عام 1948 لن يتكرر أبدا. وتناسوا أيضا؛ أن هناك شعبا يريد ويعشق أرضه وحياته الحرة على أديمها، وهو يدفع بالشهداء ليرووا بدمائهم أرضهم؛ شهيدا تلو شهيد. هذا التناسي هو ما أغراهم؛ بأن بإمكانهم ان يصفوا المقاومة ويحدثوا تغيرا ديموغرافيا في قطاع غزة، وربما هناك خيال صهيوني؛ أن يحدثوا تغييرا ديموغرافيا للشعب الفلسطيني أيضا. هذا الخيال الصهيوني سوف يصطدم حتما بإرادة المقاومين، وتمسك الفلسطينيين بأرضهم مهما كانت الظروف وضغطها الشرس، والذي ليس له علاقة بالمطلق بجميع الشروط الإنسانية والأخلاقية.
في السياق ذاته، ومن وجهة نظري؛ أن الصهاينة؛ سيصحون بعد انجلاء غبار المعارك، على حقيقة مدوية؛ وهي أن المقاومة صارت أكثر قوة وأكثر تأييدا جماهيريا، وبيدها أوراق ضغط وتفاوض (العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين ومن جنسيات أخرى، امريكية وربما غيرها) لم تملكها يوما كما هي قد امتلكتها في حرب أكتوبر الفلسطينية البطولية. كما أن الحقيقة الأخرى؛ هي أن التطبيع المجاني مع الدول العربية؛ لن يوفر لهم الأمن والسلام أبدا. إن السلام لا يتوفر إلا بتوفير الحياة الحرة والكريمة للشعب الفلسطيني على أرضه بدولة مستقلة وذات سيادة.