بصعوبة أعطت إسرائيل اهتماماً لزيارة رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك، الخميس. والسبت استقبلت نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني. وسيهبط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. من غير الواضح ما الجدوى التي سيقدمها هؤلاء من زياراتهم لإسرائيل أثناء الحرب. ولكنهم على الأقل يشغلون رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي التقى في الأسبوعين الأخيرين منذ هجوم حماس، مع أكثر من سياسي أجنبي مقارنة مع العائلات الثكلى وأبناء عائلات المخطوفين في غزة.
القطار الجوي للزعماء الذين يهبطون في مطار بن غوريون هو جزء من متلازمة أوكرانيا، التي يعيشها العالم الغربي. في فترة السنة والنصف الأخيرة، كل هؤلاء الزعماء ذهبوا إلى رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، في كييف التي تتعرض للقصف، وأثنوا على بطولته وأشادوا بزوجته التي ترتدي الزي العسكري. نتنياهو لا يوفر لهم غبار النجوم ذاك. ومن جهة أخرى، من الأسهل والآمن الوصول لزيارة قصيرة إلى إسرائيل.
كييف لا تحظى بحماية القبة الحديدية، ومن أجل الوصول إليها، هناك رحلة طويلة ومتعبة في القطار من الحدود مع بولندا.
في حين أن نتنياهو يبدو متعطشاً للالتقاء مع الأشخاص الذين لن يطلبوا منه اتخاذ قرارات صعبة أو يصرخون عليه بأنه دمر الدولة، ويطرح سؤال ما الذي ستكسبه إسرائيل من هذه الزيارات. والمقارنة مع أوكرانيا مطلوبة. يمكن القول تقريباً بيقين إن الجيش الأوكراني كان سينهار في ساحة المعركة أمام غزو روسيا لو لم يرافق زيارات هؤلاء الزعماء دعم عسكري كبير، يقدر بعشرات مليارات الدولارات. هبطت في إسرائيل حتى الآن عشرات طائرات النقل التي تحمل المعدات والسلاح من الولايات المتحدة. ولكن رغم المساعدة البارزة والكامنة في ذلك، فإن إسرائيل ليست في وضع مشابه. فيما يتعلق بالموارد العسكرية، تميل الكفة بشكل واضح لصالح إسرائيل. هي ليست بحاجة إلى مساعدات عسكرية فورية كي تضمن وجودها.
مظاهر التضامن العالمي أيضاً تجلب معها التحذيرات، التي تسمع في الجزء المغلق من اللقاءات. للزعماء الضيوف مصالح خاصة بهم، وهم يستجيبون للرأي العام لديهم، الذي لا يشاركه بالضرورة التعاطف مع إسرائيل، خصوصاً في أوساط الجاليات المسلمة. إضافة إلى ذلك، هم يهتمون قبل أي شيء آخر بمصير المخطوفين في غزة، الذين يحملون جنسيات أجنبية. هناك أكثر من مكان للخوف من أن نتنياهو الذي يتوق للحب من نظرائه في العالم ربما يتأثر بهذه الطلبات، حتى لو لم تناسب مصالح إسرائيل.
ثمة تعبير عن التزام تجاه إسرائيل لا يجب الاستخفاف به؛ فعلى الرغم من الخلافات السياسية والقرف من نتنياهو، فإن زعماء العالم الغربي، من الرئيس الأمريكي جو بايدن فصاعداً، يعتبرون إسرائيل عضوة في كتلتهم مع أوكرانيا وتايوان التي تهددها الصين. إذا خرجت إسرائيل من هذه الحرب مهزومة، فسيكون هذا إضراراً بمصالح الغرب. أما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فيدرك ذلك. وعلى الرغم من أنه اختار نتنياهو أن يضمه لحملة “الدوري الآخر” لليكود قبل أربع سنوات، يقارن بوتين اليوم غزة بلنينغراد المحاصرة. يرمز بوتين في هذه المقارنة إلى أن الجيش الإسرائيلي يشبه الفيرماخت النازي.
المستضيف نتنياهو هو الذي لم يفهم النظام العالمي الجديد. هو ورجال مكتبه يرحبون بكل بيان لزعيم يريد زيارة البلاد، حتى لو سرق هذا الأمر ساعات ثمينة من الانشغال بالتخطيط للحرب وتقديم الاجابات المدنية لسكان إسرائيل النازفين. كل ذلك صحيح إلى أن يأتي ضيف واحد هو زيلينسكي، الذي لم يجدوا له حتى الآن أي فرصة. أما زال نتنياهو عالقاً في غرامه الفاشل مع الدكتاتور الروسي، أم أنه يدرك كيف أن المقارنة بينه وبين الزعيم اليهودي الأوكراني الذي يتجول بين أبناء شعبه ويستقبلونه بتعاطف خلافاً لنتنياهو، لن تروقه على أقل تقدير؟
حرب هياكل
حتى شبكات الإعلام الدولية الكبرى تتعامل مع الحرب بين إسرائيل وحماس بشكل مشابه للحرب في أوكرانيا. ومثلما فعلت في شباط من السنة الماضية، سارعت إلى إغراق المنطقة بالمراسلين والمصورين والمحللين ومقدمين نجوم ترافقهم طواقم حراسة ومترجمون ومساعدون وسائقون. كثيرون منهم راكموا أشهراً كثيرة في فترة السنة والنصف الأخيرة في تغطية الحرب التي ما تزال مستمرة في أوكرانيا.
لكن أوكرانيا دولة واسعة النطاق. توقفت فيها رحلات الطيران الداخلية منذ بداية الحرب، وأي سفر إليها، سواء إلى المدن الرئيسية أو الجبهات (التي تم منع وصول وسائل الإعلام إليها في الأشهر الأولى)، يحتاج إلى ساعات طويلة، وأحياناً بضعة أيام سفر في السيارة أو القطار. أما في إسرائيل الصغيرة فيمكن الذهاب كل يوم للكتابة من الجبهة الجنوبية أو الشمالية والعودة في المساء إلى الفندق في القدس أو تل أبيب.
من السهل اتهام وسائل الإعلام الأجنبية بأنها سقطت في روايات ثابتة، لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية لا تنقصها مثل هذه الاتهامات. يصعب أكثر الافتراض بأنه كلما طالت الحرب، سينجحون السياسيون في التحرر منها. مع ذلك، بعد حل وزارة الإعلام الوطني الزائدة، ربما من الأفضل أن يركز الإسرائيليون على المشكلات الحقيقية، وأن ينفعلوا بدرجة أقل من صور نتنياهو مع زعماء العالم، أو من العناوين.