كانت 6 ديمقراطيات غربية، تتصدرها الولايات المتحدة بوصفها القوة الأعظم، قد انتظرت 17 يوماً من الحرب الوحشية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة قبل أن تصدر بياناً مشتركاً يطالب بالالتزام بالقانون الدولي. كما تريثت حتى سقوط أكثر من 5000 شهيد فلسطيني بينهم أكثر من 2000 طفل، فضلاً عن 15273 مصاباً، قبل أن تناشد بحماية المدنيين. لكنها قبل هذا وذاك ابتدأت بالتشديد على الدعم المطلق لدولة الاحتلال وحربها البربرية، ولم تغفل اجترار الخرافة الكاذبة حول حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن النفس.
هذا هو جوهر البيان المشترك الذي استصدره الرئيس الأمريكي جو بايدن من زعماء بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا، خلال مشاورات عبر الهاتف صنعت مناسبة إضافية لافتضاح أنساق الزيف التي تجلل مواقف هذه الديمقراطيات، زاعمة الدفاع عن حقوق الإنسان وإعلاء القانون الدولي، إزاء مبدأ كوني بالغ البساطة يقول بالمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون الدولي. إذ لا يخفى على بايدن وشركائه، البريطاني ريشي سوناك والألماني أولاف شولتز والفرنسي إمانويل ماكرون والإيطالية جورجيا ميلوني والكندي جاستن ترودو، أن أي دفاع عن النفس لا يمكن إلا أن يكون حقاً متساوياً للقاتل وللضحية في آن معاً، وأنه حق يحكمه مبدأ التناسب ويحيله الإفراط إلى إجرام صريح مفتوح، كما تضبطه مواثيق الحروب التي توصلت إليها الإنسانية المعاصرة.
جانب آخر فضائحي في بيان الديمقراطيات الـ6 هو الحديث عن مواصلة التنسيق الدبلوماسي الوثيق من أجل «التوصل إلى حل سياسي وتحقيق سلام دائم» فأين كان الفرسان الموقعون على البيان حين وقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة ورفع خارطة للشرق الأوسط تخلو تماماُ من فلسطين، فلم يكتف بالدوس على خيار حلّ الدولتين الذي تعلن هذه الديمقراطيات تمسكها به، بل سعى في خارطته إلى إلغاء المسمى الفلسطيني جملة وتفصيلاً؟ وماذا فعلت دولهم أثناء عقود من اشتغال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تفخيخ اتفاقيات أوسلو وتفكيك بنودها تباعاً، لصالح الاستيطان ومصادرة الأراضي والإلحاق والضمّ وجدران العزل وتشريعات التمييز العنصري والأبارتيد؟ ثم أين كانوا حين لم يجد وزير الدفاع الإسرائيلي أي حرج عند تصنيف الآدمي الفلسطيني في خانة «الحيوانات المتوحشة» وهل تذكروا هذا التدني في التفكير واللغة حين عانقه بعضهم خلال جولات «الحجيج» اللاهث إلى دولة الاحتلال؟
بيان الديمقراطيات الـ6 هو الثاني على التوالي منذ «طوفان الأقصى» ولعل الفارق الوحيد عن الأول هو أن الزعماء الموقعين باتوا في حال من الاضطرار لتقديم جرعة نفاق إضافية تلاقي المتغيرات المتسارعة في قراءة الرأي العام العالمي للوحشية الإسرائيلية من جهة، وللوجهة السافرة في التعامل مع جرائم دولة الاحتلال بمكيال الانحياز الأعمى والمساندة القصوى من جهة ثانية. وإلى جانب الموجات المتعاظمة من التظاهرات الشعبية العالمية المؤيدة للحقوق الفلسطينية والمطالبة بوقف الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية، ثمة في ثنايا لغة البيان ذاته ما يشي بأن سيل الاصطفاف خلف جرائم الحرب الإسرائيلية قد بلغ الزبى.