هل من تغيّر في الموقف الأمريكي؟

هل من تغيّر في الموقف الأمريكي؟

كان الرئيس الأمريكي في حفل جمع تبرعات لحملته الانتخابية الرئاسية المقبلة حين صرخت إحدى الحاضرات: «بصفتي حاخامة، أريدك أن تدعو لوقف إطلاق النار الآن». رد بايدن قائلا إنه يدعم وقف القتال للسماح بالإفراج عن «الأسرى» الذين تحتجزهم حماس في غزة، مضيفا: «أتفهم المشاعر. هذا الأمر معقد جدا بالنسبة للإسرائيليين، ومعقد جدا للمجتمع الإسلامي أيضا».
تزامن تصريح بايدن مع وقائع أمريكية ملفتة، منها تصويت الكونغرس لصالح نسف قرار ينتقد النائبة رشيدة طليب بسبب انتقاداتها لإسرائيل، وهو تصويت دعمه، إضافة إلى كل النواب الديمقراطيين، 23 نائبا جمهوريا، مما شكل مفاجأة إذا أخذنا في الاعتبار اتجاه الإدارة الأمريكية الداعم بشدة للعدوان الإسرائيلي على غزة.
شارك نائب جمهوري آخر، هو توماس ماسي، إلى تسعة من النواب الديمقراطيين، بينهم طليب، وإلهان عمر، وألكساندريا كورتيز، وجمال بومان وآخرون، في حدث هجوم يندر حصوله على «لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية» (أيباك) وهي جماعة ضغط يهودية شديدة النفوذ، بعد انتقاد الأخيرة لهم بسبب رفضهم قرارا للكونغرس بدعم إسرائيل، وقال ماسي إن القرار المذكور «يتضمن وعدا مطلقا بتقديم دعم عسكري واسع النطاق لدرجة أنه يمكن تفسيره على أنه يلزم جنودا أمريكيين بالمشاركة في الصراع».
جاء تصريح بايدن الأخير بعد يومين من تأكيد جون كيربي، الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، رفض إدارة بايدن وقف إطلاق النار، واستخدام إدارته حق النقض (الفيتو) لمنع مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى هدنة إنسانية ويسمح بدخول مساعدات إلى قطاع غزة، وبعد معارضة واشنطن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي لهدنة إنسانية فورية.
يتجهز وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، توني بلينكن، في هذه الأثناء، لزيارة جديدة إلى المنطقة تشمل إسرائيل والأردن، ورغم أن بلينكن سيقوم كالعادة بإعلان الدعم لتل أبيب، فإن الوزير قد يحمل أيضا مطالب محددة تستجيب لمجموعة من العناصر التي استجدت بعد العدوان الإسرائيلي، في غزة، وفي المنطقة العربية، والعالم، وفي أمريكا نفسها.
من الطبيعي أن تتركز جهود بلينكن على الدفع في اتجاه إجلاء المزيد من الأجانب من غزة، وكذلك بالإشراف على إطلاق بعض الرهائن. هذا الأمر يستدعي تقديم مقابل لسكان غزة، من قبيل إعلان «هدنة إنسانية» تتوقف فيها هجمات إسرائيل ولو لفترة قصيرة، ومن غير المعلوم إن كان في جعبة بلينكن ما يمكن الضغط به على نتنياهو، وطاقمه الحربي، اللذين سيرفضان هذه الهدنة.
مبعث هذه التطوّرات، على الصعيد الأمريكي، هو تصاعد الغضب الجماهيري في العالم من المذابح الوحشية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك تصاعد صوت الجناح المعارض للدعم المطلق لإسرائيل في الحزب الديمقراطي، وكذلك في أوساط اليسار، والمسلمين والأفارقة واللاتينيين، وهي الفئات التي يعوّل الحزب الديمقراطي عليها لفوز جديد لبايدن في الانتخابات القادمة.
رغم الإعلانات المتكررة عن الدعم لإسرائيل، فمن المنطق أن تكون هناك مخاوف أمريكية من تداعيات الأحداث القادمة، ومن السيناريوهات الافتراضية التي تقترحها إسرائيل حول «مرحلة ما بعد حماس» وهي افتراضات تتجاهل التداعيات الفلسطينية والعربية والعالمية للمجازر الهائلة التي تتضمنها هذه السيناريوهات، وهي افتراضات، يمكن للفلسطينيين، أن يفندوها عبر المقاومة الكبيرة التي تبديها «حماس» والفصائل الأخرى، والتي عرّضت الجيش الإسرائيلي، باعتراف قيادته، لخسائر جسيمة خلال تدخله البري الجاري.