القمة العربية أمام تحدي انتزاع المبادرة من إسرائيل وإيران

القمة العربية أمام تحدي انتزاع المبادرة من إسرائيل وإيران

هل تهيّئ القمّة العربية الاستثنائية المنتظر انعقادها في الرياض السبت المقبل في 11 تشرين الثاني لحضور عربي فاعل في التعاطي مع الحرب الإسرائيلية المندلعة ضدّ غزة وتفاعلاتها الإقليمية والدولية؟ أم يقتصر موقف الدول العربية مجتمعة على البيانات العاجزة عن وقف الحرب، فيحرمها ذلك من أن يكون لها موقع مؤثّر في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب؟

المنحى الاستقلالي الذي كانت الدول العربية، ولا سيما السعودية، على عتبة تكريسه في العلاقات الدولية في السنتين الماضيتين بات أمام امتحان جدّي.

الدول العربية الرئيسة أمام تحدّي إثبات الوجود حيال حراك دولي وإقليمي يستثمر في جهود الإعداد لصيغة من أجل إنهاء الحرب، ومبادرات عدّة ما زالت في إطارها النظري:

ما سبق القمّة، التي تترافق مع انعقاد قمّة عربية إفريقية في العاصمة السعودية، لا يشي بأكثر من صدور بيان تقليدي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزّة، مع التشديد على أنّ الحل يكمن في تجديد مفاوضات السلام

مبادرات تتحدّى الحضور العربيّ

1- دعوة الصين إلى مؤتمر دولي حول حلّ القضية الفلسطينية.

2- دعت تركيا وإيران إلى عقد مؤتمر إقليمي بهدف تجنّب توسّع الحرب المتصاعدة بين إسرائيل و”حماس”، إثر لقاء جمع وزير خارجية تركيا حقان فيدان ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في أنقرة، في الأول من الشهر الجاري، غداة اجتماع الأخير بقيادات من “حماس” في الدوحة.

3- تركيز الجانب الأميركي وبعض الدول العربية على أن تلعب السلطة الوطنية الفلسطينية دوراً في إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وإبداء الرئيس محمود عباس استعداد السلطة لتسلّم مسؤولية غزّة، إضافة إلى الضفة الغربية والقدس اللتين تتعرّضان بدورهما لهجمات إسرائيلية ممنهجة تزداد شراسة بموازاة حرب غزّة، بهدف قضم المزيد من الأراضي والمساحات لمصلحة المستوطنين.

4- الأنباء المتجدّدة عن مفاوضات سرّية تجري بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في سلطنة عُمان حول القضايا العالقة بين الدولتين. وفي وقت يستريب مراقبون كثر بأنّ طهران قد تحصل من واشنطن على مكاسب مقابل دورها في منع توسّع الحرب، وتدور شكوك في أن تتمكن هذه المفاوضات من لجم الاندفاع الإسرائيلي نحو تحقيق خطة ترانسفير الغزّيّين نحو سيناء بعد تدمير الجزء الشمالي من القطاع.

ما سبق القمّة موقف تقليديّ

ما سبق القمّة، التي تترافق مع انعقاد قمّة عربية إفريقية في العاصمة السعودية، لا يشي بأكثر من صدور بيان تقليدي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزّة، مع التشديد على أنّ الحل يكمن في تجديد مفاوضات السلام وصولاً إلى قيام دولة فلسطينية على أراضي 1967 عاصمتها القدس الشرقية على أساس المبادرة العربية للسلام ووفق صيغة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. وما يسأل عنه المراقبون هو الأدوات العملية التي ستستخدمها الدول العربية لاكتساب موقع مؤثّر على الساحة الدولية ينهي الحرب ويضع أسساً لحلول مستقبلية.

لكن حتى بيان من النوع التقليدي الرافض لتفريغ غزّة ويتمسّك بحقوق الفلسطينيين، لا يبدو أنّه يصبّ في خانة وقف حرب الإبادة الإسرائيلية في القطاع، التي تطمح تل أبيب إلى أن تنتهي بطرد “حماس”، على الأقلّ من الجزء الشمالي من غزّة، في ظلّ إصرار أميركي على إعطاء المزيد من الوقت لحكومة بنيامين نتانياهو المتطرّفة كي تنتقم من عملية “طوفان الأقصى” الصاعقة التي هزّت الكيان الإسرائيلي.

هناك وقائع في هذا الصدد يمكن تعدادها كالآتي:

– على الرغم من التحذيرات الأميركية الضمنية لقادة الدولة العبرية من أنّ طموح تهجير فلسطينيّي غزّة بالمجازر ضدّ المدنيين من جهة، والقضاء على “حماس” من جهة ثانية، سينقلبان في غير مصلحتها ويكرّسان ضعف صورتها الردعية في نهاية المطاف، ما زالت واشنطن على تأييدها لهدف “القضاء على حماس”، أي أنّ واشنطن لم تنتقل إلى ممارسة ضغوط جدّية على تل أبيب في إطار ما يصفه بعض الكتّاب الأميركيين مثل توماس فريدمان، بأنّه هدفه “إنقاذ إسرائيل من نفسها”.

الدول العربية الرئيسة أمام تحدّي إثبات الوجود حيال حراك دولي وإقليمي يستثمر في جهود الإعداد لصيغة من أجل إنهاء الحرب، ومبادرات عدّة ما زالت في إطارها النظري

Pause بدل الهدنة؟

– وفق ما تسرّب عن محادثات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع وزراء خارجية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر والسلطة الوطنية الفلسطينية في عمّان السبت الماضي، التي انتهت إلى إعلان الجانب العربي عن خلافات وتباينات مع الجانب الأميركي، يأخذ العديد من المراقبين على بعض الدول العربية أنّها تقرّر توجّهاتها وفي ذهن قادتها الخشية من أن تحقّق “حماس” انتصاراً ما على الصعيد السياسي.

– يقول مصدر وزاري عربي لـ”أساس” إنّ الأميركيين على موقفهم الرافض لوقف إطلاق النار، الذي برّره بلينكن بأنّه سيتيح لـ”حماس” إعادة تنظيم صفوفها. ويضيف: “في اللقاءات معهم لا يستخدم الأميركيون حتى تعبير “هدنات” إنسانية الذي يتحدثون عنه علناً، بل يستخدمون عبارة Pause humanitaire، التي يمكن ترجمتها “استراحة إنسانية” أو “توقّف (مؤقّت للحرب) لأهداف إنسانية”، بهدف تمرير مساعدات إنسانية والتفاوض على تبادل الأسرى والرهائن”. وهذا يحتمل التفسير القائل إنّ الهدنات قد تكون لبضع ساعات فقط.

أيّ سقف للموقف العربيّ؟

تطرح الوقائع والتقديرات السابقة السؤال عمّا إذا كان الزعماء العرب سيتوصّلون إلى رفع سقف الضغوط على المجتمع الدولي، سواء بالنسبة إلى معالجة الوضع الإنساني في غزة، أو بالنسبة إلى إعطاء القطاع فسحة للتنفّس من القصف المجنون أو في شأن مستقبل القضية الفلسطينية ضدّ جموح إسرائيل لتصفيتها. وهو سؤال لا يملك معنيون بحضور القمّة أجوبة واضحة عليه. أقصى ما توصّلت إليه الدول الرئيسة المعنية في الاجتماعات التي سبقت انعقادها كان:

– أولاً: وقف محادثات التطبيع العربي، ولا سيما السعودي مع إسرائيل، وسحب مملكتَي البحرين والأردن السفيرين من إسرائيل. وهو إجراء بقدر ما يمكن احتسابه ضاغطاً على الدولة العبرية لوقف المجازر، إلا أنّ دولاً غير عربية قرّرت مثله، من بينها كولومبيا وهندوراس وتشيلي، فيما قطعت بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع الدولة العبرية. فهل تتخطّى الدول العربية هذا الإجراء، في وقت حافظ بعضها على العلاقة مع إسرائيل؟

– ثانياً: للتذكير فإنّ انعقاد “قمّة السلام” الدولية الإقليمية في القاهرة في 21 تشرين الأول، تعذّر من بعدها صدور بيان مشترك عنها بسبب الإصرار الأوروبي والأميركي على إدانة “حماس” واعتبارها تنظيماً إرهابياً وسط الهستيريا الغربية بالتضامن مع إسرائيل، والتمسّك بأن يشمل البيان “حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس”. وجرى استبدال البيان المشترك ببيان من تسع دول عربية هي السعودية والإمارات والأردن والبحرين وقطر والكويت ومصر والمغرب وسلطنة عمان، يرفض “تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم”، ويندّد “باستهداف المدنيين وانتهاك القانون الدولي الإنساني والعقاب الجماعي في غزة”، ويطالب مجلس الأمن “بإلزام الأطراف بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار”. واعتبرت الدول العربية التسع أنّ “التقاعس في توصيف الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تورّط في ارتكابها”.

إقرأ أيضاً: غزّة: هل الحلّ في قتل كلّ فلسطينيّ؟

– ثالثاً: ذكر بيان الدول التسع بطريقة مواربة الطلب الغربي منها في الصياغة السجالية الآتية: “حقّ الدفاع عن النفس لا يبرّر انتهاك القانون الدولي ولا الإغفال المتعمّد لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة”. وكان من الطبيعي أن يحذّر “من توسيع المواجهات الدائرة وعواقبها الوخيمة على شعوب المنطقة والأمن والسلم الدوليَّين”.

هل تحدّد القمّة أدوات لتنفيذ ما تتّخذه من قرارات حتّى لو رفعت سقف موقفها عمّا تضمّنه بيان الدول التسع، لا سيما أنّ بعضها قد يطلب أعلى منه؟

يغلب التشاؤم على الإجابة عن هذا السؤال عند بعض المراقبين الذين يعتبرون أنّ التردّد العربي سيترك الساحة مجدّداً لإيران.