في اليوم الخامس والثلاثين من الحرب الإسرائيلية على غزة، وبدعوة من فلسطين والسعودية، عقدت قمة عربية ـ إسلامية في مدينة الرياض يوم السبت الماضي.
أظهرت فكرة اشتراك الدول العربية والإسلامية في قمة واحدة إمكانية تأمين تحشيد دولي غير مسبوق يعبّر عن آراء هذه المجموعة الكبيرة من الدول، ويظهر قدرتها على التدخّل في شأن «داخلي» يتعلق بعرب ومسلمين يتعرّضون لحدث خطير يستهدف وجودهم الديمغرافي والسياسي والعمراني والثقافي ويهددهم بنكبة جديدة تؤدي، بعد استكمال عمليات القتل والعقاب الجماعي، إلى وضعهم تحت الاحتلال العسكري مجددا، وتركهم يعانون التنكيل والانتقام وإمكانيات التهجير.
كان من البديهي، والمنطقي سياسيا، أمام هذا الخطر الجسيم الماثل، والذي سيعرّض المنطقة العربية، ودول الجوار الفلسطيني خصوصا، لتداعيات تاريخية هائلة، أن تخرج تلك القمة بقرارات رادعة ووازنة ومؤثرة تحدّ من أثر تلك التداعيات، عبر استهداف إسرائيل وحلفائها الغربيين، بقرارات سياسية واقتصادية مؤثرة.
غير أن الواقع الحقيقي، والذي تُملي شروطه الأعطاب الوجودية التي أصابت النظام العربي، وعلاقات العداء (الأقرب إلى الحرب في بعض الدول) بين بعض النظم العربية الحاكمة ومواطنيها، فإن منظور التوقعات من زعماء كثير من تلك الدول، قلّ كثيرا، وعليه فقد كان مفهوما أن تهبط التوقعات وأن يرغب الرأي العام العربي، والفلسطينيون، كما قال مهند العكلوك، المندوب الدائم الفلسطيني لدى جامعة الدول العربية، بحصول «مواقف غير مسبوقة» كأن «تطرد بعض الدول العربية سفراء إسرائيل لديها أو تخفض تمثيلها الدبلوماسي أو تستدعي سفراءها».
بدلا من ذلك أصدرت القمة العربية الإسلامية بيانا يتضمن «إدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري» ويدعو إلى «كسر الحصار على غزة والسماح بدخول قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع ووقف صادرات الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل» وطالب مجلس الأمن باتخاذ قرار حاسم ملزم يكبح ما وصفه بـ«جماح سلطة الاحتلال الاستعماري التي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية».
يستحق صائغو البيان التهنئة طبعا على الحرارة العاطفية في التعابير ودقة التوصيف وأهمية المطالب، وتمكّنهم من إقناع زعماء بعض الدول المنخرطة في التطبيع مع إسرائيل، أو المنهمكة في قتل شعوبها، بتدبيج توقيعاتهم على ذلك البيان، وعلى تأمين إجماع الحد الأدنى لهذا الخليط الواسع من الحكومات المتناقضة سياسيا، مع أقل ما يمكن من الدول المتحفظة والمعترضة والمنسحبة.
لكنّ السؤال المهم والكبير الذي خامر كثيرين من العرب والمسلمين عموما، والفلسطينيين على وجه الخصوص، يتعلّق بمدى تأثير مطالب هذه القمة على الأرض فعليا، وهل ساهم، بأي طريقة، في وقف قتل طفل واحد، أو تقديم الخبز للجوعى، أو منع قصف المشافي والمدارس والنازحين و«المناطق الآمنة» أو حتى ردع المستوطنين عن استهداف الفلسطينيين في الضفة الغربية، أو إشعار إسرائيل بتهديد من أي نوع، لحثها على وقف الحرب على الفلسطينيين، أو لدفع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين لوقف الدعم المطلق لإسرائيل؟
الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بالهدف الذي ارتأته القمة على نفسها، والمشاركون فيها، فلو كان ذلك الهدف هو وقف الحرب على غزة لكنّا توقعنا إجماعا أقل، بطبيعة الحال، ولكننا كنا توقعنا، في الوقت نفسه، قرارات فعلا لا مطالب ومناشدات.